من بلورات الثلج الصغيرة إلى الشكل المسنن لصاعقة البرق، ليس من الصعب إيجاد أنماط كسرية (أنماط هندسية) متكررة في الطبيعة. لذلك قد يكون من المفاجئ أنه حتى الآن، هناك بعض الأماكن التي لم يسبق أبدًا أن شوهدت فيها أنماط هندسية متكررة لانهائية. قدّم الفيزيائيون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT أول مثال معروف لنسق كسري في مادة كمومية.

لقد شوهدت الأنماط في توزيع غير متوقع لوحدات مغناطيسية تدعى «المجالات المغناطيسية» والتي تتطور داخل مركب يدعى أكسيد نيكل النيوديميوم neodymium nickel oxide، وهو معدن أرضي نادر له خصائص غير عادية.

قد يؤدي الحصول على فهم أفضل لهذه المجالات وأنماطها إلى طريقة جديدة لتخزين المعلومات الرقمية وحمايتها.

هذا رائع جدًا لأن أكسيد نيكل النيوديميوم، أو Nd Ni O3 مادة عجيبة.

أخرج قطعة من جيبك ومرر التيار الكهربائي من خلالها، وسوف توصله بكل سلاسة.

اسقطها في النيتروجين السائل إلى أن تصل إلى أقل من درجة الحرارة الحرجة (-123 درجة مئوية) أو (-189 فهرنهايت) وسوف تصبح عازلة للكهرباء.

هذا ليس الشيء الوحيد الذي يتغير، فكما وضح الفيزيائي ريكاردو كومين Riccardo Comin: «المادة لا تكون مغناطيسية عند كل درجات الحرارة».

طبعًا، حتى أي قطعة حديد ممغنطة ستفقد قدرتها للإشارة نحو الشمال إذا قمت بتسخينها بما يكفي، لذلك هذا ليس غريبًا.

لكن أكسيد نيكل النيوديميوم لا يتبع القواعد المعتادة، لذا فإن الطريقة الدقيقة التي تسقط فيها الإلكترونات بشكل أنماط مغناطيسية كانت لغزًا.

ما نعرفه هو أنه مثل معظم المواد المغناطيسية، تتجمع ذرات أكسيد نيكل النيوديميوم على شكل كتل صغيرة من الجزيئات ذات الاتجاه المغناطيسي تدعى المجالات.

لأول مرة على الإطلاق اكتشف العلماء أنماطًا كسرية في مادة كمومية أنماط هندسية متكررة لانهائية في إحدة المواد الكمومية مغانط النيوديميوم

تتشكل المجالات في مجموعات متنوعة من الأحجام والأنماط، وذلك وفقًا لتفاعلات كمومية بين الإلكترونات وذراتها تحت ظروف معينة.

لكن كيف برز في أكسيد نيكل النيوديميوم؟

بالنظر إلى طبيعته كموصل وعازل فإن هذا سؤال كبير.

يقول كومين: «أردنا أن نرى كيف تنبثق هذه المجالات وتكبر بمجرد الوصول إلى الحالة المغناطيسية عند تبريد المادة».

قام الباحثون سابقًا بتشتيت الأشعة السينية عبر المادة لدراسة خصائصها الكهرومغناطيسية الغريبة المتقلبة على أمل اكتشاف أسرارها الكهربائية.

حيث أظهر هذا كيف توزع المادة إلكتروناتها في درجات الحرارة المختلفة، إن رسم خرائط لحجم وتوزيع المجالات تحت الظروف المختلفة يتطلب أسلوبًا أكثر تركيزًا.

يقول كومين: «لذلك تبنينا حلًا خاصًا يسمح بتضييق هذه الأشعة إلى مساحة صغيرة جدًا، حتى نتمكن من رسم خارطة المجال المغناطيسي في هذه المادة نقطة تلو الأخرى».

كان هذا الحل الخاص قديمًا بقدر ما هو جديد؛ فقد استخدموا نفس التقنية التي تستخدمها المنارات القديمة Lighthouses في توجيه الضوء إلى شعاع ضيق.

عدسة فرينل عبارة عن طبقات فوق بعضها من مادة شفافة ذات حواف تعيد توجيه الإشعاع الكهرومغناطيسي.

في حين أن العدسات في المنارات يمكن أن تكون بالأمتار، إلا أن العدسات التي طورها كومين وفريقه كانت بعرض 150 ميكرون فقط.

النتيجة كانت أن شعاع الأشعة السينية صغير بما يكفي للكشف عن النطاق الدقيق للمجالات المغناطيسية عبر غشاء رقيق من أكسيد نيكل النيوديميوم المصنع في المختبر.

معظم تلك المجالات كانت صغيرة.

التشتت بينها كان حيث ظهرت بعض المجالات الكبيرة.

لكن بمجرد أن تتحطم الكسور وترسم الخارطة، فإن أنماط المجالات الأكبر الموجودة في بحر من المجالات الصغيرة متشابهة بشكل مخيف، بغض النظر عن أي مقياس تم استخدامه.

يقول كومين: «في البداية كان من الصعب فك شفرة نمط المجالات، لكن بعد تحليل إحصائيات توزيع المجالات، أدركنا أن سلوكها كسري».

وأضاف: «لقد كان غير متوقع أبدًا، لقد كان اكتشافًا بالصدفة».

تلعب المواد التي يمكن أن تعمل كموصل وأيضًا كعازل، دورًا كبيرًا في عالم الإلكترونيات.

تعتمد الترانزستورات على هذا المبدأ بالذات.

لكن أكسيد نيكل النيوديميوم له حيلة أخرى.

يُظهر نفس الأنماط الكسرية المتكررة للمجالات عندما تنخفض درجة حرارته مرة أخرى، كما لو أن لديه نوع من الذاكرة حول مكان إعادة رسم حدوده.

يقول كومين: «على غرار الأقراص المغناطيسية في محركات الأقراص الصلبة الدوارة، يمكن للمرء أن يتصور تخزين بتّات من المعلومات في هذه المجالات المغناطيسية».

من أجهزة تخزين الذاكرة المرنة إلى الخلايا العصبية الاصطناعية، من المؤكد أن أكسيد نيكل النيوديميوم جزء من الصورة الكبيرة للإلكترونيات المستقبلية.

نُشر هذا البحث في مجلة Nature communications

اقرأ أيضًا:

اكتشاف العلماء لأدلة على وجود جسيمات كمومية خالدة

علماء يكتشفون مادة قد تلعب دورًا حاسمًا بالنسبة للحواسيب الكمية

هل الجاذبية كمومية ؟ وما هو الغرافيتون ؟

ترجمة: محمد رشود

تدقيق: فارس سلطة

مراجعة: صهيب الأغبري

المصدر