كانت بانجيا (أم القارات) تجمعًا واسعًا لجميع الكتل الأرضية الرئيسية، وهي آخر القارات الكبرى على كوكب الأرض. قبل انشطار بانجيا ارتبطت منطقة (نوفاسكوتيا) بالمغرب ارتباطًا وثيقًا، وكانت جزيرة (نيوفوندلاند) متصلةً بأيرلندا والبرتغال.

منذ نحو 250 مليون عام، كانت بانجيا متماسكةً، إلى أن مزقتها القوى الجيولوجية لتشكل لاحقًا القارات التي نعرفها اليوم.

بحث الجيولوجيون سنوات عديدة في كيفية اتصال القارات ببعضها، ولماذا تفرقت في النهاية، وكيف انتهى بها الأمر منتشرةً في أنحاء الأرض.

بصفتي متخصصًا في الجيولوجيا البنائية، اعتدت البحث في الصفائح القارية التكتونية، وخصوصًا طريقة تفكك القارات وسببه وما يرتبط به من الصخور النارية والموارد الطبيعية والمخاطر.

قطع الأحجية

ندرك تمامًا أن نوفاسكوتيا والمغرب كانتا متصلتين في الماضي، بدليل التطابق المدهش للساحلين، ويمكننا التحقق من ذلك بتأمل بنية قاع المحيط الذي يفصلهما الآن. نحن اليوم بصدد فهم تحول القارات وتشكلها، إضافةً إلى حركة الكتل الأرضية، لكن ما زال أمامنا الكثير لنتعلمه. يستمر البحث على نطاق واسع لمعرفة سبب انقسام الساحلين وتباعدهما مسافة 5000 كيلومتر، وكيف انفصلت بقية القارات لتصبح كما نراها الآن.

يظن فريق من العلماء أن القارات خضعت لحركة الصفائح التكتونية مدفوعةً بقوى جيولوجية، في حين يظن فريق آخر أن المواد الساخنة الصاعدة من أعماق الأرض شقت طريقها إلى أعلى دافعةً القارات بعيدةً عن بعضها، وبصرف النظر عن صحة أي من النظريتين، فنحن متيقنون أن ذلك لم يحدث بين عشية وضحاها.

الصفائح التكتونية حقيقة مستمرة، فهي تواصل التحرك عدة ميليمترات كل عام، وعلى مدى العصور الطويلة واصلت التمدد والتحرك، حتى أصبح للأرض شكلها الحالي، وما تزال حركتها مستمرةً دون أن نشعر بها.

كيف انفصلت القارة الكبرى الأخيرة وشكلت عالمنا الذي نراه الآن - آخر القارات الكبرى على كوكب الأرض - القارات الكبرى - القارة الكبرى - بانجيا

شمال الأطلسي

خضعت منطقة شمال الأطلسي لدراسة كثيفة. ظلت تلك البقعة المُحاطة بغرينلاند وشرق كندا وغرب أوروبا لغزًا غامضًا سنين عديدة، إذ شهدت المرحلة الأخيرة من تفكك القارة الكبرى بانجيا.

قد تكون تلك المنطقة مصدرًا للكثير من علوم الأرض التي ستساعدنا على فهم التشكل القاري لمناطق أخرى من العالم.

عندما بدأت الصفائح التكتونية في شمال الأطلسي بالتوسع، بدأت القارة تنفصل على امتداد الساحل الغربي لغرينلاند، ثم توقفت واستمر الانفصال بين شرق غرينلاند وأوروبا، لماذا؟

لحل ذلك اللغز والعديد من الأسئلة الغامضة الأخرى، شكلت مع زملائي فريقًا من 30 باحثًا متخصصًا في مجالات علوم الأرض، ودعوناه (فريق عمل شمال الأطلسي).

ضم الفريق جيوفيزيائيين وجيوكيميائيين، إضافةً إلى علماء من تخصصات أخرى تتعلق ببنية الأرض وتطورها.

حتى الآن عقد فريق عمل شمال الأطلسي عدة اجتماعات، ونشروا عدة دراسات تقدم نموذجًا جديدًا للإجابة عن الأسئلة التي ظلت دون إجابة مدةً طويلةً حول ما حدث في شمال الأطلسي.

الإرث الهيكلي

تمكن فريق عمل شمال الأطلسي من جمع أنواع مختلفة من البيانات، لبحث المسألة من زوايا متعددة، واستنتجوا أن الأحداث الجيولوجية الأهم تأثرت كثيرًا بأحداث سابقة، ما أسموه ظاهرة (الإرث).

طوال تاريخ الأرض، اجتمعت الكتل الأرضية القارية وتفككت عدة مرات، وتُعرَف تلك العملية المتمثلة في الاندماج والانشقاق اللاحق بدورة القارة الكبرى، وخلّفت هذه الأحداث السابقة شقوقًا وخطوط ضعف.

وإذ تتعرض بانجيا لضغوط جديدة، فإنها تتمزق على امتداد هذه البُنى القديمة. اقتُرحت هذه العملية في وقت مبكر ضمن نظرية الصفائح التكتونية، لكن صحتها اتضحت الآن. على نطاق واسع، بدأ التمزق الذي شكّل شمال الأطلسي أولًا في غرب غرينلاند، حيث ضرب سلسلةً جبليةً قديمةً قويةً لم تتفكك. أما في شرق غرينلاند فقد كانت المقاومة أضعف، ما سهّل الانفصال وتشكُّل شمال الأطلسي.

إضافةً إلى ذلك، تركت آثار دورات الصفائح التكتونية السابقة بقايا عميقة كانت عرضةً للانصهار في غشاء الأرض، وأوضحت انتشار تلك الصخور المنصهرة المرافقة للانفصال. وعلى نطاق أصغر، يبدو أن الفراغات المخزنة للهيدروكربونات التي تُركت على حدود القارات قد تأثرت أيضًا بالأحداث القارية.

جُمع الكثير مما نعرفه عن هذا الموضوع في أثناء البحث عن النفط والغاز. تأتي معرفتنا المفصلة من المناطق الساحلية القريبة من الأسواق حيث تُعالج تلك الموارد وتُباع، وقد حصلنا على معظمها منذ الستينيات باستخدام تقنية مسح قاع المحيط بعد الحرب العالمية الثانية.

تعني هذه العوامل الاقتصادية أن معرفتنا بالطبقات الجوفية تتضاءل جدًا في ما وراء نيوفاوندلاند.

هناك في الشمال، ما زال أمامنا الكثير لاستكشافه وفهمه، حيث تقبع الإجابات عن الغموض المحيط بتشكل الأرض هناك تحت الأمواج.

اقرأ أيضًا:

ما هو علم الجيولوجيا ؟

قبل 1.5 مليار عام كانت الأرض مليئة بالمحيطات دون أي قارات

ترجمة: يزن باسل دبجن

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر