حروب الأفيون هي صراعين مسلحين في الصين في منتصف القرن التاسع عشر، بين قوات الدول الغربية وسلالة تشينغ التي حكمت الصين في الفترة 1644 – 1911. كانت حرب الأفيون الأولى 1839-1842 بين الصين وبريطانيا، أما حرب الأفيون الثانية التي تُعرف بحرب السهام أو الحرب الأنجلو-فرنسية فوقعت بين عامي 1856 و1860 بين بريطانيا وفرنسا من جهة والصين من جهة أخرى. حققت القوات الأجنبية انتصارًا في كلا الحربين ونالت امتيازات تجارية وقانونية ومكاسب في مناطق النفوذ. مثلت هذه الصراعات بداية المعاهدات غير المتكافئة والغزوات على سيادة تشينغ، التي ساعدت على إضعاف الأسرة الحاكمة وإسقاطها في نهاية المطاف لصالح الصين الجمهورية في أوائل القرن العشرين.

حرب الأفيون الأولى

بدأت حروب الأفيون من محاولات الصين لقمع تجارة الأفيون، لأن التجار الأجانب -البريطانيين خاصةً- بدأوا بتصدير الأفيون بطريقة غير شرعية من الهند إلى الصين في القرن الثامن عشر، وحققت هذه التجارة نموًا هائلًا بدءًا من عام 1820، فانتشر الإدمان في الصين، ما أدى إلى حدوث اضطراب اجتماعي واقتصادي حاد. وفي ربيع 1839 صادرت الحكومة الصينية أكثر من 20000 صندوق من الأفيون -ما يعادل 1400 طن من المواد المخدرة- ودمّرتها، وكانت مُخزنة في المقاطعات لصالح التجار البريطانيين.

زاد العداء بين الطرفين في يوليو من العام نفسه عندما قتل بحارة بريطانيون سكارى قرويًا صينيًا، ورفضت الحكومة البريطانية أن يُحاكم رعاياها وفقًا للنظام القانوني الصيني، فمنعت تسليم المتهمين للصين. واندلعت الأعمال العدائية عندما كسرت الحكومة البريطانية حصارًا صينيًا على مصب نهر اللؤلؤ في هونغ كونغ.

قررت الحكومة البريطانية في بداية 1840 إرسال حملة استكشافية إلى الصين، فوصل الأسطول إلى هونغ كونغ في يونيو، وتقدم عبر مصب نهر اللؤلؤ إلى المقاطعة، وبعد شهور من المفاوضات هاجموا المدينة واحتلوها في مايو 1841، ونجحت الحملات البريطانية التي تلتها إذ تفوقت على قوات تشينغ الضعيفة، رغم الهجوم المضاد الذي شنته القوات الصينية في ربيع 1842، إذ صمدت القوات البريطانية ضد الهجوم واستولت على نايكينغ في أواخر أغسطس ما أنهى الصراع.

كل ما تود معرفته عن حروب الأفيون - كيف بدأت حروب الأفيون في الصين - سبب حرب الأفيون الأولى - نتائج حرب الأفيون الثانية - تجارة الأفيون

أجريت مفاوضات السلام بسرعة ما أدى إلى توقيع معاهدة نانجينغ في 29 أغسطس، التي فرضت شروطها على الصين دفع تعويض كبير لبريطانيا، والتنازل عن جزيرة هونغ كونغ للبريطانيين، وزيادة عدد موانئ المشمولة بالمعاهدة، ما سمح لبريطانيا بالتجارة والإقامة بخمس مقاطعات بدلًا من واحدة، وكانت شنغهاي من بين المواني الأربعة الإضافية، فكان الوصول الأجنبي الجديد هناك بداية تحول المدينة إلى أحد أكبر المراكز التجارية في الصين.

