أظهرت دراسة من جامعة جنوب كاليفورنيا أن للقرفصاء و الركوع فوائد صحية عديدة، منذ أن كانت وضعيات استراحة الإنسان خلال تطوره، وصولًا إلى صحة الإنسان المعاصر.

يرتبط الجلوس ساعات طويلة يوميًا بمشاكل صحية عديدة، منها أمراض القلب والشرايين، وقد يكون سبب ذلك أن الجلوس يمثل نشاطًا عضليًا قليلًا، ما يعني أيضًا انخفاض التمثيل الغذائي بالعضلات. لكن هذا يتناقض مع ميل التطور إلى توفير الطاقة لا صرفها، ولما كان الجلوس يحقق هذا الهدف، فما الذي يجعل الجلوس ضارًا لهذه الدرجة؟

يظن فريق من جامعة جنوب كاليفورنيا أن إجابة هذا السؤال تكمن في الطريقة التي كان يستريح بها البشر قبل اختراع المقاعد بشكلها الحالي. ومن هذه الطرق القرفصاء والركوع، اللذان يتضمنان نسبًا أعلى من النشاط العضلي مقارنةً بالجلوس على الكرسي. قد تحمي هذه الوضعيات الإنسان من مخاطر عدم النشاط فترات طويلة.

يقول ديفيد رايشلن، بروفيسور العلوم البيولوجية من جامعة جنوب كاليفورنيا: «نميل إلى الاعتقاد بأن فسيولوجيا الإنسان تتكيف مع الظروف التي نمر بها خلال تطورنا، لذلك إن كان عدم النشاط مضرًا كما نفترض، فمن غير المتوقع أن يقضي الإنسان البدائي معظم يومه جالسًا كما نفعل اليوم».

نُشرت الدراسة في التاسع من شهر مارس في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences.

قد يكون للقرفصاء والركوع فوائد صحية - الجلوس ساعات طويلة يوميًا - القرفصاء تتضمن معدلات نشاط عضلي مرتفعة مقارنةً بالجلوس - مخاطر عدم النشاط فترات طويلة

أهمية الطريقة التي نستريح بها

درس العلماء فترات عدم النشاط لدى مجموعة من الصيادين الجامعين التنزانيين تُدعى الهادزا، وذلك للوصول إلى فهم أعمق للسلوكيات التي تتضمن الجلوس، يمتلك الهادزا أسلوب حياة شبيه بحياة البشر الأوائل من عدة نواحي.

ارتدى المشاركون في هذه الدراسة أجهزة لحساب النشاط الجسماني وفترات الراحة، ووجد الباحثون أنهم يمتلكون مستويات عالية من النشاط العضلي، تبلغ 3 أضعاف المدة التي تنصح بها إرشادات الصحة الأمريكية، وهي 22 دقيقة.

لكن الباحثين وجدوا أنهم يمتلكون مستويات عالية من عدم النشاط أيضًا، وفي الواقع يستريح شعب الهادزا نفس المدة الزمنية التي يستريح خلالها البشر في الدول المتقدمة (9 – 10 ساعات تقريبًا يوميًا).

ومع ذلك ليس لديهم الأمراض المزمنة التي ترتبط بفترات الراحة الطويلة كما في المجتمعات الصناعية، وقد يرجع ذلك إلى الطريقة التي يستريحون بها.

يقول رايشلن «مع فترات عدم النشاط الطويلة لديهم، لاحظنا أن أحد أهم الفروق الرئيسية هي الوضعيات التي يستريحون بها، مثل القرفصاء والركوع، التي تتضمن مستويات بسيطة من النشاط العضلي».

استخدم الباحثون معدات خاصة لحساب النشاط العضلي في الأطراف السفلية في وضعيات استراحة مختلفة، ووجدوا أن القرفصاء تتضمن معدلات نشاط عضلي مرتفعة مقارنةً بالجلوس.

يقترح الباحثون أن أفراد الهادزا يحافظون على نشاط عضلي مستمر خلال اليوم، بسبب القرفصاء والركوع، وتحركهم باستمرار عندما لا يكونون في فترة راحة، ما يقيهم الأخطار المرتبطة بفترات الجلوس الطويلة.

يقول رايشلن: «يتطلب الجلوس المستمر نشاطًا عضليًا أقل من القرفصاء أو الركوع، ولما كان النشاط العضلي المرتفع يتطلب طاقةً عالية، ومن ثم حرقًا أعلى للدهون، فإن القرفصاء والركوع غير مضرين بالصحة مقارنةً بالجلوس».

يقضي الناس في الدول المتقدمة معظم أوقاتهم جالسين على المقاعد أو الأرائك دون أي نشاط عضلي سوى ثني ركبهم للجلوس. ويجلس الناس وسطيًا في المجتمعات الصناعية -مثل الولايات المتحدة وأوروبا- نحو 9 ساعات يوميًا.

يقول برايان وود، عالم الأنثروبولوجيا من جامعة كاليفورنيا، الذي عمل مع شعب الهادزا قرابة 16 عامًا: «كانت السلوكيات الموفرة للطاقة مهمة للغاية في أثناء تطور نوعنا، لكن عندما تغيرت البيئة التي نعيش فيها أصبحت هذه السلوكيات غير مناسبة وقد تؤدي إلى أضرار صحية، وأحد هذه السلوكيات هو الجلوس فترات طويلة».

يسمي العلماء هذه الحالة: «فرضية عدم التوافق مع الخمول». كتب الباحثون: «استبدال الجلوس المطول على الكراسي وما يرافقه من خمول عضلي بوضعيات استراحة أكثر نشاطًا قد يمثل نموذجًا سلوكيًا تجب دراسته مستقبلًا». إن محاولة إيجاد حلول لهذا الخمول، الذي كان يومًا ما ذا أهمية بالغة في تطور نوعنا، قد تؤدي إلى صحة أفضل اليوم.

يقول رايشلن «ليست القرفصاء بديلًا محتملًا للجلوس، لكن الاستراحة بوضعيات تتضمن بعض النشاط العضلي -وإن كان ضئيلًا- قد يكون خيارًا صحيًا أفضل».

اقرأ أيضًا:

إسعاف مراهقتين بعد قيامهما بألف تمرين قرفصاء

لماذا تلد النساء وهن مستلقيات على ظهورهن؟ السبب وراء ذلك غريب جدًا

ترجمة: غند ضرغام

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر