تبلغ سرعة الضوء في الفراغ 299792458 مترًا في الثانية، هذا ما اتفق عليه العلماء عام 1975.

ولكن لماذا علينا أن نستقر على هذا الرقم؟ وما الذي يهمّنا في الموضوع؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، كان علينا أن نجوب في مفاهيم الزمان والمكان والفيزياء والقياسات.

ومع هذا كلّه لم نستطع أن نأتي على كامل الحكاية بعد.

فالدراسات الحديثة تدعونا أن نشكك في الرقم المعطى لسرعة الضوء لأوّل مرّة منذ قرون.

ولكن لنبدأ أوّلًا ببعض الأحداث التاريخية: في بدايات القرن السابع عشر، أُجمِعَ على عدم وجود سرعة للضوء، فهو يظهر بشكل فوري، فإمّا أن يكون موجودًا أو لا.

في الستينيات واجهت هذه الفكرة تحدّيًا جدّيًّا. أّوّلًا من قبل العالم الهولندي إسحق بيكمان (Isaac Beeckman) عام 1629، الذي أعدّ سلسلة من المرايا المحيطة بانفجارات بارود ليرى إن كان سيلاحظ أيّ اختلاف عند ظهور ومضات الضوء.

ولسوء حظ بيكمان والتطور العلمي لم تأت التجربة بنتائج حاسمة. ولكن بعدها عام 1676 لاحظ عالم الفلك الدنماركي أولي رومر (Ole Rømer) تغيّرات غريبة في مواعيد كسوف أحد أقمار المشتري على مدار السنة.

هل يمكن أن يكون سبب هذا التغيّر أنّ المدّة التي يأخذها الضوء ليصل من المشتري إلى الأرض أطول عندما تكون الأرض في مكان أبعد؟ ظنّ رومر أنّ هذا هو السبب وقد قدرت حساباته سرعة الضوء بما يقارب 220000 كيلومترًا في الثانية، وهذا ليس تقديرًا سيّئًا البتّة، خصوصًا أنّه في ذلك الوقت لم تكن البيانات المتعلّقة بأحجام الكواكب بالدّقّة المطلوبة.

استطاعت الإختبارات المتتالية على أشعّة الضوء على كوكب الأرض أن تقرّب العلماء من الرقم الصحيح، ولاحقًا في منتصف الثمانينات قدّم الفيزيائي جايمس كليرك ماكسويل (James Clerk Maxwell) معادلات ماكسويل-وهي وسيلة لحساب الحقول الكهربائية والمغناطيسية في الفراغ.

أثبتت معادلات ماكسويل الخصائص الكهربائيّة والمغناطيسيّة للفراغ، وبعد ملاحظة أنّ سرعة موجات الأشعّة الكهرومغناطيسيّة التي لا كتلة لها متقاربة للغاية من سرعة الضوء، اقترح ماكسويل أنّها قد تكون متطابقة تمامًا.

تبيّن أنّ ماكسويل كان على حقّ، ولأوّل مرّة على الإطلاق أصبحنا قادرين على قياس سرعة الضوء اعتمادًا على ثوابت أخرى في الكون.

وفي الوقت ذاته، اقترح ماكسويل أنّ الضوء هو بحدّ ذاته موجة كهرومغناطيسية، وبعد أن تمّت الموافقة على فكرته، اختارها ألبرت أينشتاين (Albert Einstein) عام 1905 ليدرجها في نظريّته النسبيّة الخاصّة.

في يومنا هذا تعتبر سرعة الضوء المعروفة ب C ركنًا أساسيًّا في نظريّة النسبيّة الخاصّة. بعكس الزمان والمكان فإنّ سرعة الضوء ثابتة ولا تعتمد على المشاهد.

وماذا بعد؟ فإنّ هذا الثابت (سرعة الضوء) يعزّز الكثير ممّا نفهمه عن الكون. فإنّ هذه السرعة هي سرعة الموجات الثقاليّة. ونعم، إنّها نفس ال C التي نستخدمها في المعادلة الشهيرة: E=mc2.

ومع ذلك، فنحن لا نعتمد فقط على كلام ماكسويل وأينشتاين فيما يتعلّق بماهيّة سرعة الضوء. فقد قام العلماء بقياسها عبر ارتداد أشعّة الليزر عن بعض الأجسام، ومراقبة كيفيّة عمل الجاذبية على الكواكب. كلّ هذه الاختبارات أوصلتنا إلى نفس النتييجة.

ولكن القصة لا تنتهي عند هذا الحدّ، بفضل نظريّة الكمّ، هذا الفرع من الفيزياء الذي يشير أنّ الكون ليس بثابتٍ كما نظنّ.

فنظريّة الحقل الكمّي تقول أنّ الفراغ ليس فارغًا بالمرّة: بل إنّه مليء بالجسيمات الأوّليّة، التي تُخلق وتَفنى بسرعة. وهذه الجسيمات تولّد تموّجات كهرومغناطيسيّة، وتنصّ الفرضيّة أنّ هذه التموّجات قد تؤدّي إلى تبدّل في سرعة الضوء.

ولا تزال الدراسات المتعلّقة بهذه الأفكار مستمرّة، ونحن لا ندري على وجه اليقين أيّها صحيح. فتبقى سرعة الضوء في الوقت الراهن كما كانت على مدار قرون، محدّدة وثابتة… ولكن ابقوا متنبهين لما يحمله الفضاء.


ترجمة: منال جابر
تدقيق: خليل حسن
تحرير: محمد سمور
المصدر