لا يخفى على احد التأثير الكبير الذي تسبب به جنسنا البشري في كوكب الارض. ولكن الباحثين باتوا على قناعة بان البشر قد ادخلوا الارض في حقبة جيولوجية جديدة و التي كانت فيها افعالنا السبب الرئيسي.

لذا اهلا بكم في حقبة “الأنثروبوسين” (Anthropocene).

لقد تنبأ العلماء منذ زمن ببداية هذه الحقبة، حيث تم افتراض ان هذه المرحلة بدأت كنتيجة للثورة الصناعية اواخر القرن الثامن عشر.

 

ولكن بعد دراسة الأثر البيئي للبشر عبر الخمسين الف سنة الماضية، اكدت مجموعة من الباحثين من جامعة لندن في المملكة المتحدة باننا نعيش في حقبة جيولوجية جديدة و بان هذه الحقبة قد بدأت منذ عام 1610 ميلادي، على الاغلب كنتيجة لاستعمار الاوروبيين للقارة الامريكية.

يقول الدكتور “سيمون لويس”، و هو المؤلف الرئيسي في الورقة العلمية التي نشرت في مجلة Nature الشهيرة، بأن الحقبة الانثروبوسينية بدأت على الاغلب عندما عبرنا القارات و عندما اتصل العالم القديم بالعالم الجديد.

 

المميز في الامر هو ان جميع الحقب السابقة على كوكبنا قد بدأت و انتهت نتيجة لتغييرات فيزيائية كبيرة، كضربة نيزك على سبيل المثال، الانفجارات البركانية المتواصلة أو تباعد القارات؛ الا انه في هذه المرة، فصيلة واحدة من الكائنات الحية – البشر- تسبب في نشوء حقبة جيولوجية جديدة فقط اعتمادا على نفسها.

 

لكي نستطيع التعريف بحقبة جديدة، فانه يوجد اثنتين من المعايير الرئيسية اللتي يجب مطابقتها.

أولا ، يجب توثيق تغييرات تستمر على المدى الطويل؛ و ثانيا، يحتاج العلماء الى ما يسمى ب “المسمار الذهبي ” أو “golden spike” والذي يعرف على انه التغيير البيئي العالمي الموجود في المواد الطبيعية كالصخور والجليد او الترسبات في المحيطات، والذي يمكن تأريخه في سنة محددة.

 

بعد التنقيب في السجل الجيولوجي، وجد فريق العلماء ان سنتين فقط من اخر خمسين الف سنة طابقت المعيار الثاني – عام 1610 وعام 1964. في العام 1964، ادت تجارب الاسلحة النووية الى تأثيرات كبيرة على كوكب الارض، الا ان الباحثين استبعدوا عام 1964 كبداية للحقبة الجديدة لانه حتى الان لم يتم تسجيل تغييرات على المدى البعيد ناتجة عن هذه التجارب.

 

لذا ما الامر الذي حصل عام 1610 م والذي ترك اثرا على كوكبنا اكبر من ذلك الناتج عن الاسلحة النووية؟

مسمار عام 1610 الذهبي أتى على شكل سقوط درامي في مستويات ثاني اكسيد الكربون في الغلاف الجوي مرصودا في سجلات العينات الجليدية للقطب الجنوبي.

و يعتقد الباحثون ان هذا السقوط تسبب به سفر الاوروبيين الى القارة الامريكية عام 1942م، هذا السفر الذي كان وراء نقل مرض الجدري و موت حوالي الخمسين مليون شخصا من السكان الاصليين لامريكا خلال بضع عقود.

هذا الحدث سبب نهاية مفاجأة للزراعة عبر القارة الامريكية، و سمح ايضا للغابات في امريكا الللاتينية بالنمو و بدأ امتصاص الكربون مجدداً مما ادّى الى تقليل مستويات ثاني اكسيد الكربون.

 

 

كذلك، و على عكس اختبارات الاسلحة النووية في عام 1964، سبب استعمار القارتين الامريكيتيين اثرا على المدى الطويل من خلال نموّ التجارة العالمية والسفر عبر القارات.

 

يقول لويس: “العديد من المؤرخين يعتبرون ان استيراد المحاصيل الزراعية من القارتين الامريكيتين لاوروبا، بالاضافة الى توافر الفحم كان السبب وراء اندلاع الثورة الصناعية و التي بدورها اطلقت موجة من التغييرات البئية العالمية”.

على الرغم من تواجد جميع الادلة المطلوبة لاعلان وجود حقبة جيولوجية جديدة، الا ان الكلمة الفصل هي بيد الاتحاد الوطني للعلوم الجيولوجية الذي سوف يقرر ما اذا كان سوف يتم اعتماد هذه الحقبة بشكل رسمي.

 

 

يقول “مارك ماسلين”، المؤلف المساعد للدراسة: “ينتشر وعي على نطاق واسع بان افعال البشر تُحدِث تغييرات خطيرة في الدعائم الاساسية للحياة على الارض، مما سيؤثر على رؤيتنا الفلسفية، الاجتماعية، الاقتصادية و السياسية تجاه بيئتنا”.

و يضيف: “الخطوة الاولى في الطريق الى اصلاح علاقتنا المدمِّرة مع البيئة تكمن في الاعتراف بكونها كذلك”.


المصدر