إذا سألنا أحدهم عن أول سيارة كهربية تتراءى في مخيلته، ستتمحور الإجابات المعتادة حول العقدين المنصرمين، فمثلًا تسلا رودستر، أو حتى سيارة جنرال موتورز GM EV1 إصدار أواخر التسعينيات، بل -في حالات نادرة- قد يُذكر المثال الغريب: Comuta-Car إصدار السبعينيات، ذات الواجهة بهيئة إسفين. ولكن حتى قبل أن يحلم أحدهم بتلك السيارات الكهربائية، شُنت معركة شديدة الضراوة بين المركبات الكهربائية والسيارات ذات محرك الاحتراق الداخلي؛ تجعل سوق اليوم تبدو كأنها مزاد خيري.

نعلم الآن كيف حُسمت المعركة: إن منظر محطات الوقود المترامية على أطراف طرق المدينة والطرق السريعة، مقارنة بالبنية التحتية الكهربائية المثيرة للشفقة؛ دليل كافٍ على انتصار البنزين في المعارك الأولى، ولكن لم تكن الهزيمة جراء قصر الجهود أو ضآلة عدد السيارات جيدة البناء.

هذه السيارة أعلاه هي Columbia Electric Victoria Phaeton إصدار 1908، التي بنتها شركة كولومبيا للسيارات، وتمثل آخر أيام العظمة لعلامة تجارية كادت تناطح يومًا من الأيام جنرال موتورز، وتصبح عملاقًا في صناعة السيارات، ولكن لاقت العلامة التجارية حتفها عند الإفلاس عقب أربع سنوات من إطلاقها خط إنتاج هذا الإصدار.

تعد قيادة تلك السيارة دليلًا على حيوية سوق السيارات الكهربائية على مدار العقد المنصرم، على الرغم من أنه يناسبها مسمى عربة بلا أحصنة أكثر من سيارة.

1908 Columbia Electric Victoria Phaeton

نظام القيادة: محرك كهربائي واحد | مجموعة 48 فولت من بطاريات الرصاص الحمضية | الدفع بالعجلات الخلفية.

السعر: 1600 دولار آنذاك (أي ما يعادل 44000 دولار في عام 2021).

السرعة القصوى: 24 كم في الساعة.

سعة الركاب: 2

نظرة خاطفة: تعلمنا كولومبيا، على الرغم من نسيانها، درسًا مثيرًا للاهتمام لمعارك الدفع في المستقبل.

من علية القوم إلى سراديب التاريخ:

لتقدير هذه السيارة على أكمل وجه، ولفهم كيف تغيرت الشركة التي كانت أول شركة تبيع 1000 سيارة في السنة، وأصبحت لا تحصل إلا على فضول القلة، يجب تقديم خلفية تاريخية.

في مطلع القرن العشرين، كانت هنالك ثلاثة خيارات لدفع عربة غير الحصان: البخار، والبنزين، والكهرباء. اشتهر البخار بشيوعه، إذ استُخدم البخار لتوليد الطاقة لعقود في وقتها، ولكن تتطلب طاقة البخار مرجلًا ضخمًا عالي الضغط (معروفًا بميله إلى الانفجار)، ويتطلب أيضًا تخزين المياه على متن المركبة أو مكثف باهظ الثمن ومتطلب الصيانة، وقدرًا هائلًا من الوقت لتشغيل المحرك بالفعل. وقد يستغرق بدء تشغيل سيارة بخارية أكثر من 45 دقيقة في يوم بارد.

صدق أو لا تصدق، لم تكن سيارات البنزين أفضل بكثير في أوائل القرن العشرين، قبل اختراع وسائل الراحة، مثل: المشغل الكهربائي (الذي حصل على براءة اختراع في عام 1903، ونفذه كاديلاك أول مرة في عام 1912)، أو كاتم الصوت (اخترعه هيرام بيرسي ماكسيم التابع لشركة كولومبيا في عام 1899، وهو الرجل نفسه الذي اخترع أول كاتمات صوت للأسلحة النارية العاملة). وكانت السيارات التي تعمل بالبنزين متسخة جدًا، وصوتها عالٍ، ويصعب تشغيلها.

قد يؤدي الخلل عند التدوير اليدوي بسهولة إلى كسر الذراع أو خلع الكتف، وحتى عندما تعمل محركات الاحتراق الداخلي المبكرة على نحو مثالي، فإن التدوير اليدوي يتطلب كميات هائلة من القوة والجهد للتغلب على القصور الذاتي للمكابس الهائلة والضغط العالي نسبيًا.

إلى جانب هاتين الآليتين للدفع غير المريحين والخطيرتين، كانت السيارات الكهربائية شائعة على نطاق واسع، فقد استفادوا من السمات نفسها، التي جعلتهم يتمتعون بشعبية هائلة عند ظهورهم مجددًا في الآونة الأخيرة: فلقد وعدوا بالتشغيل الذي لا يحتاج إلى الصيانة، والصامت، والنظيف، ومصدر الطاقة المضمون، الموثوق به بالكامل، الذي يتطلب القليل من الجهد لتشغيله.

كان الشحن واضحًا أيضًا على نحو مثير للدهشة، مع وجود محطات شحن منزلية متاحة للمالكين مع أماكن وقوف السيارات الخاصة بهم، أو ما يعرف بالمرائب الكهربائية، التي توفر محطات إعادة شحن واسعة للمالكين، الذين لا يتحملون نفقة وحدة شحن منزلية. وبحلول عام 1900، مع وجود 4192 مركبة مسجلة معروفة في شوارع أمريكا، كان أكثر من 1500 منها من أوائل السيارات الكهربائية، مقابل أقل من 1000 مركبة تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي.

ورغم أن هذه السوق الناشئة، كانت تشهد منافسة شرسة، وهنالك أكثر من 2000 شركة تصنع السيارات في أمريكا من عام 1900 إلى عام 1919، كانت كولومبيا اسمًا مسيطرًا في هذا السوق الناشئ. بدأت الشركة في الأصل عندما تحول مؤسسها، ألبرت بو، إلى إنتاج السيارات في أوائل تسعينيات القرن التاسع عشر، بعد أن جنى ثروته في تصنيع الدراجات بعد نهاية الحرب الأهلية، عندما بدأ الطلب على الدراجات بالانخفاض أخيرًا، وأصبحت السيارات أكثر شيوعًا، بنت شركته أول نموذج أولي للمركبة الكهربائية في عام 1896، وكانت تنتج نماذج استهلاكية صالحة للطرق بحلول منتصف مايو من عام 1897.

وسرعان ما تلاحقت الأوسمة، وبحلول عام 1900، سجلت كولومبيا الرقم القياسي لأبعد مدى حُقق على الإطلاق بسيارة كهربائية، إذ قادت 154 كم بشحنة واحدة باستخدام طراز Runabout المبكر، وبحلول عام 1902، أصبحت أول شركة مصنعة تقدم أكثر من 1000 سيارة في السنة، متفوقةً بذلك على أولدزموبيل في سجل المبيعات.

ولم تكتفِ بإنتاج وتسجيل الأرقام القياسية في السيارات الكهربائية، ففي عام 1904، سجلت سيارتها التي تعمل بالبنزين، التي تبلغ قوتها 30 حصانًا الرقم القياسي للقيادة من شيكاغو إلى نيويورك في غضون 58 ساعة و35 دقيقة، وهو تحسن اختصر 13 ساعة، وحطم السجل السابق بمتوسط سرعة 38 كم في الساعة.

إن لم تكن السرعة مثيرة للإعجاب بما فيه الكافية، فإن الأشخاص الذين اختاروا سيارات كولومبيا كانوا مثيرين للإعجاب، فمثلًا أصبح تيدي روزفلت أول رئيس له موكب سيارات عام 1902، وركب في كولومبيا، حتى الملكة فيكتوريا اشترت عربة فايتون لزوجة ابنها، ألكسندرا من الدنمارك، لكي تقودها بنفسها حول أراضي قصرها مترامي الأطراف، وهذا هو السبب في أنك لم تكن مخطئًا تمامًا إن ظننت أن سيارات كولومبيا ستهيمن على صناعة السيارات الأمريكية عقودًا قادمة.

لسوء الحظ، بدأت كولومبيا بمواجهة مشكلات مالية مع مرور عقد من الزمان، سببها سوء الإدارة وعدم القدرة على تحديث نماذجها بسرعة كافية للسوق المتغيرة والمتجددة بسرعة البرق الخاطف، وبحلول عام 1910، كانت الشركة قد وقعت في مشكلات قانونية من نوع الحراسة القضائية التي أنهت وجود الشركة، وبحلول عام 1913، تداعت الشركة القابضة، التي أعادت تنظيمها تحت اسم شركة الولايات المتحدة للسيارات، وهو تكتل كان من المفترض أن يهيمن على شركة جنرال موتورز، ولكنه تداعى تمامًا، ولم تصنع كولومبيا سيارة أخرى.

اقرأ أيضًا:

سيارة رينج روفر 2021: المواصفات والأسعار

تقنية جديدة تسمح بشحن سيارة كهربائية بالكامل خلال 10 دقائق فقط

ترجمة: مي مالك

تدقيق: محمد الشعراني

مراجعة: حسين جرود

المصدر