اكتشف الفلكيون حديثًا أحد أكثر الكواكب الخارجية غرابةً على الإطلاق، الأمر يتعلق بكوكب TOI-2109b، وهو عملاق غازي يبلغ 1.35 مرة حجم كوكب المشتري، وكتلته خمسة أضعاف كتلة المشتري. الغريب في أمره أنه يسلك مدارًا قريبًا جدًا من نجمه -أقرب مدار لعملاق غازي اكتُشف لحد الآن- يجعله يدور مرة واحدة كل 16 ساعة.

بسبب قربه من نجمه، يشهد الكوكب درجة حرارة قصوى خلال النهار قد تصل إلى 3227 درجة مئوية، وهي درجة أعلى من درجات بعض النجوم.

يُعد TOI-2109b ثاني أسخن كوكب خارج المجموعة الشمسية اكتُشف لحد اللحظة، ويُصنّف في فئة «الكواكب الشبيهة بالمشتري فائقة الحرارة»، ويأمل علماء الفلك أن يخبرنا هذا العملاق عن كيفية ظهور هذه الكواكب الخارجية المتطرّفة، إضافة إلى التفاعلات التي تحصل بينها وبين النجوم المضيفة لها.

قال عالم الفلك إيان وونغ من مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا: «قد نتمكن من اكتشاف كيف يقترب هذا الكوكب من نجمه في غضون عام أو عامين إذا حالفنا الحظ، ولن يسقط هذا الكوكب داخل نجمه ونحن من الأحياء، لكن بعد مرور نحو 10 ملايين سنة قد لا يكون هذا الكوكب موجودًا بتاتًا».

تُعد كواكب المشتري الساخنة وفائقة الحرارة فئةً مثيرةً من الكواكب الخارجية، وهي كواكب غازية عملاقة على شاكلة المشتري، لكن اختلافها يكمن في قربها البالغ ودورانها السريع حول نجومها، في مدارات تقل عن 10 أيام، بخلاف المشتري الذي يكمل دورته حول الشمس في غضون 12 سنة.

وبسبب هذا القرب الشديد تسخن مثل هذه الكواكب الخارجية لدرجات قصوى وغالبًا ما تتبخر جرّاء ذلك.

تشكل هذه الكواكب لغزًا كبيرًا؛ لأنّها تتحدّى فهمنا حول كيفية تكوّن الكواكب، فحسب نماذجنا الحالية لا يمكن أن يتشكل عملاق غازي قريبًا من نجمه؛ لأن الجاذبية والإشعاع والرياح النجمية الشديدة يُفترض أن تمنع الغاز من التكتل معًا.

مع ذلك لقد اكتشفنا المئات منها حتى الآن؛ ما دفع بعض علماء الفلك حاليًا إلى الظن أن هذه الكواكب الخارجية تتشكل بعيدًا عن النجوم المضيفة لها قبل أن تتوغّل إلى الداخل.

قال عالم الفيزياء الفلكية آفي شبورر من معهد كافلي للفيزياء الفلكية وأبحاث الفضاء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «منذ بداية علم الكواكب الخارجية، كان يُنظر إلى كواكب المشتري الساخنة على أنها كرات غريبة».

وأضاف: «كيف يصل كوكب ضخم وكبير مثل كوكب المشتري إلى مدار لا يزيد طوله عن أيام قليلة؟ ليس لدينا أي شيء مثل هذا في نظامنا الشمسي، وهذه فرصة مناسبة لنا لدراستها وتفسير وجودها».

لفك لغز تطوّر كواكب المشتري الساخنة يبحث الفلكيون عن أكبر عدد ممكن منها، على أمل دراستها في مراحل مختلفة من دورة حياتها، ويُعد كوكب TOI-2109b الأقرب إلى مرحلة الاحتضار بسبب الاعتلال الذي أصاب مداره.

 رسم تخطيطي للتغيرات في ضوء النجم خلال دوران كوكب خارج المجموعة الشمسية، (جيه وين، أرشيف، 2014).

رسم تخطيطي للتغيرات في ضوء النجم خلال دوران كوكب خارج المجموعة الشمسية، (جيه وين، أرشيف، 2014).

اكتُشف TOI-2109b عبر التلسكوب الفضائي التابع لناسا لمسح الكواكب الخارجية TESS، الذي يبحث عن الانخفاضات الضئيلة في ضوء النجم التي تُشير إلى وجود شيء ما يدور حوله.

هذه الانخفاضات والتغيّرات الصغيرة في ضوء النجم قد تدلّنا على حجم الجسم المداري وكتلته.

يدور كوكب TOI-2109b حول نجم أصفر يميل إلى البياض بحجم 1.7 مرة وكتلة 1.4 مرة من كتلة الشمس، على بعد نحو 855 سنة ضوئية، ويقع هذا الكوكب على مسافة قريبة جدًا من نجمه -2.4 مليون كيلومتر- تعادل 1.6٪؜ فقط المسافة بين الشمس والأرض.

من هذه المسافة القريبة، ربما يكون الكوكب الخارجي مقيدًا بفعل الجاذبية إلى نجمه المضيف، إذ يقابله على الدوام بجانب واحد، الذي يصل إلى درجة حرارة جنونية تبلغ نحو 3227 درجة مئوية، لكن الجانب الآخر الليلي والبعيد عن النجم لا زال عصيًا على الفهم قليلًا.

يتساءل شبورر: «هل درجة سطوع الجانب الليلي للكوكب أقل من حساسية بيانات قمرنا الفضائي، ما يثير تساؤلات حول ما يحدث بالفعل هناك».
ويُضيف: «هل درجة الحرارة هناك شديدة البرودة، أم أن الكوكب يأخذ الحرارة بطريقة ما من جانب النهار وينقلها إلى الجانب الليلي؟ نحن في بداية محاولاتنا للإجابة على هذا السؤال بالنسبة إلى كواكب المشتري فائقة الحرارة».

استطاع فريق البحث قياس معدل سرعة اقتراب TOI-2109b من نجمه، إذ يزيد أكثر فأكثر بمعدل 10 إلى 750 مللي ثانية في السنة، وهو رقم جديد لأسرع كوكب من فئة كواكب المشتري الساخنة اكتشفناه حتى الآن.

يأمل الفريق أن تكشف الدراسات المستقبلية لـ TOI-2109b، خاصة باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي سيطلق قريبًا، عن بعض الضغوط التي تتعرض لها كواكب المشتري الساخنة في أثناء قيامها بمدرات نحو حافة الموت.

صرّح المؤلف الرئيسي للدراسة إيان وونغ بأن: «كواكب المشتري الفائقة الحرارة مثل TOI-2109b تُشكّل أكثر الأنواع الفرعية تطرفًا من الكواكب الخارجية».

وأضاف: «لقد بدأنا للتو في فهم بعض ما يحدث في الغلاف الجوي لهذه الكواكب من عمليات فيزيائية وكيميائية لا مثيل لها في نظامنا الشمسي».

اقرأ أيضًا:

ما الذي يجعل المشتري أحد أغرب الكواكب في المجموعة الشمسية؟

أقمار الكواكب الخارجية قد تكون صالحة للسكن

ترجمة: رضوان بوجريدة

تدقيق: تسبيح علي

المصدر