يحاول العلماء حل هذا اللغز في معهد الأبحاث الأوروبي سيرن (CERN) في مصادم الهدرونات الكبير، وقد قاموا بنشر القياسات الأكثر دقة حتى الآن لخصائص الأنوية الذرية الخفيفة والأنوية المضادة لها.

– كيف كان يبدو الكون بعد فترة وجيزة من الظهور إلى حيز الوجود؟

تجربة مصادم الأيونات الكبيرة أليس (ALICE) أو (A Large Ion Collider Experiment) في سيرن تتعامل مع هذا السؤال، حيث يقوم الباحثون في أكبر مسرع جسيمات في العالم مصادم الهدرونات الكبير (Large Hadron Collider) (LHC) بمصادمة أنوية الرصاص مع البروتونات بأعلى حزم الطاقة على الإطلاق.

تصل درجة الحرارة الناتجة من التصادم إلى 100 ألف مرة أعلى من درجة حرارة مركز الشمس، تقول لورا فابيتي (Laura Fabbietti) أستاذة الفيزياء التي تترأس مجموعتي أليس التجريبية في جامعة ميونخ التقنية مع الدكتور تورستن داهمز (Torsten Dahms): «الظروف الناتجة في التجربة؛ مشابهة جدًا لتلك الظروف التي تلت الانفجار العظيم بوقت قصير».

يعتقد العلماء أنه في بداية الكون ربما تشكل ما يسمى حالة الكوارك -غلون- بلازما (QGP) خلال مايكروثانية بعد الانفجار العظيم، وهي اللحظة التي كان فيها الكون يتسع بسرعة كبيرة، لذا فإن حالة الكوارك -غلون- بلازما المنتجة في التجربة بالرغم من أنها مستقرة فقط لجزء صغير من الثانية؛ إلا أنها تتيح الفرصة للباحثين للنظر إلى ماضي الكون.

– لا تزال مسألة عدم التماثل بين المادة والمادة المضادة لغزًا محيرًا:

من ناحية أخرى، فإن تجربة أليس تجعل من الممكن الوصول إلى واحدة من أكبر أسرار الجنس البشري، وفقًا لنظرية الشحنة والتكافؤ والزمن (CPT theorem) هنالك تناظر أساسي بين الجسيمات والجسيمات المضادة في الكون.

على وجه التحديد، لا ينبغي أن يكون هنالك فرق بين كوننا وكون آخر تكون فيه الجسيمات المضادة بدلًا من الجسيمات والعكس بالعكس، إذا كان الكون مقلوب أيضًا في الزمان والمكان.

ولكن لا بدّ من وجود اختلاف، لأن النظرية تقول أن كميات متساوية من المادة والمادة المضادة كان ينبغي أن تنتج خلال الانفجار العظيم، وعندما تلتقي الجسيمات والجسيمات المضادة فإنها تبيد بعضها البعض، مع ذلك في الوقت الحاضر نحن نراقب الجسيمات فقط تقريبًا، لذا يجب أن يكون هنالك عدم توازن.

– القياسات الأكثر دقة حتى الآن:

يبحث الفيزيائيون عن خلل في نظرية الشحنة والتكافؤ والزمن التي من شأنها أن تساعد في حل لغز عدم التماثل بين المادة والمادة المضادة الموجودة في الكون.

يقول الدكتور تورستن داهمز الذي يترأس مجموعتي أليس التجريبية في جامعة ميونخ التقنية مع لورا فابيتي: «في تجربة أليس يحاول الباحثون إيجاد اختلاف عن طريق قياسات عالية الدقة لخصائص المادة والمادة المضادة التي تنتج من تصادم الجسيمات في مصادم الهدرونات الكبير».

في الدراسة الحالية، تحقق الباحثون من نسبة الكتلة إلى الشحنة لأنوية الهيليوم -3 وأنوية الديوتريوم مع الجسيمات المضادة لكل منهما.

يتم حساب الشحنة والكتلة عن طريق قياس آثار الجسيمات وفقدان الطاقة النوعية للجسيم داخل كاشف غازي يسمى (TPC) (Time Projection Chamber)، لذلك فإن كاشف (TCP) هو قلب نظام كاشف أليس.

النتائج المنشورة في مجلة الفيزياء الطبيعية (Nature Physics) تمثل القياسات الأكثر دقة حتى الآن في هذا المجال، وهي تؤكد نظرية الشحنة والتكافؤ والزمن.

يعمل الباحثون حاليًا على إضافة تحسينات على أجهزة كواشف أليس لغرض جعل التحقيقات أكثر دقة.

تقول فابيتي: «في الوقت الحالي، يمكننا تسجيل 500 تصادم في الثانية وقريبًا ستكون 50 ألف تصادم في الثانية الواحدة».

ومن المقرر تركيب أجهزة الكشف الجديدة في عام 2018.


  • إعداد: سرمد يحيى
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير:عيسى هزيم
  • المصدر