بدأت فضيحة ووترغيت في الصباح الباكر من يوم 27 من شهر يونيو عام 1972، عندما ألقي القبض على مجموعة من اللصوص في مكتب اللجنة الوطنية الديموقراطية، التي تقع في مجمع ووترغيت في واشنطن، لم تكن تلك عملية سطو عادية، كان اللصوص مرتبطين بحملة إعادة انتخاب الرئيس ريتشارد نيكسون، وألقي القبض عليهم وهم يضعون أجهزة تنصت على الهواتف وسرقة ملفات، اتخذ نيكسون خطوات عنيفة للتستر على الجرائم، ولكن عندما كشف صحفيا جريدة واشنطن بوست بوب وودوورد وكارل بيرنستين تورطه في المؤامرة، استقال نيكسون في التاسع من أغسطس عام 1974. غيرت فضيحة ووترغيت السياسة الأمريكية إلى الأبد، ودفعت العديد من الأمريكيين إلى التشكيك في قادتهم والتفكير بموضوعية بشأن الرئاسة.

اقتحام ووترغيت

تعود أصول اقتحام ووترغيت إلى المناخ السياسي العدائي في تلك الفترة، بحلول عام 1972، عندما ترشح الرئيس الجمهوري ريتشارد م. نيكسون لإعادة الانتخاب، كانت الولايات المتحدة غارقة في حرب فيتنام، وكانت البلاد منقسمة بشدة.

لذلك بدت حملة رئاسية قوية ضرورية للرئيس وبعض مستشاريه الرئيسيين، تضمنت تكتيكاتهم العنيفة ما تبين أنه تجسس غير قانوني في مايو من عام 1972، كما ستوضح الأدلة فيما بعد، اقتحم أعضاء لجنة إعادة انتخاب الرئيس الخاصة بنيكسون «التي عرفت باسمها الساخر كريب CREEP» مقر اللجنة الوطنية الديموقراطية في ووترغيت، وسرقوا نسخًا من ملفات غاية في السرية ووضعوا أجهزة تنصت على هواتف المكاتب.

على أي حال فشلت أجهزة التنصت بالعمل الصحيح، لذلك عادت مجموعة من خمسة لصوص إلى مبنى ووترغيت، بينما كان المقتحمون يستعدون لاقتحام المكتب وبحوزتهم جهاز تنصت جديد، لاحظ أحد الحراس أن أقفال عدة أبواب في البناء قد وضع عليها شريط لاصق، اتصل الحارس بالشرطة التي وصلت في الوقت المناسب لإلقاء القبض عليهم متلبسين.

لم يكن واضحًا على الفور أن اللصوص متصلين بالرئيس، ولكن أثيرت الشبهات عندما وجد المحققون نسخًا من رقم هاتف لجنة إعادة الانتخاب الخاصة بالبيت الأبيض بحوزة المجرمين.

ألقى نيكسون خطابًا في أغسطس وأقسم فيه أن طاقم عمل البيت الأبيض لم يكن متورطًا في الاقتحام، صدقه أغلب الناخبون، وفي نوفمبر من عام 1972 أعيد انتخاب الرئيس بانتصار ساحق.

عرقلة نيكسون للعدالة

كشف لاحقًا أن نيكسون لم يكن صادقًا، بعد عدة أيام من الاقتحام على سبيل المثال، قام بتدبير مئات الآلاف من الدولارات «رشوة مقابل الصمت» للصوص.

بعدها خطط نيكسون ومساعدوه لتوجيه وكالة المخابرات المركزية لتعيق تحقيق مكتب التحقيقات الفدرالي، وكانت تلك جريمة أكبر من الاقتحام: كان ذلك سوء استخدام صلاحيات الرئيس وعرقلة متعمدة للعدالة.

في تلك الاُثناء وجّه الاتهام لسبعة من المتآمرين بتهم تخص قضية ووترغيت، وبتوجيهات من مساعدي نيكسون اعترف خمسة منهم بالذنب لتجنب المحاكمة، وأدين الاثنان الآخران في يناير من عام 1973.

تحقيق وودوورد وبيرنستين

عند ذلك الوقت، ازداد عدد الناس المشككين بوجود مؤامرة أكبر، ذلك يتضمن الصحفيين بالواشنطن بوست بوب وودوارد وكارل بيرنستين، وقاضي المحاكمة جون ج. سيريكا وأعضاء من لجنة تحقيقات مجلس الشيوخ، وفي الوقت ذاته بدأ بعض المتآمرين بالانهيار تحت ضغط التستر، وأمد شاهد مجهول وودوارد وبيرنستين بمعلومات مهمة.

شهدت مجموعة من مساعدي نيكسون ومن ضمنهم محامي البيت الأبيض جون دين أمام هيئة محلفين كبرى عن جرائم الرئيس، وشهدوا أيضًا أن نيكسون سجل جميع المحادثات التي جرت في المكتب البيضاوي بسرية. إن تمكنت النيابة من الحصول على تلك الشرائط كان ذلك ليثبت إدانة الرئيس.

عانى نيكسون لحماية الشرائط خلال صيف وخريف عام 1973. تحجج محاموه بأن صلاحيات الرئيس التنفيذية تسمح له بالاحتفاظ بتلك الشرائط لنفسه، ولكن أصر القاضي سيريكا ولجنة الشيوخ ومدعي خاص مستقل يدعى أرشيبالد كوكس على الحصول على تلك الشرائط.

مجزرة ليلة السبت

عندما رفض كوكس التخلي عن المطالبة بالشرائط، أمر نيكسون بطرده، ما دفع عدة مسؤولين من وزارة العدل إلى الاستقالة احتجاجًا. عرفت هذه الأحداث التي وقعت في 20 أكتوبر من عام 1973 بمجزرة ليلة السبت. في نهاية المطاف وافق نيكسون على تسليم بعض الشرائط ولكن ليس جميعها.

في أوائل عام 1974 بدأت تنكشف جهود عملية التستر وعرقلة تحقيق ووترغيت، في الأول من مارس وجهت هيئة محلفين كبرى عينها المدعي العام الجديد الاتهام لسبعة من مساعدي نيكسون السابقين بتهم متعددة تتعلق بقضية ووترغيت، لم تكن هيئة المحلفين واثقة من قدرتها على توجيه الاتهام لرئيس حالي، وأطلقت تسمية «متآمر شريك غير متهم» على نيكسون.

في يونيو أمرت المحكمة العليا نيكسون بتسليم الشرائط، وبينما تلكأ الرئيس صوتت اللجنة القضائية في مجلس النواب على عزل نيكسون بسبب عرقلة العدالة وإساءة استخدام السلطة وتستر إجرامي وعدة انتهاكات للدستور.

استقالة نيكسون

وأخيرًا في 5 أغسطس، سلم نيكسون الشرائط التي وفرت أدلة قطعية على تورطه في جرائم ووترغيت. نتيجة عزل شبه مؤكد بواسطة الكونغرس، استقال نيكسون بخزي في 8 أغسطس، وغادر منصبه في اليوم التالي.

بعد ستة أسابيع من تأدية نائب الرئيس جيرالد فورد القسم الدستوري أصدر عفوًا عن نيكسون عن أية جرائم ارتكبها خلال وجوده في منصبه. لم يكن بعض مساعدي نيكسون بذلك الحظ، أدينوا ببعض الجرائم الخطيرة وأرسلوا إلى السجن الفدرالي. قضى جون ميتشيل مدعي الولايات المتحدة العام لنيكسون 19 شهرًا في السجن لدوره في الفضيحة، بينما قضى العقل المدبر لقضية ووترغيت ج. جوردن ليدي عضو مكتب التحقيقات الفدرالي السابق 4 سنوات ونصف.

قضى أتش. أر. هالدمان رئيس أركان نيكسون 19 شهرًا في السجن بينما قضى جون إيرليشمان 18 شهرًا لمحاولة التستر على الاقتحام. لم يعترف نيكسون نفسه بأية جريمة، ولكنه اعترف بسوء الحكم.

كان لإساءة استخدامه للسلطة أثر بعيد المدى في السياسة الأمريكية، ما خلق جوًا من الشك وانعدام الثقة، بينما كان العديد من الأمريكيين مستائين من حرب فيتنام، وحزينين بسبب اغتيال روبرت كينيدي ومارتن لوثر كينغ وقادة آخرون، أضافت قضية ووترغيت المزيد من خيبة الأمل إلى جو الأمة المفعم بصعوبات وخسائر القرن الماضي.

اقرأ أيضًا:

الحرب الباردة وتقارب القوى المتصارعة خلالها

زعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ الابن

ترجمة: علي باسم يوسف

تدقيق: رغد أبو الراغب

المصدر