تلعب الجزيئات الدور الرئيسي في الاتصالات.

تلحق المكالمات والرسائل ببقع الضوء، بينما تُحمل مواقع الويب والصور على الإلكترونات.

كل عمليات الإتصالات هي تطويع للفيزياء.

تُسجل المعلومات و تُرسل من خلال جسيمات حقيقية حتى لو كنا لا نستطيع – في الحقيقة – رؤيتها.
يتصل الفيزيائيون بالعالم بنفس الطريقة.

عن طريق إرسال ومضات من الضوء باتجاه الجسيمات أو الذرات، ثم يرصدون ارتداد هذه الجسيمات.

يتفاعل الضوء مع جزيئات المادة، كيف يمكن لهذا التفاعل أن يكشف لنا خاصية أو إثنتين من خصائص المادة؟ – على الرغم من أن هذه التفاعلات تغير من المادة نفسها – هذا ما يعرف بـ «القياسات».
تتصل الجسيمات ببعضها عن طريق جسيمات أخرى.

تنتقل القوى الكهرومغناطيسية بين إلكترونين عن طريق جسيمات الضوء، بينما تتجمع الكواركات داخل البروتون لأنها تتبادل الغالونات، التي هي الجسيمات الأولية الوسيطة التي تتبادل القوى العنيفة بين الكواركات، في شكل بوزون شعاعي له عزم مغزلي أحادي.
الفيزياء بشكل جوهري هي عبارة عن مبحث لدراسة التفاعلات.
ويتم تبادل المعلومات طوال الوقت خلال هذه التفاعلات، سواءٌ بين جسيمات مختلفة أو داخل الجسيمات نفسها.

نحن أيضًا نتكون من جسيمات تتصل ببعضها البعض، ونتعلم عن عاملنا المحيط عن طريق التفاعل معها.

كلما فهمنا أكثر هذه التفاعلات، كلما فهمنا أكثر عن العالم وعن ذواتنا.
ويدرك الفيزيائيون أن التفاعلات تتم بشكل محلي.

كما لو كنا في مدينة لها قوانينها، فانتقال الجسيم محكوم بمجموعة من القوانين.

وإلى الآن يبدو وصف التفاعلات أمرًا صعبًا.

و يتعامل الفيزيائيون مع الجسيمات كأنها كيانات منفصلة ثم يضيفون قواعد معقدة لوجودها المنفرد ليقرنوها بالجسيمات الأخرى من خلال النماذج المقترحة.

ومن ثم تنتج معادلات رياضية صعبة الحل.

ومن ثم يلجأ الفيزيائيون للتقريب من أجل حل المعادلة في جسيم واحد، والذي بمقدوره أن يتفاعل مع الجسيمات الأخرى من نفس نوعه.

ويغلب على الفيزيائين صفة التدقيق، إلا إنهم لا ينجحون أبدًا في الإجابة على الأسئلة بشكل مطلق.

فلا تزال الأمور الخلافية بينهم هي أدق النظريات لدينا في الوقت الراهن.
ميكانيا الكم هي أدق نظرية تتحدث عن الجسيمات، لذا فإنها تشرح القياسات والتفاعلات بشكل طبيعي القياسات.
في العقود القليلة الماضية، اُستخدمت الحواسب الآلية في مجال ميكانيكا الكم، مما أعاد رسم تصور النظرية على ضوء المفهوم الشامل للمعلومات.

ما تشير إليه القياسات والتفاعلات في ميكانيكا الكم مازال غريبًا بشكل واضح.

حتى ما تتضمنه من معلومات مازال غريبًا أيضًا.
تعتبر وظيفة الموجة الأداة الأساسية التي تتسبب في غرابة ميكانيكا الكم.

كل حالة ممكنة للجسيم الكمومي، كل نتيجة ممكنة لعملية القياس تخضع لمعادلة «شرودنجر».

هذه المعادلة التي تشبه المعادلة التي تصف موجات الحركة – بسيطة بما فيه الكفاية لتضلل «إروين شرودنجر» أثناء تسمية حلول الدوال الموجية (wave functions) – ولكن موجات الكم مجردة، وليست حقيقية.

وخلافًا لحلول موجات المحيطات أو الصوت، فإن الدالة الموجية تحتوي دائمًا على أرقام تخيلية.
للحصول على إجابات حقيقية من هذه الرياضيات المعقدة، يضرب الفيزيائيون الدالة الموجية رياضيًا في نفسها بقيمة سالبة. والنتيجة هي احتمالات خصائص الجُسيم التي تصفه الدالة الموجية أثناء مراقبته.

بحيث يصبح جمع كل القيم التربيعية لجميع الحلول لأي جسيم كمومي دائمًا هو نسبة مائة بالمائة.

معادلة شرودنجر تمثل كل الاحتمالات. إنها مربكة وهذا لا يسبب مفاجأة.
عندما نحل «معادلة شرودنجر» للتنبؤ بموقع الجسيمات، هناك العديد من الاحتمالات – احتمالات كثيرة بنفس درجة تحديد الموقع الدقيق للأمواج – المواقع والمسارات غير محددة في ميكانيكا الكم بسبب الطبيعة المزدوجة للجسيمات والموجات. فالقياسات لا تقدم يقينًا مؤكدًا عن الدوال الموجية.

عندما نرصد موقع إلكترون بدقة. يصبح هذا الرصد ثمنًا له.

وبمجرد أن نحدد موقعه، لا يمكننا معرفة سرعته.

إذا قمنا بقياس سرعة الإلكترون نفقد كل المعرفة عن موقعه.

وتسمى هذه المفاضلة الغنوصية «المعرفة الغامضة» بمبدأ عدم التأكد لـ «هايزنبرغ». العديد من ملاحظات الرصد الأخرى، مثل الوقت والطاقة، هي أيضًا غير متوافقة.
أحد السمات البارزة لهذه الرياضيات هو أن الجمع بين حلول «معادلة شرودنجر» لأي جسيم محدد – وفقًا لاحتمالاتها – هو حلٌ ممكن.

وهذا ما يسمى بالتراكب (Superposition)، على الرغم من أنها تسمية خاطئة.

حيث لا يتم وضع حل واحد فوق حل آخر، بل يتم إضافتهما معًا في مزيج.

كما هو الحال مع العصير، فإن المذاق الكلي يتفوق على مذاق كل إضافة على حدة.

أحجية الضوء

إذا تم توجيه شعاع ليزر نحو قطعة من الزجاج المغلفة جزئيًا بالألومنيوم، كما هو الحال في مرآة ذات اتجاه واحد.

إذا كان الزجاج موضوع بزاوية 45 درجة بالنسبة للضوء، فإن نصف شعاع الليزر سيخترق المرآة ويستمر على استقامته. بينما ينعكس النصف الآخر من الشعاع عموديًا على الشعاع الأصلي. ليس هناك طريق أقصر غير ذلك.
الآن، ضع مرآة عادية في كلا المسارين واجمع شمل الحزمة الضوئية الأولى.

الضوء سيعمل كموجة حيث ستتداخل الحزم مع بعضها البعض حيث سيجتمعون، إنتاج نمط من التموجات على شاشة الفلورسنت التي ستضيء حينما يتم استقبال حزمة الضوء (الشكل 1).

نمط التداخل على الشاشة يبدو أن شخص ما وضع مشطًا في مساره، وهو ما يشبه نتيجة تجربة الشق المزدوج الشهيرة. ولكن هذا الاستنتاج يستخدم إسم «تداخل» ماش – زندر.

شكل 1: تداخل «ماش – زندر»، وفيه يتم تسليط شعاع الليزر باتجاه مرآة ذات انحراف 45 درجة والمعروفة باسم مُقسِم الأشعة، نصف الشعاع الضوئي يمر من خلال هذا المقسم والنصف الآخر ينعكس.

الآن يتم تجميع مساري الضوء مرةً أخرى من خلال مرايا اعتيادية وبالتالي يحدث تداخل لشعاعي الضوء في كلا المسارين.

لو أن كشاف الأشعة الموضوع في المسار النهائي مصنوع من «الفلورسينت» سيظهر نمط التداخل بين كلا المسارين عليه. وستظهر بقع مضيئة بسبب بناء الضوء وأخرى مظلمة حيث لم يصطدم الضوء بالكشاف.
يمكننا تغيير الشكل الذي يتم استقباله على الشاشة عن طريق إدراج جزء من الزجاج في أحد مساري الشعاع.

الزجاج يُبطئ الضوء، وبالتالي فإن قيعان – قمم سالبة معكوسة – وقمم الموجات لم تعد تتطابق مع تلك الآتية من الشعاع آخر.

سمك معين من الزجاج يبطئ شعاعًا واحدًا بما فيه الكفاية حتى تصل القمم مع قيعان الشعاع الآخر.

مناطق مختلفة من الشاشة تتحول الآن للظلام، حيث أن حزم الضوء للشعاعين تتداخل مع بعضها بشكل مدمر.

إذا وضعنا كاشف «الفوتون» في مثل هذه النقطة، لن يتلقى أي ضوء.

تتكون الموجة من قمم وقيعان متماثلة، بحيث يمكن اعتبار قاع الموجة (قمة سالبة معكوسة)، وحينما يتداخل مع قمة موجة أخرى فإن أحدهما يتلاشي الآخر لأنها تكون مساوية لها في المقدار وفي اتجاهٍ معاكس، وبالتالي يسبب هذا الإظلام.
لقد تعلم الفيزيائيون كيفية انتاج فوتون وكيفية اكتشافه – حتى باستخدام العين المجردة – لذلك غالبًا ما تجري مثل هذه التجارب باستخدام الجسيمات بدلًا من الحزم.

عندما توجه الفوتونات في وقتٍ واحد نحو المرآة أحادية الاتجاه، والمعروفة باسم مقطِعة – مبشرة – الشعاع (Beam Splitter). يمر نصف الشعاع من خلالها وينعكس النصف الآخر بعيدًا، كما حدث مع الشعاع في المثال الأول.

لا شيء يتغير بالنسبة للجزيء الواحد، على الرغم من أن فوتونًا واحد فقط هو الذي يسافر في كلا المسارين في نفس الوقت، ومازال شكل التداخل يظهر على الشاشة.

يمكننا تغيير الشكل عن طريق ادراج جزء من الزجاج، والفوتونات لا تزال تتخذ شكل موجات. ولكن مع ماذا يتداخل هذا الفوتون الآن؟ الجواب على هذا السؤال هو جوهر ميكانيكا الكم.
لا يمكن أن ينقسم الفوتون إلى نصفين، ومن ثم يتداخل مع نفسه – نحن دائمًا نرصد الفوتون كاملًا – الفوتونات تتواجد في حالة (تراكب – Superposition)، لذلك يُعتقد أنها تأخذ كلا المسارين دفعةً واحدة.

ولشرح مفهوم التراكب، كثيرًا ما يقول الكُتاب أن الجُسيم موجود في مكانين في ذات الوقت، لكن هذا خطأ.
إذا وضعنا أجهزة الرصد في كلا مساري الفوتون المحتملين، فإنه يظهر على أحدهما ولا يظهر على الآخر.

إذا وضعنا جهاز الرصد في مسار واحد، فإنه يستقبل الفوتون– ينقر – لنصف الوقت فقط. ولكن عند وضع كاشف الفوتونات على أحد المسارين، فإن نمط التداخل لا يظهر على الشاشة.

حتى لو كنا نتفاعل مع الفوتونات عن طريق السماح لهم بالمرور – فقط لمعرفة أين هم – يختفي نمط التداخل.

القياس – لفهم ما يحدث – يغير النتيجة. بمجرد رصد الجسيم، فإنه لا يتصرف مثل الموجة.

ربما يكون للضوء طبيعة مزدوجة، لكنه يؤدي طبيعة واحدة في الوقت الواحد.
اعتقد «شرودنجر» أن وظائف الموجة تتوافق مع الأشياء الحقيقية.

منذ عام 1926، قام معظم الفيزيائيين بتفسير وظيفة الموجة كقطعة مجردة من المعرفة، وليس شيئًا ينتمي لعالمنا الواقعي. هناك حدسٌ ما، ومع ذلك، في الرياضيات يجب أن تكون حقيقية.
كلما وُصِّف الفوتون بتراكب المسارات، فإنها تتداخل بطريقةٍ أو بأخرى.

لكن إذا أفسدنا التراكب من خلال التمييز بين المسارات، يختفي التداخل دائمًا.

إذا اكتشفنا أي مسار يسلكه الفوتون، فإن المسار الآخر لا يصبح متاحًا لحركة الفوتون.

دوال الموجة لها تفاصيل للإحتمالات.

لذلك بعد أن يصبح أحد المسارين غير متاح، تتغير وظيفة الموجة لتعكس معرفتنا بالعالم.

يقول الفيزيائيون أن وظيفة الموجة تنهار.

وينهار العالم الكمومي أيضًا.

التراكب أكثر هشاشةً من أيٍ من تجاربنا الكلاسيكية.


  • ترجمة : مصطفى العدوي
  • تدقيق: محمد عبدالحميد ابوقصيصة
  • المصدر