سؤال: كيف نعلم أنّ الساعات الذرية دقيقة؟

الفيزيائي: لا يوجد هناك أيّ طريقة ولا بأيّ شكل من الأشكال لنحكم على دقّة ساعةٍ عن طريق النظر إليها.

الساعة الجيدة ليست دقيقة إن لم يكن أداؤها ثابتًا.

نحتاج إلى ساعتين للكشف عن الأداء الثابت، ونحتاج إلى ثلاث ساعات مختلفة أو أكثر للكشف عن ساعة سيئة.

لنُعرِّفْ مصطلح «الساعة»: هي أداة تؤدّي عملًا فيزيائيًّا متوقّعًا وتَعدُّ المرّات التي تكرّر فيها هذا العمل.

في الساعات القديمة، المعروفة بمصطلح «ساعة الجدّ»، فإنّ هذا العمل هو تأرجح البندول-Pendulum (النوّاس)، ويتمّ العدّ عن طريق أداة تُسمّى ميزان الساعة.

أمّا بالنسبة لساعات الرمل، فيكون العمل هو انتهاء حبّات الرمل وقلْبُ الساعة ويتمّ العدّ بشكل يدويّ.

يمكن لساعة الرمل أن تحافظ على مجال دقّة لعدّة دقائق باليوم الواحد،إذ أنّك لن تتفاجأ بشروق وغروب الشمس.

وهذا شبيه نسبيًّا بدقّة ساعة الإنسان البيولوجية.

أمّا بالنسبة لعجلات الاتّزان المستخدمة في ساعات اليد وأغلب الساعات الميكانيكية، فهي قادرة على أن تصل لمجال دقّة يصل إلى دقائق خلال عام واحد.

قد لا يبدو هذا دقيقًا بما فيه الكفاية، ولكنّه كذلك.

إنّ مجالَ الدقّة الذي يصل لدقائق كلّ عام كافٍ لعمل البعض من الأمور المهمّة تاريخيًّا.

على سبيل المثال، يمكنك أن تكتشف أنّ سرعة الضوء ليست لانهائية.

يحتاج الضوء إلى 16 دقيقة ليقطع مدار الأرض، ويمكننا التنبّؤ بخسوف أقمار كوكب المشتري بمدّة أقلّ من 16 دقيقة.

في الماضي، استُخدمت التلسكوبات وأقمار المشتري وكتب كبيرة مليئة بالجداول لمعرفة الوقت (غالبًا على متن السفن في البحار).

إنّ دقائقَ في كلّ عام كافية لمعرفة الإحداثيات على خطّ الطول، وهذا أمرٌ مهمّ.

يمكنك استخدام أمور مثل الزاوية بين نجم الشمال والأفق لمعرفة إحداثيات خطّ العرض (شمالًا أو جنوبًا)، ولكن بما أنّ الأرض تدور، فليس هناك طريقة لمعرفة الإحداثيات على خطّ الطول دون أن تعرف الوقت.

أو إن كنت تعرف خطّ الطول وتستطيع رؤية الشمس في السماء، فيمكنك أن تعرف الوقت.

يعتمد الأمر على ما تحاول إثباته أو معرفته.

تحدث المشاكل عندما يبدأ شخص ذكيّ بطرح أسئلة مثل «ما هي الثانية؟» أو «كيف نعلم أنّ الساعة تقيس ثانية؟».

والجواب هو: إن كان أداء ساعتك ثابتًا بما فيه الكفاية، حينها يمكنك أن تُعرِّفَ ما هي الثانية بعبارات الساعة تلك.

وفجأةً، تصبح ساعتك ثابتة الأداء وصحيحة.

الساعة الذرّية-Atomic Clock تستخدم إجراءً كميًّا.

كلمة «كمي» تأتي من «الكم-Quanta» وتعني أصغر كمية.

ميزة الساعة الذرية هي أنّها تستفيد من ثبات الأداء والحركة في الكون والكميات (جمع الكم) لتسجيل الوقت بأداء ثابت.

كلّ بروتون لديه كتلة وحجم وشحنة كهربائية مطابقة لتلك التي يمتلكها أيّ بروتون آخر.

بالمقارنة مع البندول، لا يوجد بندولان متشابهان تمامًا.

