بعد أكثر من ثمانية عقود من توقّع وجودها، عثر الفيزيائيون أخيرًا على دليل على وجود الوحدات المنفصلة من المادة، والتي ستساعدنا على فهم المكافئ الكهربائي لخاصية المغناطيسية الحديدية أو الفيرومغناطيسية: الخاصية التي تجعل المواد مثل الحديد تتمغنط بوجود مغناطيس.

ماذا يعني هذا؟

في حين أن بعض المواد هي مغانط دائمة تنتج الحقل المغناطيسي الخاص بها، فإن هناك مواد أخرى، مثل الحديد، تكون ذات خاصية فيرومغناطيسية، أي أنها تنجذب إلى المغناطيس تحت تأثير المجال المغناطيسي.
المواد الفيروكهربائية تعمل بنفس الطريقة نظريًا، لكن التركيب الكهربائي للحقل الكهرومغناطيسي هو الذي يغيّرها، لا التركيب المغناطيسية.

هذا لا يبدو مثيرًا للغاية، ولكن الاستفادة من إمكانيات المواد الفيروكهربائية يمكن أن تؤدّي إلى تكنولوجيا متقدّمة لتخزين البيانات، من شأنها أن تسمح لنا بتخزين المزيد والمزيد على أجهزتنا، كما يمكن أن تحلّ لغزًا قديمًا في الفيزياء، لأنه حتى الآن ما تزال هذه الجسيمات مفترَضة ولم يسبق رؤيتها.

تدعى الهستيريونات (hysterons)، وهي عبارة عن رزم صغيرة من رتبة النانو من الجزيئات، تعمل كجسيمات مستقلّة.

وقد اكتشفها الباحثون من (جامعة لينشوبينج – Linköping University) في السويد و(جامعة أيندهوفن للتكنولوجيا – Eindhoven University of Technology) في هولندا، عندما قاموا بتحليل الطريقة التي تتبع بها الجزيئات قواعد الفيروكهربائية في مادتين مختلفتين.

لفهم الفيروكهربائية بشكل أفضل، دعنا نعود إلى توأمها الفيرومغناطيسية.

إذا درست العلوم، فقد تتذكّر نشاطًا شائعًا في الصفّ يتضمّن حكّ إبرةٍ بمغناطيسٍ قويٍ لإنشاء بوصلة مغناطيسية.

يحدث هذا لأن الإبرة مصنوعة من مادة كالحديد أو النيكل، والتي تمتلك جزيئاتها الخصائص الذرّية الصحيحة لتتمكّن من التغيّر تحت تأثير التركيب المغناطيسي للحقل الكهرومغناطيسي.

إن المواد الفيروكهربائية هي الشيء نفسه تقريبًا، بَيد أن الجزيئات في هذه المواد تتحوّل بشكل دائم تحت تأثير المكوّن الكهربائي في الحقل الكهرومغناطيسي. إنهما تقريبًا وجهان لعملة واحدة، ويختلفان في الطريقة التي تنظّم الجزيئات فيها كثنائيات قطب.

في المواد الفيرومغناطيسية نفكّر في ذلك كقطبي الشمال والجنوب، أمّا إذا كنّا نتحدّث عن المواد الفيروكهربائية، فإننا ننظر إلى القطبين الموجب والسالب.

عادةً ما تترتّب ثنائيات الأقطاب بشكل عشوائي بحيث تشير إلى كل اتجاه، وهذا هو السبب في أن برادة الحديد لا تلتصق ببعضها البعض مثل علبة من المغانط المستقيمة.

لكن تحت تأثير حقل كهربائي أو مغناطيسي قوي بما فيه الكفاية، فإن هذه الأقطاب الفردية تُستَقطب جماعيًا وتعمل معًا لبناء حقل متماسك خاص بها.

السؤال الكبير هو: ماذا يعني «قوي بما فيه الكفاية؟».

إن جعل هذه الأقطاب الثنائية تغيّر اتجاهها يعتمد على القوى التي تبقيها في مكانها، وهو تأثير يشار إليه بالتخلّفية أو أو التباطؤ أو التلكؤ (hysteresis)، وهي خاصية للنظم تتمثّل في تأخر استجابتها للقوى المطبّقة عليه، وتعتمد استجابتها على القوى التي أثرت عليها سابقًا، وتطرأ عليها تغيّرات في بنيتها لا تختفي تمامًا بعد إبعاد المؤثّر عنها.

في عالم مثالي، فإن قطعة كاملة من مادّة ما من شأنها أن تظهر التخلّفية بنفس الطريقة، لكن شخصًا ما نسي أن يخبر الطبيعة بأن مجموعات الجزيئات داخل نفس المادة تتأثّر بعوامل على المقاييس الصغيرة تجعلها تتصرّف بطريقتها الخاصة.

تسمّى هذه المناطق من الجزيئات بالنطاقات، إذا كنا نتحدّث عن القطبين: الشمالي والجنوبي. وفي عام 1935، نشر عالم فيزياء يدعى فرانز بريساش أفكاره حول المكافئ الكهربائي لها، والذي أطلق عليه اسم الهستيريونات.

وفقًا لنموذج بريساش، يجب أن تتفاعل الهستيريونات الفردية مع شدّات المجال المختلفة كما لو كانت جسيمات منفصلة من المادة، تمامًا مثل النطاقات.

هذه فكرة رائعة، لكن الفيزيائيين حتى الآن لم يحقّقوا الكثير من التقدّم في ملء التفاصيل حول النظرية وراء هذه الوحدات.

من خلال مقارنة زوج من المواد العضوية الفيروكهربائية مع بنى فريدة، حدّد الباحثون الآن ترتيبات للجزيئات تشبه الهستيريونات الافتراضية.

في حين أن لديهم العديد من الاختلافات، تحتوي كلتا المادتين على رزم بعرض نانومتر واحد وطول يبلغ عدّة نانومترات من الجزيئات.

يقول الباحث الرئيسي في الدراسة، مارتين كيميرنك من جامعة لينشوبينج: «الخدعة هي أن أحجامها مختلفة وتتفاعل بقوة مع بعضها، نظرًا لكونها متراصّةً للغاية».

«وبصرف النظر عن حجمها الفريد، فإن كلّ رزمة تشعر ببيئة مختلفة عن الرزم الأخرى، وهو ما يفسّر توزيع بريساش».

بما أن معظم المواد الفيروكهربائية متشابهة إلى حدٍّ ما، فقد كان عليهم أن يعملوا بجدٍّ للعثور على مادّتين مختلفتين بما يكفي لتقليص المتغيّرات، ثم كان التحدّي هو التلاعب في الرزم الجزيئية لإثبات تصرّفهم تمامًا مثل الهستيريونات.

يقول كيميرنك: «الآن وقد أظهرنا كيفية تفاعل الجزيئات مع بعضها البعض على المقياس النانومتري، يمكننا توقّع شكل منحنى التخلّفية».

تعتمد العديد من أجهزة الذاكرة التي نعتمد عليها في الحوسبة على تبديل ثنائيات الأقطاب المغناطيسية في المواد المغناطيسية.

من خلال طرق أفضل لنمذجة النشاط الفيروكهربائي، يمكن للباحثين الآن استكشاف تصاميم للأجهزة التي يمكن أن تؤدّي إلى تخزين مزيد من المعلومات في كل وحدة.


  • ترجمة: مهران يوسف
  • تدقيق: علي فرغلي
  • المحرر: ماتيو كيرلس
  • المصدر