لأول مرة، اكتشف العلماء عنصرًا ثقيلًا حديث الولادة في الفضاء تشكّل في بقايا تصادم بين زوج من النجوم الميتة التي تُعرف باسم النجوم النيوترونية Neutron Stars. قال باحثون في دراسة جديدة تصف الاكتشاف إن النتائج تسلط الضوء على كيفية تكوين أثقل عناصر الكون، موفرًا الجزء المفقود من أحجية تكوين العناصر الكيميائية.

أكدت النتائج أيضًا أن النجوم النيوترونية تحتوي على النيوترونات، كما صرح مؤلف الدراسة داراش واتسون Darach Watson، عالم الفيزياء الفلكية في معهد نيلز بور بجامعة كوبنهاغن: «يبدو هذا غامضًا حقًا لكنه شيء لم نكن نعرفه بالتأكيد، الآن كل شيء وجدناه يشير إلى وجود عناصر تشكلت بوجود الكثير من النيوترونات فقط».

العناصر في الكون المبكر

تشكّلت العناصر الثلاثة الأخف وزنًا في الكون -الهيدروجين والهيليوم والليثيوم- في لحظات مبكرة من الكون بعد الانفجار العظيم. معظم العناصر الأثقل من الليثيوم وصولًا إلى الحديد في الجدول الدوري، تشكّلت بعد مليارات السنين في مراكز النجوم.

ولكن كيف تكونت العناصر الأثقل من الحديد مثل الذهب واليورانيوم؟

قدّم بحث سابق فكرة مقترحة: لكي تنمو الذرات إلى أحجام ضخمة، فإنها تحتاج إلى امتصاص النيوترونات بسرعة. يحدث هذا الالتقاط السريع للنيوترونات والمعروف باسم «عملية التقاط النيوترون السريعة r-process» لفترة قصيرة فقط في البيئات القاسية حيث تُقصف الذرات بأعداد كبيرة من النيوترونات.

اقترح البحث السابق أن أحد المصادر المحتملة للعناصر الثقيلة الناتجة عن «عملية التقاط النيوترون السريعة» يمكن أن يكون هو البقايا الهائلة لعمليات الاندماج بين النجوم النيوترونية، والتي هي النوى الفائقة الكثافة للنجوم بعد الوفيات النجمية المتفجرة العنيفة المعروفة باسم المستعرات العظمى Supernovas.

اسم النجوم النيوترونية مُستوحى من مدى قوة سحب الجاذبية فيها بدرجة كافية لسحق البروتونات والإلكترونات معًا لتشكيل النيوترونات.

اندماج النجوم النيوترونية

في عام 2017، شهد علماء الفلك لأول مرة اندماج زوج من النجوم النيوترونية. اكتشف العلماء ذلك من خلال الكشف عن موجات الجاذبية أو تموجات في نسيج الزمكان، التي نشأت من تصادم وقع على مسافة 130 مليون سنة ضوئية تقريبًا عن الأرض. بعد اكتشاف هذا الاندماج الذي يطلق عليه اسم GW170817، واصل العلماء أخذ ملاحظات تلسكوبية من الأرض.

وقال واتسون: «كان هذا الانفجار يسير بسرعة 30% من سرعة الضوء، لذا فقد توسع حجمه من حوالي 100 كيلومتر إلى حجم النظام الشمسي في يوم واحد».

كيف تشكلت العناصر الثقيلة في الكون؟ - كيف اكتشف العلماء عنصر السترونتيوم في بقايا تصادم نجم ميت - ما هي النجوم النيوترونية وما مكوناتها

توقع واتسون وزملاؤه أنه إذا تشكلت العناصر الأثقل أثناء الاندماج GW170817، فقد تُكتشف بصمات هذه العناصر في بقايا الانفجار لعملية الاندماج المعروف باسم مستعر ماكرو Kilonova.

ركّز فريق واتسون على الأطوال الموجية للضوء، أو الخطوط الطيفية التي ربطها العلماء بعناصر محددة من خلال التحليل الطيفي.

اقترح العمل السابق وجود عناصر ثقيلة داخل مستعر ماكرو ولكن حتى الآن لم يتمكن علماء الفلك من تحديد العناصر الفردية في بقايا المستعر. وذلك بسبب كون العناصر الأثقل يمكن أن تنتج مزيجًا من عشرات الملايين من الخطوط الطيفية. لم نتمكن أبدا من تمييز عنصر من عنصر آخر.

مع ذلك من خلال إعادة تحليل البيانات لاندماج 2017، حدد واتسون وزملاؤه الآن بصمة العنصر الثقيل وهو السترونتيوم Strontium داخل كرة النار.

يوجد السترونتيوم على الأرض بشكل طبيعي في التربة ويتركز في بعض المواد المعدنية. تساعد مركبات السترونتيوم في إعطاء الألعاب النارية لونًا أحمر لامعًا.

مفتاح السترونتيوم

كان المفتاح وراء نجاح هذا الفريق البحثي هو التركيب الذري للسترونتيوم، وهو أمر بسيط نسبيًا لمثل هذا العنصر الثقيل. بسبب بنيته يُنتج السترونتيوم المشحون كهربائيًا خطين طيفيين قويين في الضوء الأزرق والأشعة تحت الحمراء. يقول واتسون: «حقيقة أننا نستطيع اكتشاف أي عنصر في هذا الانفجار المشع هو أمر مفاجئ للغاية».

كان هذا الاكتشاف مفاجئًا، على الرغم من كون السترونتيوم عنصرًا ثقيلًا، فهو يُعد أيضًا أحد أخف عناصر «عملية التقاط النيوترون السريعة». توقع العلماء في بحث سابق أن يجدوا عناصر ثقيلة، أو عناصر أثقل لعملية التقاط النيوترون السريعة عند النظر إلى مستعر ماكرو، كما قال واتسون.

وقد يكون المفتاح وراء هذا الاكتشاف المفاجئ مرتبطًا بجسيمات شبحية تُعرف باسم النيوترينوات والتي تنفذ عادةً من خلال المواد الاعتيادية ولكنها قد تصطدم أحيانًا بالبروتونات أو النيوترونات.

يقول واتسون: «من أجل تكوين عنصر ثقيل خفيف نسبيًا مثل السترونتيوم، تحتاج إلى تدمير بعض النيوترونات أولاً – تحتاج إلى قصفها بالنيوترينوات بما يكفي لجعلها تتحلل بسرعة أكبر إلى البروتونات والإلكترونات. هذا يخبرنا أكثر حول ما يحدث داخل النجوم النيوترونية وما يحدث خلال عمليات الاندماج هذه».

الآن قد يكون هناك تحدٍ صعب على العلماء لاكتشاف العناصر الثقيلة الأخرى من اصطدام النجوم النيوترونية، إذ لا توجد بيانات كافية عن الهياكل الذرية للعناصر الثقيلة، بالنظر إلى طبيعتها المعقدة، على حد تعبير واتسون، ومع ذلك فخلال السنوات القليلة المقبلة يأمل هو وزملاؤه في جمع البيانات التي قد تساعدهم في اكتشاف العناصر الثقيلة الأخرى داخل مستعر ماكرو.

اقرأ أيضًا:

كيف تكوّنت العناصر الكيميائية في الكون بعد الإنفجار العظيم؟

كيف نشأت العناصر – تخليق العناصر

ترجمة: سرمد يحيى

تدقيق: علي قاسم

المصدر