أمسى اختراع الذكاء الاصطناعي الفائق -منذ القرن التاسع عشر على الأقل- موضوعًا رئيسًا في مجال الخيال العلمي، فانطلاقًا من القصة القصيرة (The Machines Stop) للكاتب (E.M. Forster) في عام 1909 ووصولًأ إلى المسلسل الذي تم عرضه مؤخرًا على شبكة (HBO) بعنوان (Westworld)، مال الكُتَاب إلى تصوير هذه الإمكانيات على أنها كارثة غير محببة.

لكن لم تعد هذه المسألة مجرد خيال، إذ يشعر العلماء المعاصرون البارزون والمهندسون حاليًأ بالقلق من أن الذكاء الاصطناعي الفائق قد يتفوق على الذكاء البشري (الحدث الذي يعرف بالتفرد Singularity)، وأن يصبح هذا أسوأ خطأ للإنسانية.

تشير التوجهات الحالية إلى أننا بدأنا الدخول في سباق تسلح دولي لمثل هذه التكنولوجيا، فأول نجاح لشركة تكنولوجيا فائقة ما أو مختبر حكومي في اختراع أول ذكاء صنعي فائق سيحقق لصاحبه تكنولوجيا من المحتمل أنها ستهيمن على العالم، إنها جائزة على مبدأ (الرابح يأخذ كل شيء).

لذا، السؤال بالنسبة لأولئك الذين يرغبون بإيقاف حدث كهذا هو: كيف نعيق سباق تسلح من هذا النوع؟ أو على الأقل كيف نحفز الأطراف المتنافسة على عدم الاستعجال في الإنجاز على حساب السلامة للذكاء الاصطناعي.

أشار الفيلسوف Nick Bostrom وآخرون إلى أن الذكاء الاصطناعي الفائق يثير تحديين أساسيين لمخترعيه، التحدي الأول: مسألة التحكم والتي تعنى بكيفية التأكد من أن الذكاء الاصطناعي الفائق يمتلك نفس الأهداف التي تمتلكها البشرية؛ لأنه دون ذلك يمكن أن يدمر الذكاء الاصطناعي البشرية عمدًا أو عن غير قصد أو نتيجة الإهمال – (كارثة ذكاء اصطناعي).

التحدي الثاني: مسألة سياسية وهي كيف نضمن ألّا تنحصر فوائد هذا الذكاء الفائق في نخبة مجتمعية صغيرة فقط، مسببةً تفاوتًا هائلًا في المكانة الاجتماعية والثروة.

كيف تستطيع الحكومات الحد من تطور الذكاء الاصطناعي الفائق العدواني الخيال العلمي ثورة الروبوتات على البشر تطور تقنيات الذكاء الصنعي

إذا بدأ سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي الفائق، قد يدفع ذلك الأطراف المتنافسة إلى تجاهل هاتين المسألتين في سبيل تطوير تقنياتهم بسرعة أكبر؛ ما قد يفضي بدوره إلى تقنيات ذكاء اصطناعي فائق رديئة الجودة أو ربما عدائية.

أحد الحلول المقترحة هو استخدام سياسة عامة تزيد صعوبة الدخول في هذا السباق بهدف تقليل عدد الأطراف المتنافسة، وبالتالي رفع كفاءة أولئك الذين سيدخلون. وكلما قل عدد المتنافسين سيخف الضغط الذي يدفعهم لاستعجال الإنجاز في سبيل الفوز.

لكن كيف يمكن للحكومات أن تقلل المنافسة في هذا الصدد؟

نشر WIM NAUDé وزميله Nicola Dimitri ورقة لمحاولة إجابة هذا السؤال. أشارا بدايةً إلى أنه في سباق (الرابح يأخذ كل شيء) النموذجي المشابه لسباق إنشاء أول جهاز ذكاء اصطناعي فائق ستشارك الفرق الأكثر تنافسية فقط؛ وذلك لأنه في احتمال اختراع الذكاء الاصطناعي الفائق حقاً هو احتمال ضئيل جدَا، كما أن الدخول في السباق مكلف جدًا وذلك بسبب الحاجة لاستثمارات كبيرة في البحث والتطوير.

في الواقع يبدو أن هذه هي الحالة الراهنة في ظل التطوير لذكاء اصطناعي ضيق – أبسط من ذاك الفائق. تهيمن بضع شركات على براءات الاختراع لمثل هذا النوع من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتُجرى الغالبية العظمى لأبحاث الذكاء الاصطناعي في ثلاث مناطق فقط: الولايات المتحدة الأمريكية والصين وأوروبا. كما يبدو أيضًا أن قليلًا جدًا من المجموعات (هذا إن وُجدت) تستثمر حاليًا في بناء الذكاء الاصطناعي الفائق.

هذا يشير إلى أن تقليل عدد الفرق المتنافسة ليس الأولوية الأعلى في الوقت الحالي، فحتى مع وجود عدد أقل من المتنافسين في هذا السباق، ما تزال حدة المنافسة تؤدي للمشكلات المذكورة أعلاه. فلتقليل حدة المنافسة بين المجموعات التي تسعى جاهدةً لبناء ذكاء اصطناعي فائق ورفع قدراتها، يمكن أن تلجأ الحكومات إلى عمليات الشراء العامة والضرائب.

تشير عمليات الشراء العامة (الحكومية) إلى جميع الأشياء التي تدفع الحكومات مالًا للشركات الخاصة مقابل توفيرها، بدءًا من البرمجيات المستخدمة في الوكالات الحكومية وصولًا إلى العقود التي تستخدم في إدارة الخدمات. يمكن للحكومات أن تفرض قيودًا على أي مورد للذكاء الاصطناعي الفائق تضطرهم إلى معالجة المشكلات المحتملة، ودعم التقنيات المكملة لتحسين الذكاء البشري وتحقيق التكامل بينه وبين الذكاء الاصطناعي.

كما قد تقبل الحكومات شراء ثاني أفضل إصدار من الذكاء الاصطناعي الفائق محدثةً بذلك وبشكل فعال جائزة للمستوى الثاني (second prize) في سباق التسلح، ليوقف هذا مبدأ (الرابح يأخذ كل شيء) في هذه المنافسة.

بوجود جائزة متوسطة -التي قد تكافئ اختراع شيء يكون قريبًا إلى حد ما من الذكاء الاصطناعي الفائق. ستمتلك الفرق المتنافسة دافعًا للاستثمار والتعاون بشكل أكبر، ما يقلل بدوره حدة المنافسة. وقد تقلل الجائزة الثانية أيضًا من خطر الفشل وتبرر المزيد من الاستثمار ما يساعد على رفع كفاءات الفرق المتنافسة.
أما بالنسبة للضرائب، يمكن أن تحدد الحكومات نسبة الضريبة على الفريق الذي يخترع الذكاء الاصطناعي الفائق وفقًا إلى مدى ودية أو عدائية هذا الاختراع. ارتفاع نسبة الضريبة إلى حد كبير هنا سيعني بشكل أساسي تأميم الذكاء الاصطناعي الفائق؛ ما يثني الشركات عن استعجال الإنجاز خوفًا من فقدان منتجاتها لصالح الحكومة.

سلعة عامة لا احتكارًا خاصًا

ربما تتطلب هذه الفكرة تنسيقًا دوليًا أفضل لنظام الضرائب ولوائح تنظيم للذكاء الاصطناعي الفائق، لكن ذلك لا يتطلب إشراك جميع الحكومات، فنظريًا يمكن لبلد وحيد أو منطقة معينة (مثل الاتحاد الأوروبي) أن تتحمل التكاليف والجهود المعنية بمعالجة مشاكل وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي الفائق، وأن تستفيد (في الوقت نفسه) جميع الدول، وبالتالي يصبح الذكاء الاصطناعي الفائق سلعة عامة عوضًا عن كونه احتكارًا خاصًا لا يمكن إيقافه.

بالطبع يتوقف الأمر على كون الذكاء الاصطناعي الفائق يشكل تهديدًا للبشرية، إلا أن بعض العلماء لا يعتقدون بأن هذا سيحدث، ومع الوقت من الممكن اعتماد الهندسة التي تبعدنا عن مخاطر الذكاء الاصطناعي الفائق، ويعتقد البعض أن البشر قد يندمجون معه.

بمطلق الأحوال، التيقن من الحصول على أفضل ما يمكن الحصول عليه من الذكاء الاصطناعي الفائق -تلك التقنية التي ما زالت في مهدها- سيعود بنفع كبير على كوكبنا بما حوى، ولذلك نحتاج إلى فهم أفضل للدور الذي يمكن أن تؤديه الحكومة في هذا الصدد.

اقرأ أيضًا:

علماء من معهد ماساتشوستس يبرمجون أول ذكاء صناعي سايكوباثي في العالم

وكالة المخابرات الأمريكية تطور نظام أقمار صناعية تجسسية يعمل بالذكاء الاصطناعي

ترجمة: م. دلال الشماع

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر