قد يؤثر قلق الانفصال في طريقة خوضك العلاقات، فإنه مؤلم في أغلب الأحوال، وقد يكون فهم منشئه مفتاح الحفاظ على التواصل مع محيطك، كي تستطيع تجاوز قلق الانفصال في النهاية.

قد تكون أول خطوة هي الوصول إلى جذور الخوف وفهم نفسك بنحو أعمق، فهذا سوف يساعدك على إنشاء تواصل آمن وهادف مع الآخرين.

ما هو قلق الانفصال؟

الخوف من فقدان شخص تحبه أمر طبيعي، ولكن إذا كنت قلقًا على الدوام من انفصال الآخرين عنك حتى عند عدم وجود دليل يشير إلى احتمال حدوث ذلك، فإنك تعاني قلق الانفصال.

قلق الانفصال ليس مرضًا عقليًا، ولكنه يرتبط أحيانًا بحالات الصحة العقلية، مثل اضطرابات الشخصية الحدية.

يرتبط الخوف من الانفصال عميقًا بمشاعر الخجل والقلق، في بعض الحالات يرتبط الخوف من الرفض أيضًا -الذي يشمل قلق الانفصال- بحالات الصحة العقلية، مثل اضطرابات الشخصية الحدية، والاكتئاب.

بعيدًا عن هذه العوامل، قد تعاني خوفًا من الانفصال العاطفي أو الجسدي، وإليك الفرق:

يشير الانفصال العاطفي إلى البعد العاطفي، فقد تخاف أن يهجرك الآخرون إذا هجرك شريكك أو والديك أو مقدم الرعاية في السابق. يحدث الانفصال الجسدي عندما يخرج شخص مهم من حياتك، مثلًا قد تعاني الآن خوفًا من الانفصال بسبب رحيل أحد والديك في الطفولة.

علامات قلق الانفصال السلوكية والعاطفية:

يؤدي قلق الانفصال دورًا كبيرًا في حياتك أو حياة العاشق، وقد يظهر بطريقة سيطرتك على مشاعرك وسلوكك.

العلامات العاطفية:

  • الهلع والقلق من البقاء وحيدًا أو غير مرتبط.
  • الحساسية من الرفض أو الانتقاد.
  • الخجل والشعور بالذنب عند حدوث خطأ في العلاقة.
  • الخوف من الحميمية أو التقارب.
  • القلق عندما تبدو العلاقة جيدة جدًا.
  • انعدام الثقة.

العلامات السلوكية:

  • استخدام مواد أو تناول أطعمة معينة عند الشعور بالقلق تجاه العلاقة.
  • الميل إلى الانسحاب جسديًا وعاطفيًا عند التعرض للانتقاد.
  • الاعتمادية أو تفضيل احتياجات الشريك على احتياجاتك.
  • الميل إلى الدخول سريعًا في علاقة جديدة.
  • تاريخ من العلاقات المؤذية لصحتك العقلية والعاطفية.

قد يظهر عند الأطفال أيضًا علامات نادرة لقلق الانفصال، مثل:

  • البكاء عند الانفصال عن مقدمي الرعاية الابتدائية.
  • التوتر والانسحاب في المواقف الجديدة.
  • فرط التشبث أو فرط الابتعاد عن الوالدين.
  • القلق عند الذهاب إلى المدرسة أو دار الحضانة.

من الطبيعي أن يكون لديك شكوك وقلق أحيانًا في العلاقات المهمة، ولكن يميل قلق الانفصال ليشكل نموذجًا من الاستجابات والسلوكيات التي لا تزول إلا إذا عالجتها، على النقيض من شعور عدم الأمان المؤقت.

كيف يؤثر قلق الانفصال في علاقاتك؟

قد يؤثر قلق الانفصال في ردود أفعالك وطريقة تفسيرك لأفعال شريكك وتصرفاته.

ويمكن أن تشعر أنك بحاجة إلى التصرف بطريقة معينة للحفاظ على شريكك، أو قد تعاني مشكلة في الحميمية والتعبير عن خوفك من الرفض.

في بعض الحالات، سوف تستغرق وقتًا طويلًا في البحث عن انسيابية في العلاقة أو عند الشريك. يكون هذا عادةً شكلًا من أشكال الدفاع عن النفس، مع أنه يؤدي أحيانًا إلى انتهاء العلاقة.

ومن جهة أخرى، قد تتأثر علاقاتك أكثر عندما يتداخل قلق الانفصال في اضطراب في الشخصية.

يقترح بحث أجرِي عام 2017، ويركز على قلق الانفصال لدى أشخاص مصابين باضطراب الشخصية الحدية، أن النساء المصابات بهذا الاضطراب يزداد احتمال قيامهن بأشياء لا يرغبن فيها، كممارسة الجنس، بسبب خوفهن من انتهاء العلاقة.

ما الذي يسبب قلق الانفصال؟

سواء نشأ قلق الانفصال بسبب أحداث من الطفولة، أو بسبب اضطراب شخصية، أو شيء آخر، فإن أسلوب الارتباط -على الأرجح- له علاقة بالأمر.

ارتباط غير آمن:

وضع طبيب علم النفس (جون بولبي) نظرية ارتباط تقترح أن طريقة التواصل مع مقدمي الرعاية في بداية الحياة، تحدد طريقة تشكيل العلاقات مع الآخرين عند البلوغ.

بناءً على ذلك، شكلت الطبيبة النفسية (ماري آينسوورث)، التي اتخذت نظرية بولبي أساسًا في عملها، تصنيفًا لأنواع أساليب الارتباط المختلفة، إذ نميز اليوم عمومًا أربعة أنواع:

  • الارتباط الآمن.
  • الارتباط الاجتنابي.
  • الارتباط القلق.
  • الارتباط المضطرب.

تعد أنواع الارتباط الاجتنابي والقلق والمضطرب -جميعها- أساليب ارتباط غير آمنة، خصوصًا الارتباط القلق.

إضافةً إلى ذلك، وجدت دراسة أجريت عام 2015، وشملت الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، أن الارتباط الاجتنابي يكون شائعًا أكثر بين المصابين بهذا الاضطراب.

اضطراب قلق الانفصال:

رغم أن قلق الانفصال واسع الانتشار عند الأطفال الصغار، فإن حدوثه وارد في أي عمر. وتشمل بعض أعراض اضطراب قلق الانفصال:

  • الخوف من الانفصال.
  • القلق والتوتر المتكرر من خسارة شخص مهم.
  • الضيق عند الشعور بالوحدة أو الانفصال عن الحبيب.
  • أعراض جسدية، كالغثيان والصداع وألم المعدة عند التفكير بالانفصال أو عند حدوث الانفصال.

ويقترح بحث أجرِي عام 2014، أن بعض أجزاء الدماغ قد تكون السبب وراء شيوع الخوف من الانفصال، إذ يميل المصابون بقلق الانفصال -الذين لديهم لوزة مفرطة النشاط خصوصًا- إلى الاعتقاد أنهم سيُهجرون.

الصدمة وتجارب الماضي:

قد تزيد صدمة الطفولة (أو الأحداث الصادمة التي حدثت سابقًا) من احتمال الشعور بالخوف من الانفصال في العلاقات الحالية.

وفي هذا الصدد، اقترحت دراسة أجرِيت عام 2018، وشملت نساءً تعانين عنف الشريك الحميم، أن التحرش الجنسي في الطفولة يزيد احتمال البقاء في علاقة مسيئة والميل إلى الانعزال، لأن ذلك يمثل آلية للتعايش، خصوصًا عند النساء اللواتي تعانين أيضًا قلق الانفصال.

قد تسبب الصدمة أيضًا أمراض الصحة العقلية، التي تسبب بدورها قلق الانفصال، مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة المعقد، واضطراب الشخصية الحدية.

اضطرابات الشخصية:

اضطراب الشخصية حالة تؤثر في أفكارك ومشاعرك وتصرفاتك، وتزيد من صعوبة العديد من النواحي في حياتك اليومية، مثل عملك وعنايتك بنفسك وعلاقاتك.

وقد تؤدي بعض اضطرابات الشخصية للإصابة بقلق الانفصال، ومن هذه الاضطرابات نذكر:

  • اضطراب الشخصية الحدية: يزيد قلق الانفصال لدى الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية، من احتمال أن تكون علاقاتهم مضطربة، ويزيد أيضًا شعور الخوف من الوحدة. إذ أكد بحث أجرِي عام 2018، أن الإهمال العاطفي والصدمة والصفات الوراثية، قد تكون جذور قلق الانفصال عند المصابين باضطراب الشخصية الحدية.
  • اضطراب الشخصية الاجتنابية: تقترح دراسة أجرِيت عام 2015، أن قلق الارتباط وخوف الانفصال كليهما يؤديان دورًا رئيسًا في اضطراب الشخصية الاجتنابية.
  • اضطراب الشخصية الاعتمادية: يُلاحظ أن الخوف من الانفصال عرض شائع من أعراض هذا الاضطراب، الذي يزيد احتمال الإصابة بقلق الانفصال إذ يحاول المصابون الحفاظ على القرب من الأشخاص المقربين.

أربع خطوات لتجاوز قلق الانفصال:

يمكن القيام بإجراءات مختلفة للتخلص من قلق الانفصال، ويتحدد ذلك بالرجوع إلى سبب الإصابة.

1- العلاج:

قد يساعدك مختص المعالجة على تشخيص قلق الانفصال والتخلص منه من طريق حثك على:

  • اكتشاف نوع الارتباط لديك، وكيف يؤثر في علاقاتك.
  • تعلم كيف تبني ارتباطًا آمنًا مع الآخرين.
  • تطوير مهارات تنظيم المشاعر.
  • اكتشاف؛ هل تعاني اضطرابًا ما في الشخصية، أو اضطراب قلق يسبب قلق الانفصال لديك؟
  • التعافي من الصدمة أو تجارب الطفولة، التي تسبب الخوف من الانفصال.

سوف يساعدك العلاج الكلامي مع خبير موثوق على علاج الخوف من الانفصال بطرائق متعددة، وقد تجد أن التعافي يحدث من طريق خوض الرحلة العلاجية بحد ذاتها.

تساعد بعض أنواع العلاج المحددة خصوصًا على تصنيف مصدر نشوء قلق الانفصال وطريقة تجاوزه، من هذه العلاجات نذكر:

  • العلاج السلوكي الجدالي: يعلمك مهارات تنظيم العواطف وتقنيات تهدئة النفس، وهو أيضًا علاج شائع لاضطراب الشخصية الحدية.
  • العلاج العاطفي المركز: يركز على مساعدتك على تحديد نمط الارتباط لديك، وطريقة تأثيره في علاقاتك مع الآخرين.
  • العلاج النفسي الفعّال: يساعدك هذا الأسلوب على علاج بعض اضطرابات الشخصية كاضطراب الشخصية الحدية، وقد يساعدك أيضًا على معرفة أنماط السلوك المرتبطة بإصابتك بقلق الانفصال.

2- اكتشاف النفس:

تساعدك معرفة نفسك على تحديد طريقة تأثير قلق الانفصال في أفكارك وأفعالك، وبالتالي على علاقاتك.

مع أن اكتشاف النفس يكون جزءًا من العلاج عادةً، ولكن بإمكانك ممارسته بنفسك من طريق:

  • إنشاء سجلّ للمشاعر والأحداث التي تنتج عنها.
  • التحقق من نفسك بفضول عند الشعور باندفاع مفاجئ للعواطف، يمكنك البدء بسؤال: (أوه، إنها مشاعر قوية، ما هي الذكريات أو المخاوف التي قد تسببها؟).
  • قراءة نظرية الارتباط، وإدراك أسلوب الارتباط لديك.
  • استخدام مصنف لتحديد الحالات التي تثير لديك قلق الانفصال، وبالتالي تستطيع الاستعداد بنحو أفضل لمواجهتها أو التعايش معها.

3- مجموعات الدعم:

يمكنك إيجاد مجموعة داعمة ومساعدة إذا:

  • عانيت صدمة انفصال في الماضي.
  • نشأت مع والدين منفصلين أو مقدمي رعاية بعيدين أو لم تحظ بالإشباع العاطفي الكافي.
  • وجدت نفسك تكرر أنماطًا من العلاقات التي ترغب في تغييرها.

تكون بعض مجموعات دعم قلق الانفصال محلية، ويركز العديد منها على الانفصال في إطار العلاقات الغرامية.

5- تعاطف مع نفسك:

يساعدك التعاطف مع النفس (ما يعني النظر إلى نفسك بعين اللطف دون أن تحكم عليها) على محاربة الخجل والأفكار الأخرى التي قد ترافق قلق الانفصال، مثل:

  • أنا لست جيدًا بما فيه الكفاية بالنسبة لشريكي.
  • أستحق أن أترك وحدي.
  • أنا غير محبوب.

بالطبع، قد يستغرق التعاطف مع النفس وقتًا، وهنالك طريقتان لممارسته، هما: تحدي الكلام السلبي عن نفسك، والتأمل الواعي.

ملخّص:

يسبب قلق الانفصال إزعاجًا في الحياة، وقد يدمر الكثير من العلاقات. وقد تسبب الصدمة وأساليب الارتباط واضطرابات الشخصية كلها قلق الانفصال.

من الممكن أن تجد أن هذا التحدي الذي يجعلك متشبثًا بعلاقاتك لا يفيدك، أو يزيد صعوبة تحقيق القرب والتواصل مع الآخرين.

مع ذلك، غالبًا ما تكون فرصة علاج هذا القلق واعدة من طريق التدبير والدعم الصحيحين. وتشمل عملية التعافي من قلق الانفصال معرفة أنماط السلوك وكيفية تأثير الأفكار والمشاعر في هذه الأنماط.

اقرأ أيضًا:

ما هو اضطراب قلق الانفصال عند البالغين؟

ما هو اضطراب القلق الاجتماعي؟

ترجمة: نغم سمعان

تدقيق: جنى الغضبان

مراجعة: حسين جرود

المصدر