كوننا لم نستطع بآلات الحفر الحديثة من الوصول لعمق أكثر من 12.3 كيلومتر تحت سطح الأرض (تمكّنت آلات الحفر من حفر أطول بئر نفطيّ في العالم “بحقل الشاهين بدولة قطر” بعمقٍ بلغ حوالي 12.3 كيلومتر)، فالسؤال هنا: كيف يخبرنا علماء الجيولوجيا بحدود وسماكات ومكوّنات التركيب الداخلي للكرة الأرضيّة، والتي يبلغ قطرها القطبيّ والاستوائيّ بحدود الـ12.700 كم؟

سنفترض يا عزيزي القارئ أنّك سألت نفسك مرّة واحدة على الأقل، عن الآليّة التي مكّنت العلماء من تحديد التركيب الداخليّ للأرض.

وكما أشرنا في السطور الأولى لهذا المقال، فإنّك ستستبعد عن ذهنك أنّهم قاموا بالحفر لاكتشاف هاتيك الأشياء.

– لقد تمّ تقسيم باطن الأرض إلى الطبقات والحدود التالية:

  1. القشرة الأرضيّة (Crust): وهي الطبقة الخارجيّة للأرض، ويتراوح سمكها بين 25-40 كيلومتر أسفل القارّات، (وتصل إلى سمكٍ يتراوح بين 60-70 كيلومتر أسفل بعض نطاق الجبال الحديثة)، وإلى سمكٍ يصل إلى حواليّ 5 كيلومتر أسفل المحيطات.
  2. المانتل أو الوشاح (The mantel): هي الطبقة التي تلي القشرة، وسماكتها بحدود 2800 كيلومتر، وتكون هذه الطبقة في حالةٍ لزجةٍ وحالة نصف سائلة.
  3. النواة الخارجيّة، أو اللب الخارجيّ (The outer core): سماكتها حواليّ الـ2.260 كيلومتر، وهي ذات بنية سائلة، وتتكوّن بشكلٍ رئيسيّ من الحديد المنصهر.
  4. النواة الداخليّة، أو اللب الداخليّ (The inner core): ويقال أيضًا اللب الصلب (Solid core)، سماكتها حواليّ 1.290 كيلومتر، وتتميّز بكثافتها الكبيرة جدًّا (الوزن النوعيّ نحو 15، والوزن النوعي هو نسبة كثافة الجسم أو المادّة إلى كثافة الماء)، وتتكوّن من موادّ النيكل. وتقدّر درجة حرارة اللب الداخلي باعتبارها منتظمة نسبيًّا فوق 2.760 درجة مئويّة (سيليسوس).

aaaaaa

– حسنًا، كيف تمّ اعتماد هذا التركيب وهذا التوصيف؟

إنّ الموجات الزلزاليّة (السيزميّة) تخبرنا بذلك.

إنّه مثال رائع للفيزياء التطبيقيّة هنا.

عبر أحد فروع الفيزياء المسمّى “الجيوفيزياء – Geophysics”، والذي تمّ من خلاله اكتشاف فاصل موهوفيك بين المانتل والقشرة الأرضيّة في عام 1909.

الجيوفيزياء، هي العلم الذي يختص بدراسة الخصائص الفيزيائيّة للطبقات الأرضيّة، ويهدف إلى تحديد التراكيب بإجراء قياسات على السطح مباشرة أو بالقرب منه، ويعتمد في ذلك على استخدام قوانين وخواصّ فيزيائيّة طبيعيّة.

في الواقع، يوجد لدينا أربعة طرق جيوفيزيائيّة رئيسيّة لاستكشاف باطن الأرض، وهي:

  1. الطريقة السيزميّة (Seismic).
  2. الطريقة الكهربائيّة (Resistivity).
  3. الطريقة التثاقليّة (Gravity).
  4. الطريقة المغناطيسيّة (Magnetics).

– وسنتطرّق في هذا المقال، إلى الطريقة السيزميّة:

وهي التي تعتمد على دراسة الموجات الاهتزازيّة وانتشارها، ولفهم الآليّة، لابدّ من توضيح بعض المفاهيم، كأنواع الأمواج الاهتزازيّة، والتي تنتقل من خلال باطن الأرض أثناء وجود مصدر اهتزازيّ، وهي بشكلٍ رئيسيّ نوعان: موجات ضغط (P-Waves)، وموجات قصّ (S-Waves).

يشير الحرف (P) في النوع الأوّل إلى كلمة (Pressure) – والتي تعني بالإنجليزيّة “ضغط”، وتُعرف أيضًا بالموجات الأولية (Primary Waves).

أمّا بالنسبة لموجات القصّ، فيشير الحرف (S) إلى كلمة (Shear)، والتي تعني “قصّ” في اللغة الإنجليزيّة.

وتُعرف أيضًا بالموجات الثانويّة (Secondary).

إنّ موجات الضغط (P) تستطيع أن تنتقل من خلال الموادّ الصلبة والسائلة، مثل الموجات الصوتيّة.

أمّا موجات القصّ، فإنّها تُحدث تشوّهات عندما تنتقل من خلال المواد المختلفة.

وتختلف السرعة التي تنتقل عندها الموجات الباطنيّة مع لدونة (عكس خاصيّة المرونة) الموادّ التي تمرّ من خلالها.

حيث إنّ الموادّ الجيولوجيّة، أكثر لدونة في الضغط.

لذلك، فإنّ موجات الضّغط تنتقل أسرع من الموجات الزلزاليّة الأخرى، وبالتّالي، تكون أوّل من يصل إلى الموقع المحدّد.

أمّا السوائل، والتي لا تملك مقاومة للإجهادات القصّية، فلا يمكن أن تنقل موجات القصّ (من هذه الخاصية الهامّة للسوائل، استُنتِج أنّ النواة “سائلة”، وذلك اعتمادًا على المسوح الجيوفيزيائيّة التي بيّنت أنّ سرعة موجات القصّ تتلاشى إلى الصفر عند حدّ المانتل – النواة الخارجيّة).

– الطرق السيزميّة الاستكشافيّة:

وتنقسم إلى قسمين:

  1. انكساريّة (Refraction Seismology).
  2. انعكاسيّة (Reflection Seismology).

الطريقة الانعكاسيّة تعطينا معلومات عن نفس الطبقة التي تمرّ بها.

في حين أنّ الطريقة الانكساريّة، تعطينا معلومات عن الحدود الفاصلة بين الطبقات ومعاملات المرونة للطبقات.

سنشرح الآن الآليّة هندسيًّا وبشكلٍ مبسّط:

يعطينا المسح السّيزميّ (الزلزاليّ) الصورة الواضحة عن الطبقات الجيولوجيّة الواقعة تحت سطح الأرض، وعن امتدادها واستمراريّتها.

ويتمّ المسح باستخدام مصادر للطاقة لإرسال موجات صوتيّة إلى باطن الأرض، وتعكس هذه الطبقات الجوفيّة تلك الموجات إلى السطح، حيث يتمّ التقاطها بصورة إشارات كهربائيّة يجري تضخيمها ونقلها إلى مسجلات رقميّة، وبعدها تُحفظ هذه البيانات على أشرطة مسح زلزاليّ بواسطة الكومبيوتر للحصول على مقطع زلزاليّ، وبواسطة أساليب معالجة متقدّمة تقنيًّا.

واعتمادًا على سرعة الأمواج الزلزاليّة وزمن وصولها، يمكن الحصول على تصوير مجسم ذي بعدين اثنين أو ثلاثة أبعاد، من أجلِ استخدامه في تحديد ملامح التشكيلات والطبقات.

فلتحديد التكوين الجيولوجيّ “سطحيًّا” مثلًا، نعتمد على تفجير شحنة صغيرة من المتفجّرات قريبة من السطح، تَنتُج عنها صدمة آليّة، أو هزّة، أو موجة سيزميّة، من نوع ريلي (Rayleigh)، أو لوف (Love)، وهذه الموجة تعود إلى السطح بعد انعكاسها من الأوجه الفاصلة بين الطبقات ذات الخواصّ الطبيعيّة المختلفة، وتسجّل الانعكاسات بأجهزة حسّاسة سريعة الاستجابة لحركة الأرض، كالجيوفونات (Geophones)، توضع على أبعاد محدّدة من نقطةِ التفجير، لتلقّي الموجات الصوتيّة المنعكسة، وقياس زمن ارتداد الموجة السيزميّة.

ومن المعروف أنّ سرعة الموجات الصوتيّة تعتمد على كثافة الصخور التي تمرّ من خلالها.

ويمكن حساب أعماق الطبقات وسمكها، واستنتاج أنواعها بقياس أزمنة الانعكاس ومقارنتها، وتُعرف الظواهر التركيبيّة في الطبقات السفلى، ومن ثمّ إنتاج خرائط تركيبيّة لأي مستوًى جيولوجيّ يعطي انعكاسات للموجات الصوتيّة.

لمزيد من المعلومات، ندعوكم لمشاهدة هذا الفيديو الشيق: