يحصل اللاعبون الذين يتخذون قرارات غير عقلانية وساذجة على نتائج جيدة، فيما يحصل اللاعبون الذين اتخذوا القرارات العقلانية وفق مبدأ الاستقراء الارتجاعي على نتائج سيئة غالبًا، تندرج هذه الحالة ضمن إطار مفارقة العقلانية في نظرية الألعاب والاقتصاد التجريبي.

تُظهر مفارقة العقلانية فوائد السلوك غير العقلاني (اللاعقلانية)، إذ تظهر نتائج الألعاب التي تحتوي على توازن ناش (مفهوم في نظرية الألعاب، ويعني قدرة اللاعبين على تحقيق النتيجة المطلوبة دون تغيير استراتيجيتهم الأولية) أن حال اللاعبين كان من الممكن أن يكون أفضل لو أنهم اختاروا استراتيجيات أقل عقلانية، وتسمى مفارقة العقلانية أحيانًا «عقلانية اللاعقلانية».

فهم مفارقة العقلانية:

تُلاحَظ مفارقة العقلانية في الدراسات التجريبية لنظرية الألعاب، إذ تُستخدم ألعاب مشهورة مثل معضلة السجين ومعضلة المسافر ومعضلة العشاء، وتوضح التناقضات بين الحدس والاستدلال المنطقي وبين تنبؤات نظرية الاختيار العقلاني والسلوك الفعلي.

لا يمكن تفسير نتائج السلوك غير العقلاني بوساطة النظريات المبنية على مبدأ الاختيار العقلاني الفردي فقط، إذ بنيت النظريات الاقتصادية والمالية التقليدية على أساس أن الناس يتصرفون بنحو عقلاني، ويعد تصرفهم الدائم بنحو غير عقلاني تحديًا لهذه النظريات.

تبرر نظرية السلع العامة (سلع أو خدمات تفيد جميع أفراد المجتمع وتقدم مجانًا لأنها تُمَول بوساطة الضرائب العامة) الكثير من السياسات العامة، وتتنبأ أن الأفراد سيستهلكون ما أمكن من السلع العامة المتاحة، ولن يدفعوا مقابلها أو ينتجوها، ولكن تُظهر التجارب أن الحال ليس كذلك في كثير من الأحيان.

تتّبع محاولات شرح هذه النتائج مقاربتين رئيسيتين، ويعدها بعضهم تحديًا للاختيار العقلاني الفردي، ويجادلون في أن الانحياز المعرفي يجب أن يدفع الناس نحو الاختيار اللاعقلاني، في حين يعدِّل آخرون الاختيار العقلاني الفردي في السياق الاجتماعي، ويرون أن المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية تؤثر في الاختيار الفردي.

معلومة: إذا لم يصل اللاعبون إلى التوازن المتوقع في سياق نظرية الألعاب، فهذا يعني تفعيل دور عامل يختلف عن الاختيار العقلاني الفردي البحت.

الاقتصاد السلوكي:

يوضح الاقتصاد السلوكي أثر العوامل النفسية في القرارات الفردية، يختلف الاختيار العقلاني في نظرية الألعاب عن السلوك الملاحظ، وتعد الانحيازات المعرفية (الأخطاء المنهجية في التفكير التي تحدث في أثناء محاولة العقل تبسيط المعلومات التي عالجها، وغالبًا ما تؤثر في القرارات التي يتخذها الأفراد)، والحالات العاطفية، والخلل العصبي البيولوجي في الدماغ البشري؛ الأسباب الرئيسية لهذا السلوك.

تحتاج هذه المواضيع إلى القدرة العقلانية التي تمكنها من تحقيق استراتيجية التوازن، أو الاسترشاد بالانحيازات اللاواعية، التي تنتج عن العمليات الفكرية اللاعقلانية والعواطف والعادات السلوكية.

معلومة: لدراسة بعض الحالات، طور العلماء نماذج جديدة مستوحاة من جوهر نظرية الألعاب التقليدية، لكي تعكس هذه النماذج أنواع متخذي القرار.

الاقتصاد المؤسساتي الجديد:

يفترض الاقتصاد المؤسساتي الجديد انتشار التأثيرات الاجتماعية في القرارات الاقتصادية الفردية في كل مكان، ما عدا المنفيين على الجزر المهجورة، تصدر القرارات الاقتصادية ضمن سياق متعدد من قبل المنظمات والمؤسسات الاقتصادية المشتركة، متضمنةً القطاع العائلي وقطاع الأعمال وقطاع الحكومة وسواها.

يختلف الاختيار العقلاني المتخذ في إطار نظرية الألعاب عن الاختيار الذي سيتخذه فرد حقيقي معتاد على أنماط سلوكية معينة وقواعد مؤسسية رسمية وغير رسمية، وينتج الإعداد المؤسسي للفرد سلوكًا فوق عقلاني (مهارة تطبيق العقلانية في الوقت المناسب)، يوجه بنحو مخطط له ومدروس أو من تلقاء نفسه، من أجل تحقيق نتائج إيجابية لجميع الأفراد.

يُحضر المشاركون (الذين تجرى عليهم التجارب) في الألعاب أمتعتهم معهم، ويشترط عليهم اختيار الاستراتيجيات التي تعكس شخصياتهم والقواعد التي يفهمونها.

الاقتصاد التطوري:

يسد الاقتصاد التطوري (نظرية تفترض أن العمليات الاقتصادية متطورة بنحو دائم، وأن السلوك الاقتصادي يُحدَّد من قبل الأفراد والمجتمع سويةً( الفجوة بين مختلف العلوم، فيعتمد على علم الأحياء التطوري وعلم النفس التطوري لشرح الانحرافات عن الاختيارات العقلانية الفردية.

ووفق الاقتصاد التطوري، وصف الاقتصاد السلوكي الانحيازات المعرفية التي يظهرها الأفراد، وتطويرهم للهياكل التنظيمية الرسمية وغير الرسمية. تنتج الضغوط التطورية استجابة تكيفية (رد الفعل اللاواعي على المحفزات البيئية)، وتعد هذه الضغوط سبب دراسة الاقتصاد المؤسسي الجديد لهذه الهياكل التنظيمية.

تعد الانحيازات المعرفية والمؤسسات الاقتصادية استراتيجيات تطورية تستخدم لشرح مفارقة العقلانية، التي تستخدم من أجل تحقيق نتائج إيجابية من طريق السيطرة على التوازن العقلاني الفردي في نظرية الالعاب.

ما هي مفارقة العقلانية في نظرية الألعاب؟

تعد مفارقة العقلانية أحد مفاهيم نظرية الألعاب، الذي ينص على أن تصرف اللاعبين بعقلانية يؤدي إلى نتائج دون المستوى المطلوب للنظام، وتقترح أن الاختيار العقلاني للنظام هو تصرف جميع أو بعض اللاعبين بنحو غير عقلاني.

من صاحب مفهوم العقلانية واللاعقلانية؟

عمل مفكرون مثل رينيه ديكارت وليبنتز على مفهوم العقلانية في القرن السابع عشر، واكتشفها علماء الاجتماع مثل آدم سميث وكارل ماركس في القرن التاسع عشر، إذ ظهر مفهوم العقلانية لوصف المسار الموضوعي الأفضل للأعمال التي يمكن للفرد القيام بها، ولكن تنسب مفاهيم العقلانية الحديثة إلى ألفريد مارشال، وولادة تيار الاقتصاد النيوكلاسيكي.

كيف يمكن أن تكون اللاعقلانية عقلانية؟

يخلق تصرف الجميع بنحو عقلاني فردي مشكلات للآخرين، مثلًا، من الأفضل لبعض السائقين أن يسلكوا طرقًا ذات مستوى منخفض، لأن استخدام أنظمة الملاحة المرورية (نظام تحديد المواقع – GPS)، التي توجه المركبات نحو الطرق الأفضل، يؤدي إلى خلق اختناقات مرورية كبيرة في الشوارع الجانبية الضيقة.

اقرأ أيضًا:

الدين الوطني الأمريكي

ما المقصود بالإنفاق الاستهلاكي الشخصي؟

ما أثر التكنولوجيا المالية في مجال إدارة الثروة؟

ترجمة: محمد الشيخ عبيد

تدقيق: نور عباس

مراجعة: حسين جرود

المصدر