منح ملحق المعاهدة البريطانية في هومين -الذي وُقِّع في 8 أكتوبر 1843- المواطنين البريطانيين خارج الحدود حق المحاكمة أمام محاكم بريطانية، ومنحت بريطانيا صفة الدولة الأَولى بالرعاية في الصين، ما يعني أن تمنح الصين بريطانيا أي حق قد تحصل عليه أي دولة أخرى، وسرعان ما طالبت الدول الغربية الأخرى بامتيازات مماثلة، وحصلت عليها.

حرب الأفيون الثانية

في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر، حين تورطت حكومة تشينغ في قمع تمرد تايبينغ بين عامي 1850-1864، وجد البريطانيون ذريعة مناسبة لتجديد العداء وتوسعة نفوذهم التجاري، وفي بداية أكتوبر صعد بعض المسؤولين الصينيين على سفينة بريطانية اسمها «السهم» عندما كانت راسية في إحدى المقاطعات، واعتقلوا عددًا من أفراد الطاقم (أُطلق سراحهم لاحقًا)، ويُزعم أن المسؤولين نكّسوا العلم البريطاني، فأبحرت سفينة بريطانية إلى مصب نهر اللؤلؤ في الشهر نفسه، وبدأت بقصف المقاطعة وحدث اشتباك بين القوات البريطانية والصينية، وتلا ذلك توقف التجارة، وفي ديسمبر أحرق الصينيون معامل التجارة البريطانية ومستودعاتها، ما أدى إلى تصاعد التوتر.

قرر الفرنسيون الانضمام إلى الحملة العسكرية البريطانية متذرعين بقتل مبشر فرنسي في المناطق الداخلية من الصين في أوائل 1856، وبعد تأخر تجمع القوات البريطانية في الصين لانشغالها بقمع التمرد في الهند، بدأ الحلفاء العمليات العسكرية في أواخر 1857، وسرعان ما استولوا على المقاطعة وعزلوا حاكم المدينة المتعنت، وعينوا مسؤولًا أكثر تعاونًا. وفي مايو 1858 وصلت قوات الحلفاء على متن السفن الحربية البريطانية إلى تيانجين وأجبرت الصينيين على دخول المفاوضات، ووُقّعِت معاهدة تيانجين في يونيو 1858، التي نصت على تأمين إقامة المبعوثين الأجانب في بكين، وفتح العديد من المواني الجديدة للتجارة والإقامة الغربية، وحق الأجانب للسفر إلى داخل الصين، وسهولة الحركة للمبشرين المسيحيين، وفي مفاوضات لاحقة من العام نفسه في شنغهاي أصبح استيراد الأفيون قانونيًا.

انسحب البريطانيون من تيانجين في صيف 1858، لكنهم عادوا في يونيو 1859 مع دبلوماسيين فرنسيين وبريطانيين للتصديق على المعاهدات. رفض الصينيون السماح لهم بالمرور من حصون داغو عند مصب نهر هاي واقترحوا طريقًا بديلًا إلى بكين. قررت القوات بقيادة بريطانيا عدم اتباع الطريق البديل وحاولت المضي قدمًا إلى ما بعد داغو، فأُجبِروا على التراجع متكبدين خسائر كبيرة في الأرواح. وبعد ذلك رفض الصينيون التصديق على المعاهدات واستمرت قوات الحلفاء في الأعمال العدائية.

في أغسطس 1860، دمرت قوات هائلة من السفن الحربية والقوات البريطانية والفرنسية قوات داغو، واتجهت إلى تيانجين، وفي أكتوبر استولت على بكين ونهبتها، ثم أحرقت حديقة يوانمينج وقصر الإمبراطور الصيفي. لاحقًا في ذلك الشهر وقّع الصينيون اتفاقية بكين التي وافقوا بموجبها على الالتزام بمعاهدة تيانجين، وتنازلوا للبريطانيين عن الجزء الجنوبي من شبه جزيرة كولون المتاخمة لهونغ كونغ.

اقرأ أيضًا:

إدمان المواد الأفيونية

ما الفرق بين هونج كونج والصين؟

ترجمة: وراد الحمادة

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر