توقعات الطقس على كوكب المريخ – تتساقط الثلوج في شمال الكوكب الأحمر بشكل منتظم جداً, ما يمكننا من التخطيط لإرسال بعثات استكشافية إلى تلك المنطقة بكل سهولة. في أحدث منشوراتهم, يقول باحثون في (جامعة توهوكو – Tohoku University) في مدينة (سينداي – Sendai) في اليابان, وفي (معهد ماكس بلانك- Max Planck Institute) لأبحاث النظام الشمسي في (كاتلينبيرغ لينداو – Katlenburg-Lindau) في ألمانيا, بأنه من الممكن التنبؤ قبل أسابيع عدة بالعواصف الثلجية التي ستعصف بالنصف الشمالي من المريخ خلال فصول الشتاء الباردة للغاية. تظهر حسابات الباحثين للمرة الأولى علاقة بين تلك التساقطات الثلجية وبين ظاهرة جوية خاصة في المريخ تتمثل بتقلبات في الضغط الجوي والحرارة وفي سرعة الرياح واتجاهها, وهي ظاهرة تنتشر في النصف الشمالي من الكوكب, ويكون ظهورها “موجياً” يطرأ بشكل منتظم جداً. سيتيح هذا الطقس للبعثات الاستكشافية المتوجهة نحو الكوكب الأحمر إمكانية اختيار الطرق التي تتجنب العواصف الثلجية الشديدة.

تمثل المناطق القطبية على المريخ عوالم ذات برد قارس. وبشكل يشابه نظرائها على الأرض, تستتر بغطاءات جليدية متلاحمة. عند انخفاض الحرارة إلى ما دون -128 درجة مئوية, يكون المصدر الرئيس لتلك الغطاءات هو ثاني أوكسيد الكربون المتجمد والنابع من الغلاف الجوي. عندها تنتشر تلك الغطاءات الجليدية على مدى منطقة تمتد جنوباً إلى ما يقارب خط العرض 70 درجة شمالاً. لا يتصاعد ثاني أوكسيد الكربون سوى في الصيف الأكثر دفئاً, ما يكشف عن ثلج المريخ الأزلي, وهو غطاء ثلجي أقل حجماً بكثير ومكون من الماء المتجمد.

يقول (الدكتور بول هارتو – Dr. Paul Hartogh): “هناك مصدرين للثلج الموسمي على المريخ, يتكاثف جزء من ثاني أوكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي بشكل مباشر على السطح – بطريقة تشبه تشكل طبقة صقيع على الأرض في الجو البارد والصحو -, ويتجمد قسم آخر أثناء وجوده في الغلاف الجوي.” تتراكم بلورات ثلجية صغيرة على شكل غيوم ثم تتساقط على شكل ثلوج. في هذه الدراسة, تمكن العلماء للمرة الأولى من الربط بين السحب الجليدية تلك وبين ظاهرة جوية “موجية” تتمثل بتغير دوريّ في الضغط الجوي والحرارة وسرعة الرياح واتجاهها.

يقول (الدكتور اليكساندر ميدفيدف – Dr. Alexander Medvedev): “تلك ظاهرة جوية فريدة من نوعها على سطح المريخ”, وبالفعل, يمكن ملاحظة تلك الظاهرة المسماة بالتذبذبات الكوكبية لدى الأرصاد الجوية على الأرض أيضاً. مع ذلك, ليست تلك التقلبات في الضغط الجوي والحرارة في النصف الجنوبي من الكوكب أضعف بكثير فحسب, بل أنها تحدث بشكل أقل انتظاماً وتكون خصائصها الموجية أقل وضوحاً بكثير أيضاً. يقول (ميدفيدف): “في النصف الشمالي من المريخ, وبين فصلي الخريف والربيع, يمكن التنبؤ بتلك التقلبات بدقة مذهلة”. تتجه تلك التقلبات شرقاً على مدى فترى منتظمة تتمثل بخمسة إلى ستة أيام. يمكن أيضاً وجود تموجات ذات تواتر أعلى, وذلك على مقربة من سطح الكوكب.

بسبب تلك الموجات الكوكبية, تتأرجح درجات الحرارة في الغلاف الجوي للمريخ وتقلّ بشكل كبير عن -128 درجة مئوية, وهي درجة الحرارة التي يتجمد عندها غاز ثاني أوكسيد الكربون. تُظهر حسابات العلماء الآن أنه حيثما تنخفض درجة الحرارة بشكل ملحوظ, تتشكل بلورات جليدية صغيرة الحجم وتتراكم على شكل سحب ثلجية. يقول (هارتو): “يمكن ملاحظة وجود تلك السحب شمال خط العرض 70 درجة شمالاً, وذلك في جميع طبقات الغلاف الجوي وصولاً إلى ارتفاع 40 كيلومتر”. تتساقط البلورات الجليدية التي تتشكل على ارتفاع يقل عن 20 كيلومتر على سطح الكوكب على هيئة ثلوج.

يستطرد (ميدفيدف): “لكي تطرأ تساقطات ثلجية كهذه, يجب على تقلبات درجات الحرارة الدورية أن تكون متماثلة في جميع طبقات الغلاف الجوي”. يحصل هذا في الارتفاعات التي تقل عن 20 كيلومتر. في جميع الحالات الأخرى, تطدم البلورات الجليدية بطبقات هوائية أكثر دفئاً أثناء سقوطها, ما يسفر عن تصعدها. يحدث هذا بشكل خاص في منطقة من النصف الشمالي من الكوكب, تقع بين خطي الطول 30 درجة غرباً و 60 درجة شرقاً, حيث تكون تلك الظروف مهيئة تماماً. تُظهر الصور التي حصلت عليها التلسكوبات والمسبارات الفضائية أنّ الغطاءات الثلجية في تلك المنطقة تصل إلى مسافات استثنائية جنوباً. تدل حسابات الباحثين على أنّ نصف الجليد الموسمي يتساقط على شكل ثلوج.

قام (الدكتور تاكيشي كورودا – Dr. Takeshi Kuroda) من جامعة (توهوكو) مع زملائه في معهد (ماكس بلانك), بتنفيذ محاكاتهم باستخدام نموذج مناخي متفق مع الظروف الموجودة على المريخ. يقول (كورودا) الذي عمل في معهد (بلانك) حتى العام 2009 حيث حصل على شهادة الدكتوراه الخاصة به: “أخذت حساباتنا بعين الاعتبار كميات الغبار الموجودة في الغلاف الجوي للمريخ”. بالإضافة إلى ذلك, يشكل ثاني أوكسيد الكربون أكثر من 95% من الغلاف الجوي للكوكب. تتفق درجات الحرارة التي توصلنا إليها بشكل دقيق مع البيانات التي قيست من قِبل المهمة الاستطلاعية لـ (ناسا) في المريخ.

ستمكننا تلك النتائج الجديدة برأي الباحثين من التنبؤ بشكل موثوق بالعواصف الثلجية على المريخ. يقول (ميدفيدف): “يعلم الجميع بأن التوقعات الجوية على الأرض ممكنة لفترة زمنية تصل إلى خمسة أو سبعة أيام كحد أقصى, ومن المستحيل معرفة ما إذا كانت الثلوج ستتساقط بعد عشرين أو أربعين يوماً”. يختلف الأمر في المريخ, تظهر عملية المحاكاة أنّه من الممكن التبؤ بالتساقطات الثلجية في مناطق معينة من المريخ, وذلك قبل مدة زمنية كبيرة نسبياً. ويقول (هارتو): “تلك معلومات ثمينة للغاية بالنسبة للمهمات التي تهدف إلى استكشاف تلك المناطق من المريخ”. حيث يمكن تخطيط المسارات التي سيسلكها المسبار بغية تجنب العواصف الثلجية الشديدة.

[divider]

ترجمة: Abuda Dumiaty

للاستزادة:
http://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/grl.50326/abstract
http://www.nature.com/ngeo/journal/v6/n5/full/ngeo1822.html