قد لا تكون جزيرة غرينلاند ملكًا للولايات المتحدة حاليًا برئاسة دونالد ترامب، إلا أن القرارات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية ستمكننا من معرفة مستقبل الجزيرة الجليدية، ومستقبلنا كذلك. أخلّت انبعاثات الغازات الدفيئة من طرف الولايات المتحدة والدول الأخرى بالتوازن، وجعلت من غرينلاند مساهمًا رئيسيًا في ظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر العالمية.

ليس سرًا أن الغطاء الجليدي لغرينلاند في ورطة؛ إذ جلب موسم الذوبان الحالي أكبر الخسائر على مستوى الجليد، كما تسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر منذ الرقم القياسي للذوبان المسجل في 2012. ذاب معظم الجليد خلال أسبوع واحد عندما تعرضت الجزيرة لموجة حر قادمة من أوروبا.

حسب العالم الباحث تيد سكامبوس Ted Scambos من جامعة كولورادو، سيضيف ذوبان الجليد في غرينلاند هذا العالم حوالي مليمتر واحد لمستويات البحر العالمية عبر الانسياب السطحي والتدفق الجليدي، ويمكن ترجمة ذلك إلى 360 جيجا طن (مليارات الأطنان) من المياه المتدفقة نحو شمال الأطلسي.

بالإضافة إلى ذلك، تتسبب كمية المياه الباردة العذبة في اضطراب تيار المحيطات؛ إذ تُعد سببًا في إبطاء التيار المعروف اختصارًا باسم AMOC على مستوى المحيط الأطلسي، من شأن هذا تغيير الأنماط المناخية والصيد البحري.

كيف غيرت الولايات المتحدة جزيرة غرينلاند حتى قبل امتلاكها مستقبل الجزيرة الجليدية تأثير انبعاثات الغازات الدفيئة على جزيرة غرينلاند

فاقم ذوبان جليد غرينلاند -ضحية الكميات المتصاعدة لثنائي أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى في الغلاف الجوي- من مشكلة الفيضانات الساحلية في الولايات المتحدة الأمريكية ومناطق أخرى.

يعني التغيُّر على مستوى جاذبية الجزيرة باعتباره نتيجةً لخسارة تلك الكمية الكبيرة من الجزيرة أن بعض المناطق قد تأثرت أكثر من الأخرى.

أصبحت الفيضانات الساحلية في ميامي خلال يوم مشمس أمرًا عاديًا، وله تأثير أكبر على تلك المدن مقارنةً بمدن أخرى معرضة للخطر مثل بوسطن.

يقول سكامبوس: «تحمل جزيرة غرينلاند قدر ميامي في يدها حقًا فيما يخص حجم الزيادة في مستوى سطح البحر القادم من هناك».

في نفس الصدد يقول ريتشارد آلي Richard Alley الخبير في الغطاءات الجليدية من جامعة ولاية بنسلفانيا Penn State: «الغطاء الجلدي ضخم للغاية لدرجة تأثير جاذبيته على مستوى سطح البحر، ينجذب المحيط نحو جليد جزيرة غرينلاند بشكل كافٍ لرفع مستوى سطح البحر حول الجزيرة».

ويضيف: «إذا ذاب الجليد، ستنتشر تلك الكتلة نحو المحيطات العالمية بشكل سريع، ثم ستنتشر تلك المياه التي كانت محبوسةً حول غرينلاند كذلك».

ذوبان مطلق في الأفق

أظهرت دراسات أنه خلال الفترات السابقة حين كانت الأرض بنفس درجة دفئها اليوم، فقدت غرينلاند كل غطائها الجليدي، ورفع ذلك من مستويات سطح البحر العالمية نحو 7 أمتار.

بحلول سنة 2100 ستشهد درجات الحرارة ارتفاعًا بأربع درجاتٍ مئوية مقارنة بالفترة ما قبل الصناعية، وسنكون أمام عتبة حرارية حرجة قد تنتهي بزوال كلي أو شبه كلي للغطاء الجليدي.

«العتبة الحرارية الحرجة ليست معروفةً بشكل كبير، لكنها ليست ببعيدة عن درجات الحرارة الحالية، ويمكن الوصول إليها دون شك بسبب الاحتباس الحراري بفعل الإنسان إذا ما استمررنا بإطلاق ثنائي أكسيد الكربون بسرعة من خلال حرق الوقود الأحفوري والعمليات الأخرى»، يقول آلي.

ارتفع معدل خسارة غرينلاند للجليد ست مرات منذ ثمانينيات القرن الماضي، من 41 جيجا طن سنويًا خلال التسعينيات إلى 286 جيجا طن سنويًا خلال الفترة ما بين 2010 و2018.

يتغير معدل واتساع ذوبان الغطاء الجليدي لسطح جزيرة غرينلاند بسرعة مع أدنى معدل مسجل في ارتفاع لدرجات الحرارة، ويقول سكامبوس: «يعني ارتفاع درجات الحرارة درجةً أو درجتين خلال الصيف أن منطقةً ضخمةً من الغطاء الجليدي ستبدأ بالذوبان».

أظهرت دراسة حديثة نشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، أن مساهمة غرينلاند في ارتفاع مستويات سطح البحر قد تصل إلى 60 سنتيمترًا بحلول سنة 2100 في حالة الانبعاثات الشديدة.

من جهة أخرى، أظهرت دراسات أنه إذا ما حُدد حجم الانبعاثات بشكل كبير في العقد أو العقدين القادمين، قد نتمكن من تخفيف أضرار ارتفاع مستويات سطح البحر من الذوبان الجليدي لجزيرة غرينلاند والمناطق الأخرى. لكن الوقت ينفد منا، بغض النظر عن من “يملك” جزيرة غرينلاند.

اقرأ أيضًا:

لماذا نعتبر جرينلاند جزيرة و استراليا قارة ؟

غرينلاند ، أكبر جزيرة في العالم

إعداد : وليد سايس

تدقيق: علي قاسم

مراجعة: آية فحماوي

المصدر