في 7 أبريل 2020، كان أداء طلاب كلية واكو في ولاية تكساس والذين استمعوا إلى موسيقى بيتهوفن وشوبان الكلاسيكية أثناء محاضرة تفاعلية عبر الحاسوب حول الاقتصاد الجزئي ثم استمعوا إليها مرةً أخرى في تلك الليلة، أفضل في الاختبار في اليوم التالي، من أداء زملائهم في نفس المحاضرة والذين ناموا في تلك الليلة مع ضجيج أبيض في الخلفية.

لم يستمر هذا الدعم الموسيقي فترةً طويلة إذ انخفضت الدرجات إلى أدنى مستوياتها عندما خضع الطلاب لاختبار مماثل بعد تسعة أشهر، فشل الجميع وكان متوسط الأداء أقل من 25% للمجموعتين. مع ذلك قال الباحثون إن إعادة تنشيط الذاكرة قد يكون فعالًا أثناء النوم العميق إذ يُعاد نظريًا تنشيط الذكريات ونقلها من الذاكرة المؤقتة في أحد أجزاء الدماغ إلى الذاكرة الأكثر ديمومة في أجزاء أخرى منه.

للاستماع لبيتهوفن أثناء الدراسة أثر كبير عند الامتحان - موسيقى بيتهوفن وشوبان الكلاسيكية - إعادة تنشيط الذاكرة أثناء النوم العميق

نُشرت الدراسة التي تدعمها مؤسسة العلوم الوطنية والتي تولاها مختبر بايلور لعلم الأعصاب أثناء النوم والإدراكSleep Neuroscience and Cognition Laboratory (SNAC) في مجلة البيولوجيا العصبية للتعلم والذاكرة Neurobiology of Learning and Memory.

قال الدكتور مايكل سكولين مدير مختبر بايلور للنوم والأستاذ المساعد في علم النفس وعلم الأعصاب: «يريد جميع المدرسين تعليم الطلاب طريقة دمج المفاهيم لا حفظ التفاصيل فقط، لكن تنفيذ ذلك صعب. لاحظنا تحسّن الأداء في أسئلة التكامل بنسبة 18% في اختبار اليوم التالي بعد برمجة المفاهيم تجريبيًا أثناء النوم، فمن الطالب الذي لا يرغب في دفعة ترفع معدله درجة أو أكثر؟ كانت التأثيرات قويةً بشكل خاص عند المشاركين الذين أظهروا نشاطًا متزايدًا في الفص الجبهي للدماغ أثناء طور النوم البطيء «العميق»».

لاحظ مايكل أن التأثيرات انجلت عند تطبيق الإجراءات القياسية الذهبية، هذه الإجراءات هي: عدم معرفة المشاركين والمجربين من الذي تلقى علاجًا معينًا، وقياس النوم باستخدام جهاز تخطيط كهربائية الدماغ في بيئة المختبر، وأن تكون المواد العلمية مطابقةً لتلك التي تُدرّس في الفصول الدراسية في الكلية مثل محاضرة الاقتصاد الجزئي الجامعية في هذه الحالة.

تنتشر قلة النوم على نطاق واسع عند طلاب الجامعات، إذ ينام 60% من الطلاب عادةً أقل من السبع ساعات الموصى بها في 50-60% من الليالي. بينما يهتم الطلاب أكثر بالنتائج الفورية للاختبار –وقد تساعدهم إعادة تنشيط الذاكرة على الدراسة العجلة للامتحان–، لا يفيدهم الاعتماد على عنصر الذاكرة فقط و«الحفظ كالببغاء» في استيعاب المفهوم وتثبيته.

حشد الباحثون 50 طالبًا جامعيًا تتراوح أعمارهم بين 18 و33 عامًا لإجراء الدراسة وهي تجربة علمية مدتها ليلتين. يتكيّف الطلاب مع المختبر ويخضعون لفحص اضطرابات النوم في الليلة الأولى ثم تُجرى محاضرة تفاعلية عبر الحاسوب بإمكانهم التحكم بسرعتها في اليوم الثاني مساءً مع تخطيط النوم طوال الليلتين.

تُشغّل بواسطة الحاسوب قائمة موسيقى الخلفية أثناء المحاضرة: المقطع الرئيسي لبيتهوفن «ضوء القمر» على بيانو سوناتا، والمقطع الرئيسي لفيفالدي «الربيع» على كمان كونشيتو، والمقطوعة الحالمة لشوبان على سلم مي المنخفض الكبير.

راقب القائمون على البحث في مختبر بايلور للنوم تلك الليلة أنماط النوم في مجموعتي الاختبار وذلك بواسطة وضع الأقطاب الكهربائية واستخدام أجهزة الحاسوب. شُغّلت الموسيقى الكلاسيكية أو الضجيج الأبيض لمدة 15 دقيقة تقريبًا فور ملاحظتهم لدخول الشخص طور النوم العميق وذلك اعتمادًا على كونه ضمن مجموعة الاختبار أو مجموعة المراقبة.

قال سكولين: «لا تدوم موجات النوم البطيئة والعميقة طويلًا قبل العودة إلى النوم الخفيف، لذلك لا يمكن الاستمرار بالعزف لفترة طويلة إذ قد يوقظ العزف أثناء النوم الخفيف المشاركين، وتُعد دورة الموجة البطيئة الأولى الأعمق والأطول».

قال الباحثون إن اختيار نوع الموسيقى أمر هام.

قال سكولين: «استبعدنا موسيقى الجاز لأنها متقطعة جدًا وقد تتسبب في إيقاظ الأشخاص واستبعدنا الموسيقى الشعبية لأن الموسيقى الغنائية تعرقل أساس الدراسة إذ لا يمكن القراءة أثناء غناء الكلمات –بإمكانك تجربة ذلك بنفسك–. استبعدنا أيضًا صوت موجات المحيط وموسيقى الأمبيينت ambient لأنها سهلة التجاهل. إذ ستحتاج لوقت طويل حتى تشكّل ارتباطًا قويًا بين بعض المواد العلمية وأغنية بسيطة أو موسيقى الأمبينت».

وأضاف: «لم يبقَ لدينا إلا الموسيقى الكلاسيكية التي يسمعها الكثير من الطلاب أثناء الدراسة، إذ يمكن لهذه الأغاني أن تكون مميزة جدًا وبالتالي أن تتناسب جيدًا مع المواد العلمية».

رفع إجراء إعادة تنشيط الذاكرة بالموسيقى الكلاسيكية احتمال اجتياز امتحان الاقتصاد الجزئي في اليوم التالي إلى أكثر من الضعف مقارنة بحالة الضجيج الأبيض.

حذر سكولين من الخلط بين نتائج دراسة بايلور وما يسمى «تأثير موزارت»، وهو الاكتشاف الذي ادعى بأن استماع الطلاب إلى أعمال موزارت أدى إلى نتائج أفضل في اختبارات الذكاء. وجدت الاختبارات اللاحقة المتعلقة بـِ «تأثير موزارت» أن هذا التأثير لم يتكرر أو أن الارتفاع في الأداء بفضله كان مجرد نتيجة مباشرة لازدياد الإثارة عند سماع موسيقى محفزة.

قال سكالين «لا يصنع موزارت الذكريات».

وجد الباحثون سابقًا أن الذكريات المرتبطة بإشارات حسية مثل رائحة أو أغنية تتنشط عندما تُستقبل الإشارة نفسها لاحقًا. قال الباحث المشارك تشينلو جاو المرشح لدكتوراه في علم النفس وعلم الأعصاب في بايلور: «تُنشَط الذكريات المتناغمة وتُقوى عندما تُستقبل الإشارة الحسية أثناء النوم العميق».

شغّل الباحثون قديمًا أشرطةً صوتيةً أثناء النوم لاختبار إمكانية اكتساب معارف جديدة أثناء النوم، لكن بينما فشلت تلك التجارب في تكوين ذكريات جديدة، «تقترح دراستنا إمكانية إعادة تنشيط وتقوية ذكريات المحاضرات المخزنة مسبقًا أثناء النوم، خطوتنا التالية هي تطبيق هذه التقنية في الفصول الدراسية أو المحاضرات عبر الإنترنت في الوقت الذي يُكمل الطلاب تعليمهم في المنزل بسبب تدابير التباعد الاجتماعي لمواجهة كوفيد-19 وعليه يمكننا مساعدة طلاب الجامعات على «إعادة دراسة» مواد الفصل أثناء النوم». هذا ما قاله جاو.

أضاف سكولين: «نعتقد أنه قد يكون لإجراء إعادة تنشيط الذاكرة فوائد طويلة الأمد، لكنك قد تضطر إلى تكرار الموسيقى لعدة ليال. في نهاية المطاف، لا تتوقع أن دراسة المواد لمرة واحدة كافية لأن تتذكرها بعد أشهر عند إجراء الاختبار النهائي. أفضل طريقة للدراسة هي التكرار على فترات متباعدة مع الحفاظ على عادات نوم جيدة طبعًا».

اقرأ أيضًا:

كيف تغير الموسيقى من إدراكنا الحسي؟

الموسيقى وتأثيرها على الذكاء

ترجمة: نغم سمعان

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: آية فحماوي

المصدر