في عام 2019 كانت مجموعة من الباحثين في المعهد الملكي للتكنولوجيا في خضم نشر سلسلة من الاكتشافات الكبرى، حول كيفية استخدام النحل لأدمغتهم، عند تلقيهم مفاجأةً غير متوقعة من ألبرت آينشتاين.

أوضح الفريق بقيادة سكارليت هوارد كجزء من رسالتها للدكتوراة؛ أنه بغض النظر عن صغر حجمه، يفهم النحل مفهوم الصفر، ويؤدي بعض العمليات الحسابية البسيطة.
وقالت هوارد، وهي الآن زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراة في جامعة ديكين: «أظهرنا بالفعل أنها قادرة على تمييز بين الأرقام فوق الرقم 4، أي يختلف الرقم 4 عن الرقم 5، ويعد ذلك تمييزًا صعبًا».

استحوذ البحث على اهتمام وسائط الإعلام، ونُشر في كل أنحاء العالم، وبعد فترة وجيزة تلقى أدريان داير، وهو المشرف على هوارد؛ رسالة من أرملة في الجانب الآخر من العالم.

قال داير: «سمعت سيدة في المملكة المتحدة عن ذلك، وأرسلت إلي مباشرةً، لأنني كنت مؤلف المقابلة، وقالت: في حوزتي رسالة غير عادية كتبها ألبرت آينشتاين لزوجي الراحل».

وقالت السيدة جوديث ديفيس، زوجة غلين ديفيس الذي عاش من 1925 إلى 2019: «ناقشت الرسالة نفس الموضوعين اللذين كان داير وهوارد يحققان فيهما الآن». وسألت داير إذا كان يريد فحصها.

أجاب داير: «بالطبع كنت مهتمًا جدًا».

أرسلت ديفيس الرسالة، وبعد التحقق من أرشيف ألبرت آينشتاين، تبين أنها كانت منه بالفعل، وأجرى ديفيس بعض البحث في نشأتها.

كُتبت الرسالة في أكتوبر 1949، بأقل من 100 كلمة، وتعد رسالة قصيرة ولكنها غنية بالمعنى، كانت ردًا على رسالة أرسلها غلين ديفيس لآينشتاين، ويمكن تخمين مضمونها.

رسالة آينشتاين إلى ديفيس:

سيدي العزيز

إنني على إطلاع جيد بالتحقيقات المثيرة للإعجاب التي أجراها السيد فريش، ولكنني لا أرى إمكانية الاستفادة من تلك النتائج في التحقيق المتعلق بمبادئ الفيزياء.

ولا يمكن أن يكون هذا هو الحال، إلا إذا كُشف عن نوع جديد من الإدراك الحسي، ويمكن الكشف عن محفزاتهم عبر سلوك النحل، ويُعتقد أن التحقيق في سلوك الطيور المهاجرة والحمامات الناقلة ربما يؤدي إلى فهم بعض العمليات الفيزيائية غير المعروفة حتى الآن.

المخلص لك، ألبرت آينشتاين.

يبدأ آينشتاين بقوله: «أنا على علم جيد بالتحقيقات المثيرة للإعجاب التي أجراها السيد فريش…» فبحلول عام 1949 أصبح كارل فون فريش معروفًا جيدًا بأبحاثه على النحل التي انتهب بفوزه بجائزة نوبل، وأظهر أن عسل النحل يمكن استخدامه لاستقطاب ضوء الشمس والتنقل، ووصلت أنباء هذا البحث إلى صحف المملكة المتحدة.

ويعتقد داير ومعاونوه أن ديفيس الذي عمل على الرادار كمهندس في البحرية الملكية؛ قرأ عن هذا البحث، وكتب إلى آينشتاين يسأله إذا كان على علم بذلك.

وفي الواقع حضر آينشتاين محاضرة لفون فريش في وقت سابق من ذلك العام، والتقى به بعد ذلك بفترة وجيزة، لذلك عرف أن النحل يمكنه أن يحسن استقطاب الضوء والتنقل، وهو مفهوم فيزيائي مثير للاهتمام، ولكن مع قليل من التطبيق في ذلك الوقت.

أثارت هذه الرسالة الصغيرة اهتمام باحثي المعهد الملكي للتكنولوجيا، لأن ذلك بالضبط ما كان يفعله فريقهم بالنحل، يقول داير: «يقترح أن السلوكيات الجديدة ربما تكشف عن طرق جديدة للنظر إلى الفيزياء».

يقول أندرو غرينتري، وهو فيزيائي في المعهد الملكي للتكنولوجيا، وعمل مع هوارد وداير: «يعد ذلك مجال بحث نشط اليوم. وأنا أحضر مؤتمرات حيث يتحدث الناس عن آليات الاستشعار المغناطيسي، ويهتم الناس أيضًا بالاستشعار المغناطيسي في الكلاب والبشر والحشرات».

ويقول: «ما يزال هناك الكثير مما ينبغي إثباته في هذا المجال وخاصةً الاستشعار المغناطيسي، ويتزايد اهتمام الفيزيائيين النظريين بسرعة أكبر حول كيفية تنقل الحيوانات وتواصلها».

وساهم غرينتري في المشروع بقوله: «يُعد فهم كيفية تنقل النحل بدماغ صغير جدًا، وباستخدام طاقة أقل بكثير مما نملك في هواتفنا النقالة العادية؛ تحديًا تقنيًا مهمًا جدًا».

عمل غرينتري مع فريق داير مدة ست أو سبع سنوات، ولكن في وقت آينشتاين كان من غير المعتاد بالنسبة للفيزيائيين أن يكتشفوا تطبيقات من علم الأحياء وعلم الحيوان. ويقول غرينتري: «بالنسبة للفيزيائي هذا أمر أساسي حقًا».

ما هو شعورك عندما يتنبأ آينشتاين بعملك قبل 70 سنة؟ كيف يُنظر إلى بحث النحل هذا في غضون 70 سنة؟

تصعب معرفة ذلك، ولكن يأمل كل من داير وهوارد وغرينتر أن يشجع مزيدًا من البحث متعدد الاختصاصات.

تعتقد هوارد أن هناك المزيد من الاهتمام في المجال المتنامي لإدراك الحشرات، ومن الواضح أن نحل العسل يعد نموذجًا رائعًا حقًا، ولكننا لا نعرف ما هي النماذج العظيمة الأخرى التي ربما تكون موجودة أيضًا في هذه المرحلة، وتعتقد أننا سنرى خلال 70 عامًا كمية هائلة من الأبحاث التي تدرس إمكانية مساعدة الحشرات الأخرى لنا في حياتنا اليومية، وكذلك مدى أهميتها في بيئتها الخاصة.

يقول داير: «في كل مرة كنت أعمل مع أندرو كنت أتعلم شيئًا جديدًا وهو كذلك». يوافق غرينتري بقوله: «أعتقد أن حقيقة أن آينشتاين كان مهتمًا بهذا الأمر ربما ستلفت انتباه بعض كبار الفيزيائيين إلى مجرد قراءة عدد قليل من الأوراق البحثية حول ما يمكن أن تفعله الحشرات والحيوانات».

وبما أن آينشتاين تحدث مع فون فريش وهو نوع مختلف جذريًا من العلماء، يقنعني ذلك أنني يجب أن أكون شخصًا يتواصل أكثر مع ناس في تخصصات أخرى.
ويضيف أيضًا: «يذكرني ذلك بخدمتنا العامة، إذ كان الشرط المفروض علينا هو أن نرد على عامة الناس».

يقول أيضًا: «كان آينشتاين كاتبًا شهيرًا غزير الإنتاج، وكان يكتب إلى أي شخص بصورة أساسية، ويحاول الرد على كل من يكتب له، وتقع على عاتقنا مسؤولية التعامل مع الناس على مستوى معين، وتقديم المساعدة حيث نستطيع، لتبادل المعارف».

نُشرت ورقة تحليل رسالة آينشتاين في مجلة الفيزيولوجيا المقارنة.

اقرأ أيضًا:

نظريات آينشتاين السبعة التي غيرت العالم

النحل يستخدم الرموز التجريدية لحل مسائل رياضية معقدة

ترجمة: حلا بوبو

تدقيق: حسام التهامي

المصدر