اصنعْ أيّ ساعة ذريّة بأيّ مكان في الكون وسوف تدقّ بنفس السرعة التي تدقّ فيها أيّ ساعة ذرية أخرى.

كيف نعرف أنّ الساعاتِ الذريةَ ثابتةُ الأداء؟ اجمع عددًا من الأشخاص ليصنعوا نفس الساعة عدّة مرّات، ثمّ تابع إن كانت هذه الساعات متزامنةً مع بعضها البعض.

إن كانتكذلك لفترة طويلة، فالأداء ثابت.

على سبيل المثال، إذا صُنِعت عدّة ساعات من السيزيوم بعد حصول الانفجار الكبير مباشرة، فسوف تتّفق جميعها على الوقت اليوم بدقّة قدرها دقيقة ونصف.

هذايُعتَبر أداءً ثابتًا فعلًا.

في الواقع، هذا أكثر ثباتًا من اعتبار الكرة الأرضية كساعة.

العمل الذي تكرّره الأرض هو الدوران حول نفسها.

وهذا يمكن عدّه عن طريق أيّ شخص يكلّف نفسَه عناء الاستيقاظ في الصباح.

لقد اكتُشف أنّ طول اليوم هو أمر غير ثابت مقارنة مع الساعات الذرية التي نمتلكها.

عبر بلايين السنين من عمر الكرة الأرضية، تباطأ طول اليوم من حوالي 10 ساعات إلى 24 ساعةً.

هذا ليس أداءً غير ثابت فقط، هذا أداء هشيم بالنسبة لساعة.

لذلك، لا تُعرّف الثانية اليومَ بقولنا «هناك 86,400 ثانية فيدورة واحدة للأرض حول نفسها»؛ بل تُعرّف الآن على أنّها «المدّة التي تستغرقها 9,192,631,770 دورة من الإشعاع الناتج عن الانتقال الحاصل بين مستويين فائقي الدقّة في الحالة القاعدية لذرّة نظير السيزيوم 133»، وهذا ما تقيسه أغلب الساعات الذرية.

إنّ أفضل الساعات الموجودة اليوم هي جدليًّا جيّدةٌ أكثر من اللازم.

هي دقيقة بشكلٍ كافٍ لكشف الآثار النسبوية (نسبةً لنظرية النسبيةلآينشتاين) لسرعة المشي.

ما الفائدة من حمل ساعة خارقة إن كان ذلك يقضي على دقّتها؟

يستخدم العلماء هذه الساعات لعدّة أمور أخرى، مثل معرفة سرعة انتقال حزم النيوترينو من مكان إلى آخر.

ولكنّ معظمنا يستخدم الساعات الذرية لنظام تحديد الموقع العالمي (GPS)، وحتّى هذا النظام لا يحتاج إلى العديد منها، إلّا إذا اعتبرنا أنّ 64 ساعةً هيساعات «عديدة».

بعد أن قلنا كلّ هذا، إن كان لديك ساعة واحدة، لا يمكنك أن تعرف إن كانت دقيقة.

إذا كان لديك ساعتان، إمّا أن تكون كلتاهما جيّدتين (وهذا أمر جيّد)، أو واحدة منهماأو كلتاهما سيّئتين.

على جميع الأحوال، لا يمكنك أن تعرف السيّئة من الجيّدة.

بوجود 3 ساعات أو أكثر، وطالما لدى بعضها دقّة متشابهة (قريبة من بعضها البعض)، يمكنك بالنهاية معرفة أيٍّ من الساعات «صحيح»، أو على الأقلّيعمل بشكل صحيح، وأيٍّ منها مخطئ.

هذه الفلسفة هي في لبّ العلم.

وهي تشرح لماذا «العلم القابل للتكرار» مهمٌّ جدًّا، وتشرح أيضًا لماذا «الدليل المحكي» مهملٌ ولا يُؤخذ به في الأوساط العلمية المرموقة.

إن لم يُثبَتِ الشيء بشكلٍ متكرّرٍ، فهو لن يثبتَ كشيءٍ حقيقيٍّ وثابتٍ ويعمل بشكلٍ صحيح.


  • ترجمة: عبدالرحمن الصباغ.
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي.
  • تحرير: سهى يازجي.
  • المصدر