استغرقت الرحلة الأولى للأخوان رايت 12 ثانية فقط و كتبت عنها أربعة صحف عالمية في اليوم التالي، وتعتبر هذه الرحلة هي الرائدة في عالم الطيران و التي بلغت 20 قدمًا فقط بواسطة طائرة هشة حلقت فوق «كيتي هوك» بولاية نورث كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية، و رغم الضجة البسيطة التي نتجت عن تلك الرحلة إلا أنه كان لها صدًى واسع وآثار هائلة حول العالم، الأخوان «أورفيل وويلبر رايت» لم يكونا مجرد عالمين عاديين ولكنهما كانا بمثابة الإنترنت لعصرهم، حيث تمكنوا من جمع العلوم و صهرها والوصول لمنتج الطائرة الذي كان أثقل من الهواء ولكنه يحلق ويستطيع حمل البشر.

في غضون عقود قليلة أصبحت أفكارهم وأساسيات علمهم وهندستهم مفيدةً في الحرب، ووضعت العولمة على الخريطة والرجل على سطح القمر.

لذلك يمكننا أن نقول بثقة أن ولادة علم الطيران لم تتم في مختبر جامعة محترمة ولكنها ولدت في الغرفة الخلفية لمتجر دراجات في «دايتون» بولاية أوهايو الأمريكية.

بدأ الاهتمام بالطيران في القرن التاسع عشر، حيث بدأ البشر في محاولات لتحقيق أحد أهم و أجمل أحلام البشرية الأولى وهي الطيران. وعلى مدار القرن التاسع عشر اختبر العديد من العلماء الطائرات الشراعية، و ملأ العلماء الجداول الخاصة بالدفع و السحب و لكن لم تكن لديهم السلطة على الرياح أو الطاقة خلال الطيران.

وفي عام 1852 هبطت طائرة منطاد تعمل بالبخار تم بناؤها من قِبل «هنري جيفارد» بنجاح ويعتبرها الكثيرون أول رحلة جوية ناجحة تعمل بالطاقة.

الخطوة الأولى للأخوان رايت كانت القيام ببحث عن حالة المعرفة بالنسبة للطيران في ذلك الوقت. في عام 1899، كتب «ويلبر» هذه الرسالة إلى مؤسسة (سميثسونيان – Smithsonian) وطلب نُسخًا من كل البحوث السابقة.

«السادة الاعزاء:

أنا مفعم بالحماسة، ولكني ليس مهووسًا بمعنى أن لدي بعض النظريات البسيطة فيما يتعلق بالبناء السليم لآلة طيران.

وأود أن أستفيد من كل ما هو معروف بالفعل، ثم إذا كان ذلك ممكنًا إضافة الغالي و النفيس للمساعدة في المستقبل وهذا بدوره سيقودنا إلى تحقيق النجاح النهائي».

درس الأخوة الطيران الشراعي للسيد (أوتو ليلينثال – Otto Lilienthal) والعمل الذي قام به السير «جورج كايلي»، مؤسس الديناميكا الهوائية.

كما فهموا أفكار «أوكتاف تشانوت» وهو مهندس كان يعمل لاختراع طائرة وألف كتاب «التقدم المحرّز في آلات الطيران».

بدفع الفواتير من مبيعات متجر الدراجات، بدأ الأخوين في بناء الطائرات الورقية على أساس ميكانيكا الطيران للطيور التي لاحظوها، وانتقلوا إلى الطائرات الشراعية المأهولة.

بعد أربع سنوات من رسالة «ويلبور» المتواضعة، كان الأخوين على استعداد لاختبار طائرة مدعومة بمحرك ومروحة.

واستند التصميم ذو السطحين على الطائرة الشراعية الخاصة بشانوت.

في 17 ديسمبر 1903، صعد «أورفيل» إلى قُمرة القيادة البدائية ورفع الطائرة من الأرض مستوى أرض «كيتي هوك» إلى الهواء، وحلقت لمدة 12 ثانية قبل الهبوط المدوي على بُعد 120 قدمًا.

وقد تم اختيار «كيتي هوك» لكونها متسقة مع تصميمهم بالنسبة للرياح التي كانت جيدة للطائرات الورقية والشراعية أثناء الاختبار ، وكذلك جيدة لتقلع طائرة أضعف.

قام الأخوين بأربع رحلات في ذلك اليوم، ارتفعت آخرها 852 قدمًا واستمرت لمدة دقيقة واحدة تقريبًا، مطلقين العالم لعصر الطيران من أجل الخير.

من كيتي هوك إلى الفضاء الخارجي

عندما وصلت أخبار انتصارهم في «كيتي هوك» عن طريق خدمة الأخبار العاجلة، أصبح الأخوة رايت من المشاهير في لحظتها.

وكان رد الفعل العالمي سريعًا أيضًا وتنافس المخترعين على تصميم طائرات خاصة بهم في حقول الذرة في جميع أنحاء العالم.

كانت الحكومة الأمريكية هي من شجعت أول تصنيع ضخم للطائرات، التي كان ينظر إليها كسلاح قوي ومركبة استطلاع.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، كانت هناك ساحة قتال جديدة لأول مرة منذ آلاف السنين.

وتطورت تكنولوجيا الطائرات بشكل كبير خلال الحرب، وكانت ركيزةً للاقتصاد في زمن الحرب.

وبحلول الثلاثينيات من القرن العشرين، كان لدى الولايات المتحدة أربع شركات طيران تخدم ملايين الركاب، يقتصر معظمهم على الطبقة العليا، و تنقلهم إلى نقاط في جميع أنحاء البلاد والمحيط الأطلسي، وبحلول نهاية العقد إلى المحيط الهادئ.

مع بزوغ فجر الخدمات الجوية التجارية، فتح العالم طريقًا جديدًا، سمح للناس زيارة الأماكن التي كانوا فقط يقرأون عنها في الكتب.

الطيران أثر بشكل كبير على نتائج الحرب العالمية الثانية أيضاً، حملت الطائرات المظليين فوق (القناة الإنجليزية – English Channel)، وتم إلقاء أول قنبلة ذرية من طائرة.

وبحلول نهاية الحرب، ساعد تصنيع الطائرات على وضع الولايات المتحدة في طليعة الاقتصادات العالمية.

وإذا عدنا للفضاء، فسنجد أن فكرة المركبة الفضائية لم تكن لتنتج دون أفكار الأخوان رايت، ودون الطائرة كبداية. لذلك يجب أن ندين بالفضل لمساهمتهم في وضع أول قدم بشرية على سطح القمر.

في أقل من 100 سنة، تحولت حرفة رايت الهشة إلى آلة مناسبة لاستكشاف الفضاء الخارجي.


  • ترجمة: عمرو سيف
  • تدقيق: محمد عبدالحميد ابوقصيصة
  • تحرير: أميمة الدريدي
  • المصدر