إليك كيفية معرفة ما تثق به.

تقول ميرلين كروسلي: «هذه المجلات ليست مثالية، لكنها أفضل ما لدينا».

قد يظن البعض أن أي مقالة منشورة في جريدة علمية مُراجعة من الأقران “peer reviewed”، هي مقالة علمية على درجة عالية من الثقة والدقة.

لكن أي عالم محترف سوف يخبرك أن مجرد نشر المقالة في مجلة علمية “peer reviewed” هو خطوة ضمن طريق طويل لاعتبار المقالة مكتملة المواصفات العلمية.

لمعرفة ما هو العلم الذي يجب أن تثق به حقًا، عليك أن تدرس المؤشرات الدقيقة التي يراها العلماء وهي كالتالي:

مكانة المجلة العلمية التي نشرت هذه المقالة:

تعتبر بعض المجلات العلمية التي تصدر دوريًا أفضل من غيرها.

أحد أهم وأبسط عوامل تصنيف المجلة هو عامل التأثير “impact factor” (الذي يعكس عدد أوراق الاستشهادات والاقتباسات “citation” في المجلة).

في الحقيقة، يعلم كل باحث ترتيب المجلات العلمية المختصة بمجاله.

عند اختيار مكان النشر، يقوم كل عالم بإصدار حكمه الخاص حول مدى إثارة نتائج دراسته الجديدة وموثوقيتها.

يرفق الباحثون أحيانًا ورقتهم البحثية مع ورقة أخرى تتحدث عن الباحث نفسه فيها نبذة مختصرة عن شهاداته العلمية، أوراقه البحثية المنشورة سابقًا، وعن أهمية الورقة العلمية المرفقة، وتسمى هذه الورقة “cover letter” باللغة الإنجليزية، ويهدف الباحث عادةً إلى الحصول على مجلة ذات عامل تأثير عالٍ.

إذا قبلت الورقة البحثية في مجلة مرموقة كان الباحث سعيدًا.

إذا لم يكن الأمر كذلك، فسيتم إعادة تقديمها إلى مجلة ذات عامل تأثير أدنى، تكون عادةً أكثر تخصصًا.

هذا يهدر الوقت والجهد، ولكن هو واقع الحياة في العلم.

لا يحب المحررون أو المؤلفون نشر معلومات خاطئة، ذلك بالتأكيد يُسيء كثيرًا لسمعة مجلتهم.

لذلك، يتم تعيين ثلاثة أو أربعة من الباحثين النظراء (خبراء في نفس المجال) لمراجعة الورقة العلمية المرسلة والتأكد من خلوها من الأخطاء العلمية.

في وقت تقديمه للورقة البحثية، قد يقترح الباحث نفسه أسماء زملاء موثوقين من قبل المجلة، ذوي خبرة في نفس المجال لمراجعة مقالته لكن المحرر سيقوم باختياره النهائي، بناءً على فهمه للميدان وكذلك حول مدى سرعة استجابة المراجعين للمهمة في بعض الأحيان.

عادةً لا يتم الإعلان عن هوية المراجعين الذين تستعين بهم المجلة؛ ذلك يمكّنهم من التعليق بحرية (ولكن في بعض الأحيان يجعل تعليقاتهم قاسية بعض الشيء).

سيكرر المراجعون النظراء مهمة المحرر، ويقدمون المشورة بشأن ما إذا كانت الورقة البحثية ذات أهمية كافية ليتم نشرها في المجلة. والأهم من ذلك، أنهم سيقيمون أيضًا متانة الاستنتاجات العلمية التي تتضمنها الورقة وما إذا كانت الاستنتاجات الموجودة تدعمها الأدلة حقًا.

“مراجعة الأقران”، هي خطوة مهمة جدًا في الممارسة العملية.

على الرغم من ذلك، لا يزال مستوى التدقيق متصلًا بمكانة المجلة.

إذا كان يجري النظر في العمل لمجلة ذات عامل تأثير عالٍ، سيكون التدقيق شديدًا.

ونادرًا ما تقبل الصحف الكبرى الأوراق العلمية إلا إذا اعتبرت أنها مثيرة للاهتمام؛ ليس لوقت قصير بل لسنوات طويلة.

من ناحية أخرى، إذا كان العمل في مجلة أقل شهرةً ذات عامل تأثير منخفض؛ سيكون المراجعون أكثر تسامحًا في بعض الأحيان.

وما زالوا يتوقعون دقةً علميةً، لكن من المرجح أن يقبلوا بعض البيانات على أنها غير حاسمة، شريطة أن يشير الباحث إلى القيود المفروضة على عمله.

لذلك، كلما قرأ أحد المختصين ورقةً علميةً فأول ما سيلاحظه هو المجلة التي نشرت هذه الورقة.

نوعان من المجلات العلمية:

معظم المجلات موثوق بها.

ولكن هناك نوعان من المجلات:

  1. دوريات محترمة تنشر نتائج مراجعة النظراء، ولكنها ذات فائدة محدودة؛ لأن الأبحاث المنشورة بها تعالج مسائل متخصصةً جدًا أو لأن نتائج هذه الأبحاث محدودة الأهمية.
  2. ما يسمى ب “predatory journals” أو ما يمكن ترجمته : “المجلات المفترسة”. في هذه المجلات، تكون عملية مراجعة النظراء إما سطحية أو غير موجودة وقد تجبر هذه المجلات الباحثين على دفع مبالغ مالية مقابل نشر أبحاثهم.

سيميز العلماء المحترفون بين هذين النوعين من المجلات من خلال دار النشر أو من اسم المجلة.

تعد المكتبة العامة للعلوم Public Library of Science (PLOS) ناشرًا يتمتع بسمعة طيبة، وتقدم شركة PLOS ONE للعلوم الموثوقة، حتى لو كانت تجذب الجمهور المحدود من ذوي الخبرة في مجال معين. كما أطلقت شركة “Springer Nature” مجلةً مشابهةً تسمى: “Scientific Report”..

ومن بين المجلات الجيدة الأخرى ذات عامل التأثير الأقل، المجلات العلمية التابعة للمجتمعات الأكاديمية المتخصصة في البلدان ذات عدد السكان الأصغر. هذه المجلات لن تصل أبدًا إلى جمهور كبير ولكن قد يكون العمل موثوقًا وذي جودة علمية عالية.

من جهة أخرى، غالبًا ما تكون المجلات المفترسة واسعة النطاق، وفي بعض الأحيان قد يحمل اسم المجلة كلمة “عالمية” أو “دولية” أو ما شابه.

إنهم يسعون لحصاد أعداد كبيرة من الأوراق لتعظيم الأرباح.

لذا يجب التعامل مع أسماء مثل “المجلة الدولية للعلوم” بحذر، في حين أن “مجلة جمعية النحل الأسترالية” قد تكون موثوقة (ملاحظة: لقد اخترعت هذه الأسماء فقط لتوضيح هذه النقطة).

قيمة المجلة مقابل قيمة الورقة نفسها:

لقد أصبحت مسألة استخدام عامل التأثير كعامل وحيد لتقييم جودة الأوراق البحثية مثيرةً للجدل؛ لأنه تم استخدامها بشكل مفرط لتقييم جودة الأوراق البحثية، وإذا تذكرنا تعريف عامل التأثير الوارد أعلاه؛ فإنه لا يعكس سوى الاهتمام الذي تجتذبه المجلة، وقد يعتمد على عدد قليل من الأبحاث التي تنتشر على نطاق واسع، ويتراكم الاستشهاد بها والأخذ بها كمرجع.

بالإضافة إلى ذلك، في حين أن الأبحاث في المجلات ذات التأثير الأعلى قد تكون خضعت لمزيد من التدقيق، هناك المزيد من الضغط على المحررين وعلى مؤلفي هذه المجلات الكبرى، وهذا يعني أنهم قد يفتشون عن طرق مختصرة في كثير من الأحيان، وبالتالي تصبح المجلة أقل موثوقيةً، ما تقتضيه سمعتها، وهذا ما يعرض المجلة إلى كثير من الانتقاد في بعض الأحيان.

لا شيء مثالي:

حتى لو تم كل شيء بشكل صحيح، فإن مراجعة النظراء ليست معصومةً عن الخطأ.

إذا قام المؤلفون بتزوير بياناتهم بذكاء شديد، على سبيل المثال، فقد يكون من الصعب اكتشافها.

غير أن البيانات المزيفة المنشورة في المجلات العليا نادرة نسبيًا. ليس لأن العلماء قديسون، ولكن من الغباء والحمق أن يقوموا بتزييف البيانات.

إذا كانت النتائج مهمةً، سيحاول الآخرون بسرعة إعادة إنتاجها والبناء عليها.

إذا تم نشر نتيجة وهمية في مجلة عليا فمن شبه المؤكد أن يتم اكتشافها. هذا يحدث من وقت لآخر، وهو دائما فضيحة.

أخطاء السهو والارتباك هي الأكثر شيوعًا.

قد يكون هذا مرتبطًا بالإلحاح المتزايد والضغط من قبل بعض الباحثين لنشر أبحاثهم، وحاجة المجلات المرموقة لفريق كبير من المراجعين لدراسة المقالة العلمية من جوانب مختلفة إذ لا يمكن لأحد أن يكون خبيرًا في كل العلوم.

مرةً أخرى، ومع ذلك، سوف تبقى أخطاء بسيطة فقط. سيتم التقاط الأخطاء الأكثر أهميةً بسرعة.

هل يمكنك الوثوق في الصرح الذي هو العلم الحديث؟

إذن، يمكن للمرء أن يشعر بمدى جودة وصلابة مقالة علمية ما من خلال سمعة مؤلف أو مؤلفي المقالة، ومكانة المجلة التي نشرتها، وأيضًا سمعة المراجعين النظراء إذا نشرت المجلة أسماءهم.

لذا فأنا أثق في مزيج نظام مراجعة الأقران والحقيقة المتأصلة في أن العلم مبني على الأسس السابقة.

كما يثلج صدري إعطاء فرص جديدة لأنظمة أفضل وأسرع تنشأ نتيجة التقدم في تكنولوجيا المعلومات.

وتشمل هذه الفرص نماذج لمراجعة النظراء بعد النشر، بدلًا من المراجعة قبل النشر المعتمدة حاليًا.

ربما يخلق هذا طريقة لتنظيم المناقشات حول جودة ومصداقية ورقة بحثية معينة، تلك المناقشات التي قد تحدث على تويتر، وتثير الشكوك حول هذه الورقة البحثية.

تتحول مجلة eLife إلى مجلة “peer reviewed” على هذا النحو. إنها تنشر كل ورقة بحثية تراها ذات أهمية كافية، ثم تسمح للمؤلفين بمناقشة النقاط التي تثار في مراجعة الأقران بعد قبول المخطوطة. يمكن للمؤلفين حتى أن يختاروا الامتناع عن المضي قدمًا في هذه المناقشة إذا اعتقد الأقران أن عملهم يحتوي عيوبًا.

تمتلك ELife أيضًا نظامًا يجتمع فيه المراجعون ويقدمون مراجعةً واحدةً معدلةً، يتم إلحاق أسمائهم بها ونشرها.

إن الكشف عن هوية المراجعين بهذه الطريقة يمنع المعاملة القاسية للغاية التي قد يواجهها الباحث إذا لم يتم نشر أسماء المراجعين.


  • ترجمة: أسامة أبو إبراهيم
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: كنان مرعي
  • المصدر