أظهرت نتائج الدراسات الحديثة أن المجال المغناطيسي للأرض (والذي يعمل كدرع واقي من الرياح الشمسية والأشعة الكونية) يتغير بإستمرار,حيث يبدو أن قوته تقل فوق بعض المناطق من الأرض ويزداد قوة في مناطق أخرى.

وبالرغم من أنه غير مرئي، فإن لذلك التغيير تأثيرات كبيرة علينا: فالقطب المغناطيسي الشمالي للأرض يتحرك من موقعه، كما أنه قد يؤثر على طريقة تأثرنا بالأحداث الفضائية مثل العواصف الشمسية مثلاً. ولكن وبفضل تلك الدراسة الحديثة يعتقد العلماء أنهم يستطيعون معرفة السبب وراء تلك التغيرات، والتنبؤ بالتغيرات المستقبلية.

هذا البحث لا يعد الأول من نوعه فيما يخص التغير في مجالنا المغناطيسي. المجال المغناطيسي كان ومازال في حالة تغير دائم وخلال السنين القليلة الماضية أتضح لنا أن هذا الدرع (الذي يشبه الفقاعة الخفية المحيطة بالأرض) ويحميها من الظروف القاسية للفضاء الخارجي يصبح أضعف وأضعف بمرور الوقت.

طبقاً لأفضل تقديرات العلماء فإن المجال المغناطيسي الآن يتناقص أسرع بـ 10 مرات عن الاعتقاد السابق، حيث يفقد تقريباً 5% من قوته كل 10 سنوات. ولكنهم لا يعرفون السبب أو ما قد يعني ذلك لكوكبنا.

أحد أكثر التفسيرات قبولاً هو أننا نلاحظ الأقطاب المغناطيسية للأرض وهي على وشك الإنقلاب وهو حدث يتكرر كل 100 ألف عام تقريباً. قد يبدو ذلك مريعاً أكثر مما هو عليه حقا, إلا أنه لا يوجد أي دليل على تأثر الحياة على الأرض عند حدوث هذا الإنقلاب في الماضي ويبدو أن أكبر تأثير سيكون على البوصلة حيث ستشير إلى الجنوب بدلاً من الشمال.

يقول رون فلوبرغاجن Rune Floberghagen من وكالة الفضاء الأوروبية: «هذا الإنقلاب لن يكون لحظي ولكنه سيحتاج لمئات بل وربما آلاف السنين ليحدث. لقد حدث من قبل أكثر من مرة».

ولكن بالرغم من تلك الرسائل المطمئنة والتي تدعونا لعدم القلق، مازال العلماء لا يعرفون إلا القليل عن المجال المغناطيسي، ولذلك في عام 2013 أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية ثلاث أقمار صناعية أطلقوا عليها أسم السرب Swarm والتي تقوم بقياس المجال المغناطيسي للأرض عن طريق قياس الإشارات القادمة من طبقات الأرض المختلفة: مركز الأرض، الغشاء المنصهر والقشرة الأرضية بالإضافة الى المحيطات وطبقتي الغلاف الجوي الأيونوسفير (الغلاف الأيوني) والماجنيتوسفير (الغلاف المغناطيسي).

بإستخدام البيانات القادمة من تلك الأقمار الصناعية وغيرها أصدر العلماء خريطة جديدة توضح بدقة شديدة التغير الحادث في المجال المغناطيسي – أين يضعف وأين يزداد قوة – وما سبب تحركه. والأكثر أهمية أنها توضح أيضاً سرعة ذلك التغير.

وضح الباحثون من وكالة الفضاء الأوروبية ذلك خلال المؤتمر السنوي (الكوكب الحي) المنعقد في براغ Prague الأسبوع الماضي. يبدو أن المجال المغناطيسي قلت قوته في المنطقة التي تغطي أمريكا الشمالية بمقدار 3.5% بينما إزدادت قوته بمقدار 2% في المنطقة التي تغطي آسيا خلال الفترة منذ عام 1999 وحتى الآن.

أضعف جزء في المجال المغناطيسي (ظاهرة جنوب الأطلنطي) والتي تقع فوق أمريكا الجنوبية تتحرك بثبات في إتجاه الغرب نحو قارة آسيا طوال السبع سنوات السابقة، كما أن قوة المجال بها قلت بمقدار 2%. بالإضافة لكل ذلك فإن القطب الشمالي المغناطيسي يتحرك أيضاً باتجاه قارة آسيا بسرعة.

إذاً ما هو السبب وراء تلك التغيرات؟ كان الاعتقاد السائد أن مجالنا المغناطيسي ناتج عن محيط من الحديد المنصهر والذي يتحرك في حركة دائرية دائمة مكوناً النواة الخارجية للكوكب على عمق 3 آلاف كيلومتر تحت أقدامنا. ذلك السائل الدوار يعمل مثل دينامو الدراجة مولداً تيار كهربائي ويتحكم في المجال المغناطيسي المحيط بالأرض.

ولكن بالرغم من أن فرضية المولد (أو الدينامو) كانت مطروحة منذ فترة على أنها هي السبب في تغير المجال المغناطيسي، إلا أن تلك هي المرة الأولى التي يستطيع فيها الباحثون أن يضعوا خريطة توضح العلاقة الوثيقة بين التغير في الحديد السائل الموجود في نواة الكوكب والمجال المغناطيسي المحيط بالأرض بالتزامن, وتبين النتائج أن الأثنين مرتبطين مع بعض جداً.

يقول كريس فينليChris Finlay  من الجامعة التقنية بالدنمارك والذي يترأس المشروع: «المعلومات الواردة إلينا من الأقمار الصناعية أتاحت لنا بناء خريطة مفصلة للتغيرات التي تحدث في المجال المغناطيسي للأرض على مستوى سطح الأرض وأيضاً تحت سطح الأرض وبالقرب من مصدر هذا المجال في نواة الأرض. على غير المتوقع نجد بعض التغيرات السريعة في مناطق محددة في المجال المغناطيسي وهو ما يعني تسارع المعدن السائل المتحرك».

هذا البحث لم يتم عرضه حتى على مراجعة الأقران (التدقيق والمراجعة بواسطة علماء متخصصين غير مشاركين في البحث للتأكد من مصداقيته) ولكننا نشرنا ما أصدرته وكالة الفضاء الأوروبية، ولكن إن تم تأكيده سيصبح لدينا دليل مادي مؤكد عما يتحكم في حركة المجال المغناطيسي وهو ما قد يساعدنا على التنبؤ بمستقبل الأرض. مثلاً ما مدى اهتمامنا بالعاصفة الشمسية الكبيرة القادمة (وهل سيقاومها مجالنا المغناطيسي بدرجة كافية؟).

وقد يساعدنا هذا البحث أيضاً في فهم السبب الذي يجعل مجالنا المغناطيسي يضعف في المجمل وكيف سيؤثر هذا على مستقبلنا. وبالرغم من أن إنقلاب الأقطاب المغناطيسية لن يؤثر علينا بشدة، لكن يجب أن نعرف إذا كان مجالنا المغناطيسي يتجه إلى الفناء مثلما حدث لمجال المريخ أم لا.


المصدر