هذا السؤال حيّر العلماء والفلاسفة منذ عصور اليونانيين القدماء. الزمكان عمومًا رباعي الأبعاد، وهو المكان (ثلاثي الأبعاد) + الزمان (البعد الرابع). من المعروف أن البعد الزمني مرتبط بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية (هذا القانون باختصار يعني أن العشوائية Entropy تزداد طبيعياً، ولا يمكن عكسها)، فالزمن له اتجاه أحادي، (للأمام) وليس كالمكان الذي يمكن أن يكون باتجاهين، وهو ما يُسمى علمياً بالمتجه الزمني.

لو أردنا أن نفهم العشوائية، يمكن أن نشبهها بنقطة الحبر التي ما إن تنزل في كوب من الماء حتى تنتشر، وتستمر في الانتشار بمرور الوقت، دون القدرة على استرجاعها نقطة حبر متماسكة  مرة ثانية.

رجّح العلماء مؤخراً إمكانية أن يشرح القانون الثاني للديناميكا الحرارية سبب ثلاثية أبعاد المكان.

يقول المؤلف المشارك في الرسالة العلمية، جوليان غونزاليز-أيالا Julian Gonzalez-Ayala، من معهدNational Polytechnic  في المكسيك، وجامعة سالامانكا في إسبانيا: “إن أهمية هذا البحث تتلخص في محاولة الخروج باستنتاج مبني على نموذج مادي للأبعاد الكونية، مع سيناريو مناسب وعقلاني للزمكان”.

يرجّح العلماء أن المكان ثلاثي الأبعاد بسبب أحد مقاييس الديناميكا الحرارية يُسمى مقياس هيلمهولتز لكثافة الطاقة الحرة، الذي تحدث عنه الفيزيائي الألماني هرمان هلمهولتز.

في كون مليء بالإشعاع، يمكن تصوّر هذه الكثافة على أنها نوع من الضغط على المكان ككل والذي يعتمد على حرارة الكون، وعدد أبعاده المكانية.

يظهر العلماء في هذا البحث، أنه ما إن بدأت درجة حرارة الكون في الانخفاض في اللحظات التي تلت الانفجار الكبير، وصلت كثافة هيلمهولتز لأول قيمة قصوى لها، في درجة حرارة شديدة الارتفاع هي درجة حرارة الكون حين كان عمره كسور من الثانية، وحين كان عدد الأبعاد المكانية تقريبًا ثلاث.

الفكرة الرئيسية هنا أن الفراغ ثلاثي الأبعاد كان في حالة جمود في لحظة وصول كثافة هيلمهولتز إلى أول قيمها القصوى، وهو مامنعه الفراغ من الانتقال إلى أبعاد أخرى.

يعود السبب إلى أن القانون الثاني يسمح بالانتقال إلى أبعاد جديدة فقط عندما تكون الحرارة أعلى. وبما أن الكون في برود مستمر، فإن الحرارة الحالية أقل بكثير من درجة الحرارة اللازمة للانتقال من الأبعاد الثلاثة إلى أبعاد إضافية.
من هنا، يفسر العلماء الأبعاد المكانية، بأنها مشابهة لمراحل المادة، حيث الانتقال إلى أبعاد جديدة، يشبه المرحلة الانتقالية (ذوبان الثلج مثلاً)، والتي لا تحدث إلا في درجة حرارة مرتفعة. في عملية برودة الكون (في بداياته)، يمكن أن يكون مبدأ زيادة العشوائية في النظم المغلقة (مثل الكون) هو السبب في عدم تغير الأبعاد.

هذا الاقتراح لا ينفي إمكانية نشوء بعض الأبعاد الإضافية، في الجزء الأول من الثانية بعد الانفجار الكبير. الأبعاد الإضافية موجودة في العديد من النماذج الكونية، لعل أبرزها نظرية الأوتار.

هذه الدراسة، تساعد بشكل أو بآخر، في فهم السبب وراء تقلص الأبعاد الإضافية (أو بقائها في حجم ضئيل جداً)، رغم توسع الفضاء ثلاثي الأبعاد بشكل متواصل، ليشمل الكون بكامله.

في المستقبل، يتطلع العلماء إلى تحسين النماذج لتشمل تأثيرات كمية إضافية، والتي قد تكون حدثت في أول جزء من الثانية بعد الانفجار الكبير، وهي ما تُعرف بحقبة بلانك (أقرب حقبة لبداية الزمن).

بالإضافة إلى ذلك، فإن نتائج هذه النماذج الأشمل، يمكن أن تكون بمثابة المرشد، للباحثين في نماذج كونية أخرى، مثل الجاذبية الكمية.