كشف بحث جديد عن مكان اختباء فيروس الإيبولا ووضّح كيفية التخلص منه تمامًا من الجسم. سلّطت دراسة جديدة أجريت على قرود من فصيلة المكاك الضوء على كيفية استيطان فيروس الإيبولا في أدمغة الناجين حتى بعد تلقيحهم أو معالجتهم بالأجسام المضادة أحادية النسيلة المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أو كليهما.

تشير مجموعة متزايدة من الأدلة إلى أن فيروس الإيبولا قد يكمن في الجسم فترات طويلة من الزمن، متخفيًا عن جهاز المناعة والعلاجات المُستَخدمة. توثّق التقارير الواردة عن الظهور المفاجئ للإيبولا لناجين ينتكسون ويمرضون وأحيانًا يموتون بعد شهور أو حتى سنوات من تعافيهم من إصابتهم الحادة. أظهرت دراسات على البشر وقرود المكاك أن فيروس الإيبولا قد يبقى لفترة طويلة في أعين الناجين وأدمغتهم وخصاهم.

يسلط البحث ضوءًا جديدًا على هذه العملية، إذ وجد العلماء الفيروس في البطينات، وتجاويف الدماغ التي تُنتج وتوزّع السائل الدماغي، في العديد من قرود المكاك التي عُولجت وبدا أنها تعافت تمامًا من فيروس الإيبولا.

أصاب الفريق خلال فترة الدراسة 36 من قرود الماكاك بالإيبولا، وعالجوها بأجسام مضادة أحادية النسيلة، وراقبوا البلازما والسائل الدماغي لديهم لوجود الحمض النووي الريبوزي للإيبولا مستخدمين تفاعل البوليمراز المتسلسل للنسخ العكسي الكمي. أظهرت النتائج أن سبعة من القرود كان لديهم بعد أسبوعين من تعرضهم الأولي للفيروس مستويات مرتفعة من الحمض النووي الريبوزي للإيبولا ومستويات مرتفعة من مستضدات الإيبولا بعد أربعة أسابيع في سائلهم النخاعي، ما يشير إلى وجود عدوى كامنة أو مستمرة. أُصيبَ اثنان من القرود السبعة بالمرض فجأة، وتوفي أحدهم بعد 30 يومًا والآخر بعد 39 يومًا من إصابته بالفيروس، وبعد أسبوعين تقريبًا مما بدا أنه تعاف كامل. نجت معظم قرود المكاك في التجربة بعد الإصابة مدة أربعة أشهر تقريبًا، ثم قُتلت قتلًا رحيمًا. بعد ذلك أخذ الباحثون عينات من أدمغتهم. ولاحظوا وجود الحمض النووي الريبوزي للإيبولا ومستضدات الإيبولا في البطينات الدماغية لقرود المكاك السبعة المصابة بالعدوى المستدامة.

يقول مؤلف الدراسة الرئيسي «شانكون زانج»، الباحث في معهد البحوث الطبية للأمراض المعدية إن اختفاء الفيروس في القرود التي ماتت بسبب المرض بدأ بعد نحو 12 يومًا من التعرض لأول مرة، لكن قبل بضعة أيام من وفاتها، أصيبت القرود بالحمى. وأوضح أن الإمراضية كانت فقط في بطينات الدماغ، إذ لاحظ الباحثون إنتانات خطيرة وتلف أنسجة كبير والتهابات. أما جميع الأعضاء الأخرى فكانت طبيعية.

يوضّح «زانج» أن قردة المكاك تُعد المعيار الذهبي لأبحاث الإيبولا، ويجب اختبار أي علاجات جديدة على القرود بدلًا من الفئران أو الحيوانات الأخرى بسبب التشابه البيولوجي الوثيق بين قرود المكاك والبشر. في حين تُظهر دراسة أن الإيبولا يكمن في بطينات الدماغ لدى البشر، يوضّح «زانج» أنه أُبلِغ عن حالة انتكاس واحدة على الأقل مرتبطة بالفيروس في دماغ ناج. وعلى هذا فإنه واثق من أن الفيروس يجتاح السائل النّخاعي في أدمغة البشر كما هو الحال في قرود المكاك.

لهذا الاكتشاف آثار مهمة على مبادرات الصحة العامة والرعاية السريرية للمرضى إذ إن العديد من حالات تفشي الإيبولا الوخيمة في العقد الماضي قد ارتبطت بعدوى مستديمة سابقة. مثلًا، وفقًا لدراسة حديثة، بدأ تفشي فيروس الإيبولا عام 2021 بعد عودة ظهور المرض في أحد الناجين الذي أُصيب قبل خمس سنوات بالمرض. إن الفهم الأفضل لكيفية حدوث الانتكاس قد يؤدي إلى استراتيجيات أكثر فعالية لمنع تفشي الأمراض في المستقبل.

