مع ازدياد التحديات الأمنية الواضحة في مدار الأرض، تحذو معظم الدول حول العالم حذو الولايات المتحدة الأمريكية في إنشاء «قوات فضائية». وُلدت قوة الفضاء الأمريكية قبل تسعة أشهر، في ديسمبر عام 2019، وقد مثلت فرعًا عسكريًا جديدًا لحماية الأقمار الصناعية التابعة للولايات المتحدة، والممتلكات الفضائية الأخرى، التي تعد غايةً في الأهمية في جميع المجالات، من التواصل اليومي إلى قضايا المتعلقة بالأمن القومي.

اليوم، تتبع دول فرنسا وكندا واليابان المسار نفسه، وقد صرح بذلك رؤساء القوة الفضائية لهذه الدول في 10 سبتمبر، خلال المؤتمر الثاني لاستخدام الفضاء المُستدام، وهو حدث على شبكة الإنترنت تستضيفه مؤسسة العالم الآمن غير الربحية.

إذن لماذا تريد هذه الدول -إضافةً إلى دول عظمى كروسيا والصين- وجودًا عسكريًا في الفضاء؟

قال اللواء جون شو، قائد قوات الفضاء المشتركة والعمليات الفضائية الأمريكية: «يشبه الأمر السؤال عن امتلاك الدول ذات الحدود البحرية أو المحيطية قوات بحرية. إنهم يريدون حماية كل الأنشطة وردع التهديدات، لا أحد يريد حربًا في الفضاء».

لماذا تريد جميع الدول قوة فضائية - تحذو معظم الدول حول العالم حذو الولايات المتحدة الأمريكية في إنشاء قوات فضائية - الأقمار الصناعية - قوة الفضاء

تهديدات الفضاء

أوضح شو أن التهديدات التي تنوي الولايات المتحدة ردعها ليست نظريةً، بل بدأت بالظهور بالفعل، فمثلًا، في إبريل ثم في يوليو، رصدت قوة الفضاء إجراء تجربة روسية لصاروخ مضاد للأقمار الصناعية في مدار الأرض المنخفض، وقد صرح شو: «إن تجربة إبريل تُعد مثالًا على حقيقة تهديدات أنظمة الفضاء الأمريكية والحليفة، وخطرها وتزايدها».

لا تُعد التجارب على الأقمار الصناعية في محيط الأرض المنخفض نادرةً، وقد كانت روسيا تجرب ما يشبه الطوربيد الفضائي، وفقًا لشو.

أضاف شو: «أستطيع إضافة تهديدات كثيرةً رأيناها على امتداد الفضاء، ومن الأدلة على ذلك تزايد أجهزة التشويش الطيفية الكهرومغناطيسية». إذ تتعمد أجهزة التشويش مقاطعة المعلومات المُرسَلة من الأقمار الصناعية في محيط الأرض وإليها.

في حين تعمل قوة الفضاء الأمريكية بجد لمحاربة التهديدات، تتبع دول أخرى النهج نفسه، فقد قال رئيس قوة الفضاء الفرنسية اللواء ميشيل فريدلينغ خلال المؤتمر: «نتشارك الأهداف ذاتها»، وقال العميد مايك أدامسون قائد قوة الفضاء الكندية التابعة لوزارة الدفاع القومي خلال المؤتمر: «نسعى لنتحقق من أننا مشاركون حقيقيون، ولضمان موقعنا على الطاولة».

تهديدات تزايد الأقمار الصناعية

من جهة أخرى، لا تعد التهديدات الخطيرة من الدول الأخرى موضع القلق الوحيد للولايات المتحدة، إذ تسبب مجموعات الأقمار الصناعية التابعة للشركات الخاصة مشكلةً خطيرةً.

قال شو: «يُعد تزايد الأقمار الصناعية التجارية في محيط الأرض المنخفض أخطر التهديدات لاستدامة الفضاء لأسباب عديدة، وقد تنتج تهديدات هذه الأقمار عن التحكم الخاطئ فيها».

بدأت شركة سبيس إكس حديثًا بإطلاق عدد كبير من الأقمار الصناعية في مدار الأرض المنخفض، وذلك لإنشاء سرب من الأقمار الصناعية يُسمى ستارلينك، بغرض توفير خدمة الإنترنت للعالم بأسره.

أطلقت سبيس إكس حتى الآن ما يزيد على 700 قمر صناعي تابع لمجموعة ستارلينك، إذ تملك شركة إيلون ماسك موافقةً من هيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية لإطلاق 12 ألف قمر صناعي في محيط الأرض، وقد ترغب في زيادة هذا العدد يومًا ما لتوسعة المجموعة.

تملك شركات أخرى ذات الطموح. فمثلًا، تتطلع شركة أمازون إلى إطلاق 3200 قمر صناعي لإنشاء أبراج إنترنت «مشروع كايبر».

يسبب وجود هذا العدد الكبير من الأقمار الصناعية في محيط الأرض عدة أخطار، كتزايد النفايات الفضائية. ومع أن مجموعة ستارلينك الخاصة بسبيس إكس مُصممة لتهبط في مدار الأرض وتحترق في غلاف الأرض الجوي بمرور الوقت، فإن هذا العدد الكبير للمركبات الفضائية في المدار في الوقت نفسه يزيد احتمالية التصادمات، ما قد يخلق حطامًا كبيرًا، يشكل لاحقًا تهديدًا محتملًا لسائر الأقمار الصناعية.

أشار شو إلى أن قوة الفضاء تتطلع إلى رؤية المزيد من الأقمار صناعية ذات الأغراض العلمية في مدار الأرض.

أوضح شو أنه مع كل هذه الأقمار الصناعية المتوقع إطلاقها، تريد قوة الفضاء أن تضمن جودة تصميمها حتى لا تشكل خطرًا سابحًا في مدار الأرض، وقال: «إننا نتوسع باستمرار في كل المجالات، فكيف نفعل ذلك بمسؤولية؟».

هذا مصدر قلق للدول الأُخرى التي بدأت بإنشاء أقسامها العسكرية في الفضاء.

سأل فريدلينغ عن كيفية التنسيق مع القطاع الخاص، إذ يجب أخذ الأمر في الحسبان، وقد أشار إلى موضوع حماية الأقمار الصناعية العلمية متسائلًا: «هل يريدون الحماية أم المرافقة؟»، مقارنًا هذه الأقمار بالسفن الخاصة التي رافقتها القوافل خلال الحرب العالمية الأولى لحمايتها من هجوم العدو باستخدام غواصات جديدة في ذلك الوقت.

أبدى ممثلو جيش الفضاء، كاللواء هيرواكي ساكاناشي، المدير العام لمجموعة تطوير البرامج الناشئة في مكتب الأركان الجوية في اليابان، موافقتهم على أساس التعامل مع هذه المخاوف بالجهود الحربية الفضائية.

وقال شو: «ندعو إلى الصراع عند وجود ضعف، ونردعه بوجود القوة، وهذا طريقنا». وأضاف أن هذا النهج سيقودنا إلى حالة أكثر استقرارًا تتصدى لتهديدات الفضاء، ورد أدامسون موافقًا: «ستسير كندا على الطريق نفسه».

اقرأ أيضًا:

قد يتمكن القراصنة من تعطيل الأقمار الصناعية أو تحويلها إلى سلاح!

لماذا لا نرى أي أقمار صناعیة في الصورة التي نلتقطها للأرض؟

ترجمة: وسام برهوم

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر