رغم إغلاق الألعاب الأولمبية بالنسبة لمعظم المشاهدين بسبب كوفيد-19، فقد كانت أعين العالم تتابع الرياضيين بفضل عشرات الكاميرات التي تسجل كل قفزة وغوص وشقلبة. من بين جميع معدات البث، قد يلاحظ المتنافسون في سباقات المضمار والميدان وجود خمس كاميرات إضافية، وهي الخطوة الأولى نحو نظام تتبع مفصّل ثلاثي الأبعاد يمد المشاهدين برؤية شبه لحظية لكل خطوة من سباق أو تسليم عصا.

إن التتبع مجرّد بداية، فالتكنولوجيا المعروضة في طوكيو تقترح أن مستقبل تدريب نخبة الرياضيين لا يكمن في مجرد جمع معلومات عن الجسم البشري فقط، وإنما بتوظيف تلك المعلومات لصنع نماذج رقمية مماثلة له. يمكن أن تختبر تلك النماذج يومًا ما سيناريوهات افتراضية لمساعدة الرياضيين في تحديد الخيارات التي تؤدي إلى نتائج أفضل.

يزود البرنامج المستخدم في طوكيو -وهو منتج يسمى 3DAT من صنع شركة إنتل- السحابة بتسجيل مباشر. داخل السحابة، يستخدم برنامج الذكاء الاصطناعي التعلم العميق لتحليل حركة الرياضي ويتعرف على خصائص الأداء الرئيسية مثل السرعة القصوى والتباطؤ. يشارك النظام تلك المعلومات مع مراجعين بعرض تمثيلات مصورة للحركة مسلطًا الضوء على اللحظات الرئيسية. تستغرق العملية بأكملها من التقاط التسجيل إلى بث التحليل، أقل من ثلاثين ثانية.

أظهر الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال خلال بث هيئة الإذاعة الوطنية لمنافسات المئة متر في مدينة يوجين الواقعة في ولاية أوريجون كيف وصلت شاكاري ريتشاردسون لسرعة 24.1 ميلًا في الساعة في ذروتها وأبطئت لسرعة 20.0 ميلًا في الساعة عند وصولها إلى خط النهاية. كان ذلك كافيًا للفوز بالسباق، وصل وصيف ريتشاردسون لسرعة عظمى قدرها 23.2 ميلًا في الساعة وأبطأ لسرعة 20.4 عند خط النهاية.

يقول جوناثان لي، مدير تكنولوجيا الأداء الرياضي في مجموعة تكنولوجيا الأولمبياد لدى شركة إنتل: «يشبه الأمر وجود معلّقٍ شخصي خاصٍ يرشدك خلال السباق».

من أجل تدريب الذكاء الاصطناعي الأولمبي من خلال التعلّم الآلي، كان على لي وفريقه التقاط أكبر قدر مستطاع من الصور لنخبة رياضيي المضمار والميدان أثناء حركتهم. كانوا بحاجة إلى تسجيلات لأجسام بشرية تؤدي حركات معينة، لكن الشريط الموجود مسبقًا والذي استُخدم من أجل بحث مماثل يظهر أشخاصًا عاديين يتحركون، الأمر الذي سوف يشوش الخوارزمية. يقول لي: «لا يصل طول الناس عادة إلى سبعة أقدام، لكن لاعبي الوثب العالي من الطراز الرفيع يصلون لأطوال كهذه».

شرح فريق من إنتل بتوضيح يدوي في الشريط لكل جزء من الجسم (العينين والأنف والكتفين والمزيد)، نقطةً تلو الأُخرى. بمجرد التعرف على هذه النقاط الرئيسية، يمكن أن يبدأ النموذج بربطها في ثلاثة أبعاد إلى أن تتمتّع بعرض بسيط لشكل الرياضي.

يتيح تتبع هذا «الهيكل العظمي» إجراء تقدير وضع ثلاثي الأبعاد (تقنية رؤية حاسوبية تقوم بتتبع الجسم وتحاول التنبؤ بالتغيرات التي قد تطرأ عليه في الفضاء) على جسم الرياضي أثناء خوضه لحدث.

نظام التتبع محصور بفعاليات المضمار والميدان في ألعاب هذه السنة. لكن باحثة التفاعل بين الإنسان والحاسوب والأستاذة المساعدة في جامعة بريسكيا الإيطالية وغير المشاركة في مشروع إنتل باربرا ريتا باريكيلي تقترح أن تكنولوجيا مشابهة قد تصبح معيارًا للعديد من الرياضات. تقول باريكيلي: «التحول الكبير الحقيقي ليس عدم استخدام التكنولوجيا من أجل الترفيه أوالبحث فقط، بل عندما يقبل مجتمع الممارسة تلك التكنولوجيا».

عندما استُخدم حكام الفيديو المساعدين في كرة القدم مثلًا، كانوا يتمتعون بشعبية بالنسبة لشبكات البث، لكن بعض الحكام البشر رفضوا الاعتماد على التقنية في اتخاذ قرارات تغير مجرى اللعبة. وما تزال هذه التكنولوجيا مثيرة للجدل، لكن العديد من الحكام المسؤولين يستخدمون الآن مساعد الفيديو بصورة روتينية للمساعدة في اتخاذ قرار.

تقترح باريكيلي أن أول عرض أولمبي لمنتج 3DAT قد يكون خطوة كبيرة نحو تلاقي الممارسة مع الأبحاث، بل نحو اعتناق الممارسة لنتائج الأبحاث.

يعتقد لي أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد جميع لاعبي الأولمبياد والأشخاص العاديين الذين يرتادون النادي في تصحيح لياقتهم وتتبع تغير مشيتهم التي قد تشير إلى إصابة وشيكة، إضافة إلى المزيد. أخبر البطل الأولمبي في مسابقة العُشاري مرتين آشتون إيتون الذي يعمل في مشروع 3DAT لدى إنتل، صحيفة أوريجونيان: «سوف تساعد هذه التكنولوجيا الرياضيين على المدى البعيد في تحسين أدائهم بتزويدهم بمعلومات أكثر».

يعود الفضل في إمكانية حدوث ذلك إلى تطورات الحوسبة التي تُتيح للذكاء الاصطناعي تحويل الصور ثنائية الأبعاد إلى نماذج ثلاثية الأبعاد بفعالية أكبر.

يقول لي: «تنتج عن ذلك معلومات التي لم نحصل عليها من قبل، ولم يحصل عليها أحد قبلنا، لأنها كانت مرهقة للغاية»، كما يعتقد أن أفكارًا كهذه تمت مشاركتها خلال تجارب المضمار والميدان الأخيرة هي مجرّد بداية.

من المرجح أن يعتمد الرياضيون في المستقبل أكثر من أي وقت مضى على رزم معلومات عالجها الذكاء الاصطناعي ليرفعوا من مستواهم، وقد تكون هذه الأداة نوعًا من نموذج يسمى التوأم الرقمي.

توجد هذه النماذج على هيئة معلومات في برنامج حاسوب، لذا يمكن عرضها على شاشة أو في واقع افتراضي وتشغيلها في عمليات محاكاة لمواقف في العالم الحقيقي.

يقول فايكرز أن المهندسين عرّفوا التوائم الرقمية في البداية على أنها نماذج افتراضية دائمة التطور لأجسام صناعية، من الجيل التالي لمركبات الفضاء المقيّدة إلى مدن الأرض جميعها. على سبيل المثال، أطلقت القوات الجويّة الأمريكية في عام 2020 مشروعًا مدته ست سنوات لتطوير توأم رقمي لطائرة لانسر B-1B لفهم كيفية انحلال الأجزاء الفردية وكيفية إبطاء تلك العمليات. يطوّر الآن الباحثون توائم رقمية لبناء واختبار وحتى تشغيل أي شيء تقريبًا، بدءًا من المفاهيم المجردة مثل «تجربة المعجبين» في ساحة، وصولًا إلى البشر.

تعمل باريكيلي حاليًا على ذلك الأمر بالتحديد، وتعتقد أن المهندسين سوف يستخدمون قريبًا المعلومات التي جمعت من أجهزة مراقبة اللياقة البدنية التي يمكن ارتداؤها وأدوات تتبع الذكاء الاصطناعي لنشر توائم رقمية للرياضيين الفرديين. يمكن للمدرّبين استخدام التوائم الرقمية لاختبار تأثّر المنافسة بمجموعة سلوكيات واسعة، مثل أنماط النوم والنظام الغذائي والموقف في الميدان. قد يساعد التوأم الرياضيين على توقّع أدائهم الواقعي المستقبلي، حتى أنه قد يقترح تعديلات على التمرين.

تقول باريكيلي: «في تلك المرحلة، سيكون من المفيد للرياضيين أن يكون لديهم مراقبة مستمرة لنتائج تدريبهم الافتراضية».

وأضافت: «سوف ترى مرة تلو الأخرى، تأثير الشيء الذي تفعله على النتائج التي تحققها».

اقرأ أيضًا:

قفزة مهمة في السباق نحو حوسبة كمومية

صناعة مجهر عالي الدقة باستعمال قطع الليغو

ترجمة: ربيع شحود

تدقيق: نور عباس

المصدر