سنتوفى يومًا ما لكن ،لسوء الحظ؛ فإن هناك أناس يتوفون بظروف تجعل التعرف على هوياتهم صعبة جدًا. عند عدم القدرة على التعرف على شخص ما بعد وفاته فإنه يعرف بشخص مجهول الهوية، والتعرف على هوية الجثة يشكل أهميةً كبرى، ابتداءً من الأمور القانونية وصولًا لمراعاة مشاعر أحبائه.

كيف يمكننا التعرف على هوية جثة ما؟

أولًا: فحص الحمض النووي DNA، إن كون الحمض النووي مميز وغير متشابه بين الناس يجعل من تحليله طريقًا بديهيًا للوصول إلى هوية الجثة.

يقول البروفيسور دينيس سيندركومب، الأستاذ في الطب الشرعي الجيني في جامعة الملك في لندن: «يمكننا أحيانًا الحصول على مميزات قابلة للتعرف عليها بصورة كبيرة، ولا يمكننا الاستفادة منها في حال عدم وجود بيانات هذا الشخص ضمن قاعدة بيانات الحمض النووي لدينا».

وأضاف: «إذا بقيت الجثة دون التعرف عليها لفترة طويلة، فإن الشرطة قد تجري ما يسمى «البحث العائلي» الذي يتضمن البحث عن الوالدين أو الأولاد أو حتى الأقارب للشخص المتوفى ضمن السجلات الجنائية».

ويمكن لأفراد عائلة الشخص الغائب أن يعطوا عينات من الحمض النووي له من بقايا أشياء تابعة له التي قد تقود للتعرف عليه.

ما يجدر ذكره في هذا السياق حادثة التعرف على فرانسيس واين ألكسندر ضحية القاتل المتسلسل جون واين غاسي في السبعينيات، إذ نُبشت رفاته ورفات الضحايا المجهولين عام 2011 مع استدعاء لأهالي الأشخاص الذين أُبلغ عن فقدانهم في السبعينيات لتقديم عينات من الحمض النووي.

استُخرج الحمض النووي من أحد أضراس جثة، ثم حُلل التسلسل الجينومي كاملًا، كانت العينات من أم ألكسندر وأخيه من جهة أمه قويةً جدًا؛ ما أكد هويته بعد عقود من وفاته.

ويمكن الاستفادة من الحمض النووي لتحديد عمر الجثة، ومن ثم تضييق دائرة البحث وحصر الاحتمالات بدائرة أضيق.

ثانيًا: فحص الحمض النووي للمتقدرات أو الميتوكوندريا في الجثة:

هناك نوع آخر من الحمض النووي يسمى الحمض النووي المتقدري.الموجود خارج نواة الخلية في الجزء المسؤول عن توليد الطاقة للخلية «الميتوكوندريا أو المتقدرات».

تستخدم هذه الطريقة في حال تخرب الحمض النووي بصورة كبيرة، ومن ثم فإن استخراج الحمض النووي من الميتوكوندريا يساعد بشدة في التعرف على هوية الجثة، وقد استخدمت هذه التقنية في التعرف على رفات الملك البريطاني ريتشارد الثالث بعد 527 عام من وفاته.

لقد تطورت إمكانية الغوص ضمن الحمض النووي في المتقدرات تطورًا كبيرًا في السنوات الخمس الأخيرة.

الشيء الجيد بخصوص الحمض النووي المتقدري وجود كثير منه، لكن الشيء السيئ هو أنه لا يحدد هوية الجثة كشخص بذاته بدقة؛ لأن المتقدرات أساسًا موروثة من الأم، ومن ثم سوف تكون متطابقةً في جميع الأفراد المشتركين في الأم، لكن تبقى هذه الطريقة مرجعًا مهمًا لمعرفة بعض المعلومات عن أي منطقة جغرافية من العالم تعود هذه الجثة.

ثالثًا: تحليل البصمات لتحديد هوية الجثة:

المعروف أيضًا باسم «تحليل النتوءات» ويقصد بها النتوءات الموجودة بصورة متسلسلة ومميزة على أصابع الجثة.

ولكن تبقى الاستفادة من هذه الطريقة مرتبطةً أيضًا بوجود البصمات في السجلات قبل وفاة الشخص.

رابعًا: تحديد هوية الجثة باستخدام السجلات السنية:

يعرف هذا النوع بالطب الشرعي السني، صرحت الشرطة الدولية الانتربول أن الأسنان تعد أحد أكثر الوسائل الموثوقة في التعرف على هوية الجثة فضلًا عن ديمومة القدرة على الاستفادة منها لوقت طويل بعد الوفاة.

إذ تعد بنية وترتيب الأسنان مختلفة في كل شخص عن الآخر، لذا تُقارن السجلات السنية قبل الوفاة وبعد الوفاة، وفحص بدلات الأسنان والترميمات أيضًا يعطي معلومات مفيدة جدًا في التعرف على هوية الجثة لكون أنسجة الأسنان هي الأقسى عند الإنسان، والأكثر مقاومة للصدمات والانحلال والانغمار بالماء والاحتراق بالنار.

مع التنويه أنه بعد سن معين لا يحدث تغير ملحوظ في أسنان الشخص سوى أنها تتساقط أو تُرمم.

خامسًا: التعرف على هوية الجثة عبر الزراعات الطبية:

في حال حصولك على رقم تسلسلي لجهاز معدني ومطابقته مع الرقم لصفيحة أو زرعة معروفة لدى الشخص المفقود فيمكننا الجزم بأن الجثة تعود له.
إذ يمكن الاستفادة من الرقم التسلسلي للزراعات في الحصول على معلومات عديدة منها: اسم الجراح الذي أجرى العملية وتاريخ إجراء الزرع والأهم من ذلك هوية الشخص المزروع لديه هذا الجهاز.

توصي القوانين في بعض الدول إلى وجوب وضع رقم تسلسلي للأجهزة الطبية المزروعة ضمن أجسام المرضى.

سادسًا: التعرف البصري المباشر لتحديد هوية الجثة:

يعد مظهر الشخص مؤشرًا جيدًا لتحديد هويته، ولا يمكن الاعتماد على هذا المعيار دائمًا خاصةً إذا كانت الجثة في حالة سيئة كضحايا الكوارث الكبيرة أو الزلازل أو الهجمات الإرهابية.

وفقًا لكلية الشرطة؛ فإن التعرف البصري على هوية الجثة لا يعد معيارًا موثوقًا ويجب اعتماده فقط عند تعذر استخدام الطرق الأخرى؛ لأن التغيرات التي تحصل على جثة الشخص بعد الوفاة تجعل التعرف عليه ليس بالأمر السهل، ويعتمد ذلك على الحالة التي حُفظت بها الجثة.

على أية حال، تبقى هناك علامات فارقة تعطي دليلًا واضحًا عن الهوية كالوشم المميز أو شهادة الميلاد والندبات المعروفة مسبقًا.

كيف نتعرف على الجثث المتحللة أو بقايا الهيكل العظمي؟

يُستفاد من العظام المتبقية في الحصول على بعض العينات من الحمض النووي لكن في حال كانت الجثة معرضةً لظروف صعبة ولوقت طويل؛ فإن هذه العينات قد تصاب بالتلف.

لذا يلجأ الأطباء الشرعيين لفحص عظام صغيرة تتواجد في الأذن ومن الصعب أن تنكشف على الوسط الخارجي، ومن ثم فإن الحمض النووي الموجود فيها يكون محفوظًا جيدًا وسيضطرون من أجل الوصول لتلك العظام لكسر وفتح الجمجمة.

يمكن للتصوير المقطعي المحوسب للجثة أن يمدنا بمعلومات مهمة حول التعرف على الهوية عبر مقارنة البنى التشريحية.

كم عدد الجثث غير المتعارف على هويتها في العالم؟

وفقًا لمركز الأشخاص المفقودين غير المتعرف عليهم الوطني الأمريكي فإن هناك 13,885 جثة غير متعرف على هويتها حتى تاريخ ديسمبر 2021 بمعدل 22,4 سنوات وبنسبة 54% تم التعرف عليهم بعد 20 عامًا.

أما وحدة الأشخاص المفقودين البريطانية تصرح بأن هناك 120 جثةً غير متعرف عليها كل سنة ووجود 1200 حالة قيد الدراسة ضمن قاعدة البيانات الخاصة بهم.

نُشرت دراسة في مجلة الطب الشرعي الدولي عام 2018 تفيد بوجود أكثر من 20,000 مهاجر متوفى في البحر الأبيض المتوسط خلال السنوات العشر الماضية وأكثر من 60% منهم يظلون دون التعرف عليهم بسبب صعوبة استرجاع البيانات الخاصة بهم.

لكن مع تطور الأدوات والوسائل يمكننا القول أننا قادرون على التعرف على هوية الأشخاص المتوفين منذ آلاف السنين، إذ يتابع الطب الشرعي تقدمه آملًا أن يتعرف على الجثث المجهولة وجعلهم أكثر قربًا من أحبائهم.

اقرأ أيضًا:

كيف يتعامل الأطباء الشرعيون مع جثث ضحايا فيروس كورونا المستجد وهل تنقل الجثث عدوى المرض؟

الطب الشرعي والتشريح، ما صحة ما نشاهده على التلفاز؟

ترجمة: محمد زكريا زيتوني

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: أحلام مرشد

المصدر