عولِجت قرود المكاك في دراسة زانج بخليط الأجسام المضادة أحادية النسيلة المعتمد حاليًا للاستخدام البشري. قد يشير ذلك إلى أن بروتوكولات العلاج الحاليّة بحاجة إلى تحديث لاستئصال الفيروس تمامًا من الجسم.

قال مايلز كارول، باحث الفيروسات في جامعة أكسفورد، إن الورقة «تقدم رؤى فريدة لأنواع الخلايا داخل الدماغ، التي تدعم استدامة الإيبولا». ومع ذلك، يقول إن هناك أولويات أهم من الإصابات الانتكاسية الفردية عندما يتعلق الأمر باحتواء الإيبولا، مشيرًا إلى أن «الطريق الأكثر احتمالية لانتقال فيروس الإيبولا من شخص إلى آخر هو الانتقال الجنسي، بوساطة المني المصابة».

تمتلك آن مور، عالمة كيمياء حيوية بجامعة كورك، وجهة نظر مختلفة، إذ صرحت بأنه إذا استدامت العدوى بالإيبولا، فإنها تحدث في نحو 20% من الأجسام المضادة أحادية النسيلة في الحيوانات المُعالَجة، ينعكس هذا حتى في نسبة محدودة من الحالات البشرية، ما يستدعي اهتمامًا جادًا، إذ إن هذه الأجسام المضادة مسموح باستخدامها.

تضيف مور أنها ترغب في رؤية تتمة البحث لزيادة توضيح الآليات الجزيئية المُؤثِّرة، مقترحة على الباحثين أن يكرّروا التجربة مستخدمين الأجسام المضادة أحادية النسيلة للمكاك بدلاً من الأجسام المضادة البشرية لمعرفة هل يغير ذلك النتائج.

يقول زانج: تسلط دراستنا الضوء على أهمية المتابعة الدقيقة وطويلة الأمد للناجين من المرض للوقاية من الأمراض المتكررة أو تشخيصها أو علاجها، ما يعود بتكلفة هائلة على الصحة العامة والأفراد. ويضيف بأن مسؤولي الصحة العامة وغيرهم ممن يتولون أعمال المتابعة سيحتاجون إلى توخي الحذر الشديد لتجنب المزيد من الإصابات.

يصف مقال عام 2015 في المجلة الدولية لإدارة السياسة الصحية كيف يمثل الخوف والأثر الذي يبقى لدى الناجين تحديات رئيسية لفهم الإيبولا والسيطرة على تفشي المرض. يناقش المؤلفون أن الباحثين الأوروبيين وضعوا المجتمعات المحلية في ليبيريا وغينيا وسيراليون، وغيرها من الدول المتضررة من تفشّي الإيبولا، على حافة الهاوية باتباع مناهج متجذرة في الاستعمار، وفشلهم في مشاركة المعرفة الطبية الجديدة مع المناطق التي أُصيبت بالمرض. لإجراء الدراسة طويلة المدى التي أوصى بها زانج، سيحتاج الباحثون إلى كسب ثقة الشعب في المناطق المتأثرة بالإيبولا.

يقترح زانج مجموعة جديدة ومحسّنة من العلاجات في المستقبل، من المحتمل أن أجسامًا مضادة أحادية النسيلة مرتبطة بعلاج مضاد للفيروسات أكثر نجاحًا، قد تساعد في إزالة استدامة الإيبولا من الدماغ والعينين والخصيتين، وتمنع نوع الانتكاس الذي اكتشفته الدراسة. تُضيف مور أنه ربما تمكن إعادة تشكيل الأجسام المضادة لتقليل خطر الإصابة بالعدوى المستدامة.

يتفق كارول مع زانج، قائلًا: لدينا حاجة ملحّة لتطوير نماذج عملية في الجسم الحي لتقييم فعالية علاجات الجزيئات الصغيرة لاختراق المواقع ذات الامتيازات المناعية، خاصةً الخصيتين، وإبطال نشاط الإيبولا المستديم. قد يبقى الناجون من مرض فيروس الإيبولا في غياب مثل هذه العلاجات مصدرًا محتَملًا لانتقال العدوى من إنسان إلى آخر مستقبلًا.

اقرأ أيضًا:

فيروس الإيبولا يظهر من جديد، فبماذا يختلف عن الوباء الماضي؟

مخاوف من الإنتشار العالمي لفيروس إيبولا

ترجمة: رنا بدر أبو عباس

تدقيق: بدور مارديني

المصدر