بتاريخ 21 آب عام 1986؛ وقعت إحدى أغربِ وأكثرِ الكوارث الطبيعيّة غموضًا عبر التاريخ في بحيرة «نيوس»؛ وهي بحيرةٌ تقعُ فوقَ حفرةٍ بركانيّةٍ شمالَ غربِ الكاميرون.

وبدون سابقِ إنذار، أطلقتِ البحيرةُ مئاتِ آلافِ الأطنانِ من ثاني أوكسيد الكربون السَّامّ – وتتراوح التقديرات بين 300 ألفٍ وحتّى 1.6 مليون طنٍّ – وانتشرتْ سحابةُ الموت الصامتةِ هذه فوقَ الريفِ بسرعةٍ تصلُ إلى 100 كم/ساعة (62 ميلًا في السّاعة)، ممّا أدَّى إلى اختناقُ ما يقاربُ 1746 شخصًا وأكثرَ من 3500 رأسٍ من الماشيةِ في غضون دقائق.

وكان التأثيرُ مُدمِّرًا ومُفاجِئًا بالقدْرِ ذاتِه، فقد أصاب هذا الوباءُ الخياليُّ السكَّانَ المحلِّيّين والحياة البرِّيّةَ من حولِهم بالضَّرر، بعدَ أن تسبَّب بفقرِ الهواء بالأوكسجين لمسافةِ 25 كم في جميع الاتجاهات حول البُحَيرة.

اختنق كثيرٌ من الناس في قُرى «تشا» و«نيوس» و«سوبوم» بصمتٍ أثناءَ نومِهم، وقد عُثِرَ على بعضهم مع دماءٍ حولَ أنوفِهم وأفواهِهم.

لم يجدِ الناجون القلائلُ عندما استيقظوا أيَّ أثرٍ لأعمالِ شَغبٍ أو عُنفٍ، بل جثثًا هامدةً فقط، حتى الحشراتُ قد سقطت ميّتةً.

وصف المراسلون المشهدَ وكأنَّهُ انفجارُ قنبلةٍ نيوترونيّة.

روى «جوزيف نكوين» -الذي استيقظ بعد ثلاثِ ساعاتٍ من الكارثة- التجربةَ للباحث «أرنولد تايلور» في جامعة (بليموث):

«لم أتمكّنْ من التحدُّثَ. فقدتُ الوعيَ ولم أستطعْ أن أفتحَ فمي لأنّني شممتُ رائحةً سيّئةً… سمعْتُ ابنتي تشخرُ بطريقةٍ فظيعةٍ وغيرِ طبيعيّةٍ مطلقًا…
وبينما كنت في طريقي إلى سريرها، تعثَّرتُ وسقطتُ أرضًا، كان هنالك جروحٌ على ذراعيَّ لم أعرفْ مصدرَها. حاولتُ أن أتكلَّمَ ولكن لم أستطِعْ أن أنطقَ بحرفٍ… فابنتي كانت قد فارقتِ الحياةَ فعلًا..»

تُعدُّ هذه الكارثة إحدى أكثرِ الكوارث الطبيعيّة المسجّلةِ إزعاجًا، وما زال العلماءُ يجهلون ما الذي أثارها.

وقال «جورج كلينغ» -عالمُ البيئة في جامعة (ميتشيغان)- لصحيفة (الغارديان) في عام 2005 :

«كانت تلك الحادثةُ واحدةً من أكثر الكوارث المُحيِّرةِ التي حقَّق العلماء بها، فلا تتسبّبُ البحيرات عادةً بمصرع آلاف الناس بشكل مفاجئٍ دونَ سببٍ واضح».

إذًا ما الذي نعرفهُ؟

في ذلك الوقت، توصّل العلماءُ إلى أنّ البحيرةَ قد أطلقتْ كميةً هائلةً من ثاني أوكسيد الكربون في حوالي الساعةِ التاسعةِ مساءً، ولأنه أثقلُ من الهواءِ المحيط؛ غاصَ بسرعةٍ في الوديان المحيطة مغطِّيًا كلَّ شيءٍ بطبقةٍ تبلغُ سماكتُها حوالي 50 مترًا من الغازِ السّامّ.

عادةً ما تظلُّ مئاتُ الأطنان هذه من ثاني أكسيد الكربون مُخزّنةً داخلَ البحيرة، ولكن شيئًا ما تسبّب بإطلاقها.

كما يوضحُ «ديفيد بريسان» لصحيفةِ (Scientific American) أنَّ الغازاتِ البركانيّةَ المنبعثةَ من الأرض أسفلَ البحيرةِ تتحلَّلُ وتتركَّزُ في أعماقِ مياهها، وتشكِّلُ درجاتُ الحرارةِ المداريّة ما يشبهُ «غطاءً» من مياهٍ دافئةٍ فوقَ هذا الماءِ الأبرد.

إنَّ الشيءَ الذي «كسرَ الحاجزَ» وسمحَ للمياه العميقةِ الملوَّثةِ بالارتفاع ليس واضحًا، ولكن من الممكن أن يكون زلزالًا أو انهيارًا أرضيًّا أو ثَوَرانًا بُركانيًّا أو حتى شيئًا بسيطًا كتدفُّقاتٍ ثقيلةٍ تشوِّشُ مستوياتِ المياه.

لقد كان الزناد صامتًا، لكنَّ الأضرارَ كانت جسيمةً وكارثيّةً.

وردَ في أطلس (أوبسكورا): «لقد انفجرتِ البحيرة حرفيًّا، مُرسِلةً نافورةً من المياه ارتفاعُها 300 قدمٍ (91 مترًا) في الهواء، مشكِّلةً موجاتِ تسونامي صغيرةً».

وفي ظلِّ غيابِ التفسير العلميِّ، زرع أصحابُ نظريّةِ المؤامرةِ تفسيراتِهم بإقناع بعضِ السُّكّان المحلِّيّين أنَّ الانفجارَ كان ناجمًا عن اختبارِ قنبلة لم يُكشَفْ عنه، ونفَّذتْه الحكومتان الإسرائيليّة والكاميرونيّة.

ولكنَّ الجدولَ الزمنيَّ لم ينسجمْ مع هذه التفسيرات.

فبشكلٍ غريبٍ بما فيه الكفاية، وقع حدَثُ مماثلٌ قبلَ عامين فقط في مكان قريب في بحيرة «مونون»، فقد تسبَّب انفجارُ ثاني أوكسيد الكربون بمقتل 37 شخصًا. ولم يعرفْ أحدٌ سبب ذلك الانفجارِ أيضًا.

ولمنعِ هذه البحيرات من الانفجارِ مرةً أُخرى؛ قام المهندسون عام 2001 بتركيبِ أنابيب في كلتا البحيرتين لسحبِ ثاني أكسيد الكربون من قاع البحيرةِ وإطلاقه تدريجيًّا في الهواء.

وقد تمَّ تركيبُ مجموعةٍ أخرى من الأنابيب في عام 2011 بعدَ أنْ حذَّرَ الباحثون من انفجارٍ آخرَ «من الممكن أن يكون أكبرَ وأخطرَ من أيٍّ من تلك الكوارث».
وبحلِّ هذه المشكلةِ، ظهرتْ واحدةٌ أخرى؛ فقد بدأ الجدارُ الطبيعيُّ المحيطُ ببحيرة «نيوس» يضعفُ، وما يثير القلقُ هو ما إذا كان هنالك شيءٌ يسبّب انزلاقَ الأرض من تحتِه، فلا أحدَ يعلمُ ماذا ستكون النتائجُ إنْ حدثَ أيُّ تسرُّبٍ.

وقد بُنيَ سدٌّ حولَ الجدار لحمايته منذ ذلك الحين، وبينما يعتقد الباحثون أنه سيصمدُ على الأقلِّ في المستقبل القريب، فمن الممكن أن تسبِّبَ بعضُ العملياتِ الطبيعيِّةِ «فشلًا فوريًّا».

لنأملْ فقط أن يجدَ العلماءُ وسيلةً للتنبُّؤ بنشاط البحيرةِ في وقتٍ مبكٍّر، كي لا نرى كوارثَ مضى عليها ثلاثون عامًا تحدثُ مُجدَّدًا.


ترجمة: أسامة ونوس
تدقيق: اسماعيل اليازجي
تحرير: محمد سمور
المصدر