خفضت التدابير اللازمة لاحتواء الوباء العالمي انبعاثات الكربون عالميًا، ما ولد توقعًا بأن هذا الحدث غير المسبوق قد يساعد على معالجة تغير المناخ، لكن بحثًا جديدًا درس تطور بدائل الطاقة النظيفة استبدل بالنظرة الوردية أخرى أكثر واقعية.

يشير بحث جديد ركز على الولايات المتحدة إلى أن الهواء النقي الذي يتنفسه الناس في أنحاء العالم لا يقترب حتى من كونه نتيجةً جيدةً أمام الوفيات الناجمة عن الفيروس، فالفوائد البيئية للأزمة الصحية العالمية ستكون قصيرة المدى.

يجادل الباحثون بإمكانية اعتدال خطر الوباء الحالي بسرعة نسبيًا، متوقعين انتعاش الاقتصاد الأمريكي دون عواقب طويلة المدى، وعودةً مباشرةً لحرق الوقود الأحفوري مرةً أخرى.

سيؤدي استمرار خطر الفيروس عامًا واحدًا فقط إلى ركود عالمي مستمر معطلًا بذلك استثمارات التكنولوجيا النظيفة، ولن يقتصر ذلك على إعاقة مستقبل الطاقة الخضراء فحسب، بل ستمتد آثاره السلبية لتتفوق أيضًا على أي انخفاض في الانبعاثات شهدناه حتى الآن.

لم تمضِ إلا بضعة أشهر حتى توقفت معظم استثمارات الطاقة المتجددة، ومن المتوقع انخفاض مبيعات السيارات الكهربائية العالمية نسبة 50% هذا العام، وانخفضت أيضًا تركيبات الطاقة الشمسية والتخزين على الأسطح الجديدة.

لا تتحمس كثيرًا للثورة الخضراء الناجمة عن جائحة كورونا - خفضت التدابير اللازمة لاحتواء الوباء العالمي انبعاثات الكربون عالميًا

يقول الباحث في اقتصاد الطاقة مارتن أوفاير في جامعة ييل: «انخفضت وظائف الطاقة المتجددة عمومًا نحو 600,000 وظيفة بحلول نهاية نيسان، فقد تراجعت الاستثمارات في كفاءة الطاقة وتوليد الطاقة المتجددة، واستمرار ذلك يعني إعاقة التقدم نحو مستقبل طاقة نظيفة».

وثَّق الباحثون أفضل وأسوأ نتائج مستقبلية في ظل هذا الوباء مستخدمين صدمات اقتصادية سابقة أمثلةً على تجاربهم الفكرية. فقد ركزت الدراسة خصوصًا على الولايات المتحدة، لكن الفريق يظن أن النتائج قد تنطبق على معظم دول العالم المتقدمة، ومع أن التنبؤات ليست مضمونة فقد تساعد على الاستعداد للآتي. لسوء الحظ أن أفضل سيناريو الذي مثل نهاية الوباء بسرعة نسبيًا لن يفيد كثيرًا على المدى الطويل، وسنعود ببساطة لنعيش بالطريقة المعتادة، محاولين تعويض الوقت الضائع.

استنتج الباحثون: «يعد فيروس كورونا صدمةً قصيرة المدى نسبيًا للاقتصاد العالمي، فلن يدمر الفيروس معظم الطلب على المنتجات والخدمات بل سيؤجله، وحالما يُعاد استئناف الاقتصاد بأمان سينتعش النشاط الاقتصادي، وربما يتجاوز ما كان عليه قبل تفشي المرض».

يقول الباحثون أن السيناريو الثاني أكثر احتمالًا، مع أنه الأسوأ، فإذا استغرق انحسار الوباء وقتًا أطول، فسيتأثر تجديد الطاقة تأثرًا كبيرًا. ففي هذا السيناريو، يكون كوفيد-19 أكثر انتشارًا وفتكًا وثباتًا، وهذا ما يسبب ركودًا عالميًا أطول. وفي هذه الحالة، حتى عند عودتنا إلى الوضع الطبيعي، قد تزداد مخاوف بعض الناس من استخدام وسائل النقل العام، وسيستهلك الذين يواصلون العمل من المنزل مزيدًا من الطاقة.

مع النقص الشديد لاستثمارات التقنيات منخفضة الكربون في القطاعين الخاص والعام، سيصبح الانتقال إلى تقنيات الطاقة الجديدة أقل إلحاحًا للصناعات التي تعاني ضائقةً مالية.

يقول خبير الاقتصاد البيئي كينيث جيلينجهام من جامعة ييل: «وجدت استثمارات كثيرة في السيارات الكهربائية، على سبيل المثال، لكن إذا حاولت الشركات النجاة، فمن غير المرجح أن تجري استثمارات كبيرةً في تقنيات الجيل القادم الجديدة، لأنها لا تعرف: هل ستصل إلى الجيل التالي أم لا؟».

لاستكشاف كيفية تأثير ذلك في الانبعاثات طويلة المدى، أجرى الفريق تمرينًا نموذجيًا توضيحيًا.

توقع المؤلفون أن يؤدي السيناريو الأسوأ خلال 15 عامًا القادمة إلى انبعاث 2500 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون؛ أي ما يقارب 3 تريليون رطل من الفحم المحروق، مسببًا 40 حالة وفاة إضافية شهريًا، أو 7500 حالة وفاة من 2020 إلى 2035.

يشير المؤلفون إلى أن استجابة سياسة الطاقة لكوفيد-19 هي البطاقة القادرة على تغيير كل شيء، حتى لو كان العالم متجهًا لأسوأ سيناريو، فإن زيادة الانبعاثات ليست ثابتة، والحكومات القادرة على تقديم امتيازات محفزة تمتلك الآن فرصًا في استثمار الطاقة النظيفة والنقل العام، مع رفض أي مساومة على الأهداف المناخية.

يقول جيلينغهام: «بالاعتماد على استجابة السياسات فإن العواقب المتعلقة بصحة الإنسان قد تتجاوز كثيرًا الفوائد البيئية قصيرة الأجل التي شهدناها من هذا الاستثمار المؤجل حتى الآن».

اقرأ أيضًا:

كيف يمكن أن تساعدنا الطاقة المتجددة على التعافي اقتصاديًا من الجائحة؟

قد نشهد أكبر انخفاض في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون منذ الحرب العالمية الثانية بسبب فيروس كورونا

ترجمة: الزهراء عمر

تدقيق: راما الهريسي

المصدر