عندما اضطر ستيفن كالاهان إلى الخروج من سباق الإبحار عام 1982 نتيجة الضرر في مقدمة السفينة. أرسى السفينة للصيانة، وتوجه بمفرده مرة أخرى إلى المحيط الأطلسي، بعد ساعات حطم حوت سفينته. استبدل قاربًا بالسفينة الغارقة على بعد 724 كيلومتر غرب جزر الكناري.

نجا كالاهان بعد شهرين ونصف أمضاها في البحر ضائعًا، لكن ليس كليًّا. في غضون 77 يومًا قبل أن يجده قارب صيد بالقرب من جزر الكاريبي، تتبع تحركاته وموقعه باستخدام السماء، وثلاثة أقلام رصاص مربوطة ببعضها، تعقب مساره على مدى 2897 كيلومتر ولم يخطئ إلا بدرجة واحدة.

هذا ما يفعله البحارة دائمًا. تتطلب الملاحة معالم. في البحر، المعالم هي السماء والشمس والقمر والكواكب والنجوم. قبل أنظمة تحديد المواقع، حتى قبل البوصلة وآلة السدس، وجد من جازفوا عبر المحيطات طريقهم بالنظر إلى الأعلى.

يستخدمون النجوم في الليل غالبًا، نجوم فردية ومجموعات نجوم أكبر مع مواقع معروفة في السماء متعلقة ببعضها. تعقب البحارة وغيرهم من الملاحين النجوم بدافع الضرورة. بدأ علماء الفلك القدماء رسم خرائطهم قبل 5000 سنة.

إذا كنت تعرف ما تبحث عنه في ليلة صافية، فإن الملاحة بواسطة النجوم واضحة جدًا في الواقع. النجوم معالم ملاحية لأنها ثوابت. إنها تتحرك مع دوران الأرض، لكن مواقعها الفعلية واتجاهاتها مقارنةً ببعضها لا تتغير. لذا إذا كنت تستطيع رؤيتها، فيمكنك تحديد الطريق. كل ما تحتاج إليه هو عينيك وعقلك وجسدك للحصول على قراءة دقيقة جدًا عن مكانك ووجهتك.

أدوات مثل البوصلة وآلة السدس والخرائط تجعل الأمر أسهل وأدق، ونظام تحديد المواقع لا يحتاج إلى إعمال العقل. لماذا نهتم إذن بتعلم النهج الطبيعي؟

لأن البوصلات تنكسر، والخرائط تضيع، ونظام تحديد المواقع يتعطل أو يعطي نتائج خاطئة. أما الكون فهو شفرة عظيمة غامضة يمكنك حل أصغر جزء منها بمعرفة النجوم. لذا، إذا كنت في الصحراء ولا شيء حولك سوى رمال وسماء، فعليك التحرك عند حلول الليل. وأن تنظر إلى أعلى.

لإيجاد الشمال: ابدأ بالدب الأكبر

بافتراض أن هذه الصحراء المجهولة في نصف الكرة الشمالي، تستطيع الاهتداء بواسطة نجم الشمال. وجود ضوء ساطع ثابت يقع باتجاه الشمال الحقيقي هو مصدر كاف.

يقع نجم الشمال أو النجم القطبي فوق القطب الشمالي، وهو نقطة ثابتة. لا يتغير الموقع الظاهري لنجم الشمال، إذ يتوافق بدقة مع محور دوران الأرض على عكس النجوم الأخرى في السماء. فور أن تجد نجم الشمال -من السهل جدًا إيجاده- تحتاج فقط إلى رسم خط مباشر نحو الأفق لإيجاد الشمال الحقيقي.

تشير المجموعات ذات النجمتين إلى الطريق إلى نجم الشمال، الدب الأكبر، أو المحراث، وكاسيوبيا (ذات الكرسي). تُعد المجموعات النجمية مؤشرات موثوقة في أي وقت من الليل في معظم أنحاء نصف الكرة الأرضية الشمالي.

يقع نجم الشمال في المركز بين هذه المجموعات النجمية. الدب الأكبر هو الأسهل، بسبب تناسق نجومه.

يتألف الدب الأكبر من سبعة نجوم ساطعة على شكل ملعقة. الأهم النجمان اللذان يرسمان الحافة الخارجية للملعقة، الأبعد عن طرف المقبض. هذه هي النجوم الدليلية: إذا رسمت خطًا وهميًا من نجم الحافة السفلية إلى نجم الحافة العلوية ومدّدت الخط خمسة أضعاف المسافة بين النجوم الدليلية، فإنك تصل مباشرة إلى نجم الشمال الساطع المميز.

تقع كوكبة ذات الكرسي على الجانب الآخر من نجم الشمال، تشير نجومها الخمسة إلى النقاط الخمس للحرف W، نجم الوسط هو الدليل. إذا رسمت خطًا من ذلك النجم في اتجاه النقاط العليا للحرف W، بزاوية 90 درجة من كل نقطة من النقاط السفلية، فإن أول نجم ساطع يلامس خطك هو النجم القطبي.

فور تحديده، فأنت تعرف الشمال، ومن ثم سائر الاتجاهات. استدر 90 درجة في اتجاه عقارب الساعة لتتجه شرقًا، و90 درجة أخرى لتتجه جنوبًا، و90 درجة لتتجه غربًا.

يجعل موقع نجم الشمال فوق الشمال الحقيقي تحديد الاتجاهات أمرًا بسيطًا إلى حد ما، لكن معرفة الاتجاه ليست كافية لتبلغ وجهتك. عليك أن تعرف طريق العودة. إذا غرق قارب، مثلًا، وأقرب أرض تقع على بُعد بضع مئات الكيلومترات شرقًا، فيمكنك توجيه الطوف شرقًا.

لكن ماذا لو كنت في نصف الكرة الجنوبي؟ لا يوجد «نجم جنوبي»، لكن هناك شيء مشابه.

لإيجاد الجنوب: ابدأ بكوكبة الصليب الجنوبي

لا يمكنك رؤية الدب الكبير ونجم الشمال في نصف الكرة الجنوبي.

للعثور على الجنوب، ابحث عن كوكبة الصليب الجنوبي، الكروكس. يبين الكروكس واثنين من النجوم القريبة جهة الجنوب عمومًا.

الصليب الجنوبي هو مجموعة من خمسة نجوم في درب التبانة، تأخذ شكل الصليب. يتميز الصليب عن المجموعات النجمية الأخرى بواسطة النجوم الدليلية، ألمع النجوم في كوكبة قنطورس القريبة. إذا وجدت صليبًا محتملًا، تفحص محيطه مباشرة بحثًا عن نجمين ساطعين للغاية. يتقاطع خط وهمي يربط بين النجوم الدليلية والصليب الجنوبي مع النجم العلوي للصليب.

فور رؤية الصليب، ارسم خطًا وهميًا عموديًا، وتجاهل الخط الوهمي المار بين النجوم الدليلية، وارسم خطًا آخر، هذه المرة يمر بين النجوم الدليلية بزاوية 90 درجة لكل منهما. واصل الرسم حتى يتقاطع مع الخط العمودي السابق. نقطة التقاطع هي تقدير جيد للسماء فوق القطب الجنوبي، أو جهة الجنوب الصحيحة.

تحديد الاتجاه عامل رئيسي في الملاحة، لكن تحديد النجوم فوق الشمال والجنوب الحقيقي يخدم غرضًا آخر، فهو مهم لمن ضل طريقه تمامًا.

لإيجاد خط العرض: استخدم يديك

يمكن استخدام كل من المواقع القطبية -أو القريبة من القطبية في الجنوب- للعثور على خط العرض، الذي يشير إلى المسافة إلى الشمال أو الجنوب من خط الاستواء، بين الشرق والغرب. يُقاس خط العرض بالدرجات، إذ تمثل 360 درجة الأرض بأكملها.

إضافةً إلى خط الطول، الذي يقيس المسافة بين الشرق والغرب من خط الطول الرئيسي (شمال-جنوب)، يخبرك خط العرض أين أنت على كوكب الأرض، وإن كان كل ما تراه صحراء رملية.

لتحديد خط العرض، تحتاج إلى رؤية شيئين آخرين في الواقع، هما النجم القطبي والأفق. للأسف، يمكن رؤية الاثنين معًا مرتين فقط خلال اليوم، اللحظة التي تسبق غروب الشمس واللحظة التي تسبق شروق الشمس، أي الشفق.

لتحديد خط العرض خلال مدة قصيرة للشفق، تحتاج إلى إيجاد زاوية ارتفاع نجم قطبي. يتطلب هذا الحساب إيجاد ثلاث نقاط مرجعية: نجم قطبي، والأفق، وأنت. فور تحديد النقاط الثلاث، ارسم خطين، أحدهما بينك وبين النجم، والآخر بينك وبين الأفق. الزاوية عند تقاطع الخطين هي خط العرض الخاص بك.

في القطب الشمالي، حيث نجم الشمال فوقك مباشرة، خط العرض 90 درجة شمالًا، ويقع 90 درجة جنوبًا في القطب الجنوبي، وعند خط الاستواء، حيث تكون النجوم القطبية في الأفق، يكون خط العرض 0 درجة.

تجعل الأدوات اليدوية الحساب أسهل وأدق. آلة السدس هي الاختراع الأشهر في القرن 17، تستخدم المرايا وذراع متحرك لصف أي جسمين وتحديد الزاوية بينهما.

مع ذلك، يمكنك تحديد الاتجاه حتى من دون أي أدوات.

ابحث عن النجم القطبي أو نجم الشمال، والأفق عند الشفق، وارسم خطًا وهميًا يربط بينهما. مد ذراعك نحو الأفق واقبض يدك.

يجب أن تكون مفاصل أصابعك نحو الخارج، ثم احسب عدد قبضات يدك اللازمة للانتقال من الأفق إلى نجم الشمال. يبلغ طول كل قبضة نحو 10 درجات. بفرض أن الأمر يتطلب 3 قبضات، فإن خط العرض نحو 30 درجة شمالًا.

هنا أنت بحاجة إلى معرفة خط الطول أيضًا لتحدد موقعك بدقة.

اقرأ أيضًا:

بولاريس او نجم الشمال حقائق و معلومات رائعة

كيف يحسب العلماء عمر النجوم؟

ترجمة: عمرو أحمد حمدان

تدقيق: روان أحمد أبوزيد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر