كنت أُجري محادثة بسيطة مع أحد مرضاي في عيادتي هذا الأسبوع عن حُلول فصل الربيع أخيرًا، كان يبدو طبيعيًا تمامًا وعبر عن حماسه بعودته مجددًا للعب الغولف، لكن حالما بدأنا في مناقشة أمور معينة تخصّ لعبة الغولف ومسائل أخرى بدا جليًّا أنه يعاني صعوبة في فهم ما أقول.

أحد الأسباب الشائعة لصعوبة الفهم هو ضعف السمع، لكن أحيانًا يكون السبب عند بعض الأفراد على مستوى الذاكرة والإدراك، أي أن المشكلة تكمن في الاستيعاب وليس في السمع.

إن اللغة الإدراكية سمة أساسية عند الجنس البشري، ونحن نتعلم اللغة بشكل تلقائي دون أي جهد خلال مراحل نمونا وبلوغنا، وجزء مما نتعلّمه هو كيفية بناء الجملة وقواعد اللغة، لكن أغلب ما تعلّمناه هو المفردات، وفي الحقيقة فإن تعلم المفردات يشكل جزءًا أساسيًا في عملية الإدراك لدرجة أن له نظامًا خاصًا به يدعى الذاكرة الدلالية، ومصطلح “دلالي” يشير إلى ارتباط نظام الذاكرة هذا بمعاني الكلمات.

بالتالي فإن ذاكرتنا الدلالية هي التي تجمع الأصوات التي تشكل كلمة منطوقة “تفاحة مثلًا” (أو التي تضع صورة الرمز البصري لكلمة “تفاحة” على الورقة) مع الثمرة نفسها التي قد تكون حمراء، أو خضراء، أو صفراء، وتملك كلا الطعمين الحلو والحامض، وتصدر صوت تلك القرمشة الرائعة عندما تأخذ قضمة منها.

هناك دراسة أُجريت عام 1996 قدمت دليلًا دامغًا على أن ذاكرتنا الدلالية -معرفتنا للكلمات- تُخزّن في الفصّين الصدغيين للدماغ. يتوضع الفصان الصدغيان على جانبي الرأس خلف العينين تمامًا، وحسب الدراسة فإن الأشخاص الذين أصيبوا بجلطات تسبّبت بضرر على مستوى فصّهم الصدغي عانوا من صعوبة في تسمية الأشخاص وتسمية الأشياء أيضًا.

وأكثر من ذلك، فإن الأشخاص الذين عانوا من ضرر في الجزء الأمامي من الفص الصدغي، أي الجزء الأقرب للعين، كانت معاناتهم الأكبر هي في تسمية الأشخاص.

أما الذين عانوا من ضرر في الجزء الخلفي، أي الجزء الأقرب لخلف الرأس، فقد كانت الصعوبة الأكبر تكمن في تسمية الأدوات (الأشياء المصنوعة من قبل الإنسان)،أما من عانى صعوبة كبيرة بتسمية الحيوانات، كان الضرر لديه في الجزء المتوسط من الفص الصدغي.

كما بحثت الدراسة في أجزاء الدماغ التي تتفعّل عند سؤال الأفراد عن أسماء الأشخاص والأدوات والحيوانات، وكما هو متوقع فقد وجدوا نفس أنماط التفعيل في الفص الصدغي، تسمية الأشخاص تُفعِّل الجزء الأمامي، تسمية الأدوات تُفعِّل الخلفي، وتسمية الحيوانات تُفعِّل الجزء المتوسط.

تُعدُّ مشكلة تذكّر أسماء الناس مشكلة شائعة، وتصبح أكثر شيوعًا مع التقدم في العمر، ومن المرجّح أن السبب وراء ذلك مرتبط بحقيقة أن الجزء الأمامي في الفص الصدغي ينكمش مع التقدّم بالعمر، لذا فإن صعوبة تذكّر أسماء الناس عند كبار السنّ تُعدُّ أمرًا طبيعيًا أحيانًا.

لكن ما يُعتبر غير طبيعي هو إيجاد صعوبة في تسمية الحيوانات والأدوات والكلمات الشائعة الأخرى، أو مواجهة صعوبة بفهم ما تعنيه هذه الكلمات.

هل تجد نفسك دائمًا تملأ بالكلماتِ الفراغاتَ في مواطن سكوت والدتك أو جدك لأنك معتادٌ على سكتاتهم أثناء حديثهم؟ يُعدُّ ذلك ظاهرة شائعة، حينما يعاني أحد أفراد العائلة صعوبة في تذكّر الكلمات أثناء حديثه، نجد دائمًا فردًا آخر معتادًا وبشكل تلقائي على تلقينهم وتذكيرهم بالكلمات.

هل تجد نفسك تستخدم الكثير من الكلمات البسيطة أو تصف الأشياء بأكثر من طريقة عندما تتحدّث مع والدك أو جدتك؟ ذلك يشير غالبًا إلى وجود نقص في الإدراك -عدم فهم معاني بعض الكلمات- ولهذا السبب فقد اعتدت على الشرح البسيط وبأكثر من طريقة لكي يستطيعوا فهمك.

إن أشيع اضطراب يؤدي لحدوث مشاكل وصعوبات في إيجاد الكلمات واستيعابها هو مرض ألزهايمر، رغم أنه يبدأ عادة بنسيان الأحداث التي حصلت حديثًا، تكون مشاكل اللغة هي غالبًا العرض الذي يلي ذلك.

هناك اضطرابات أخرى تُحدث ضررًا على مستوى الذاكرة الإدراكية مؤدية لحدوث صعوبات بإيجاد واستيعاب الكلمات، فبالإضافة للجلطات الدماغية وألزهايمر، هناك نوع نادر من الخرف ويدعى بالخرف الإدراكي يقود لحدوث مشاكل لغوية وتكون هذه المشاكل هي أولى أعراضه.

في النهاية، أودّ التنويه إلى أنه حتى مع وجود هذه الصعوبات في الاستيعاب، لا يزال باستطاعتنا التواصل مع أحبائنا على نحو فعال باستخدام كلمات مختلفة وبطرق أخرى قد أتحدث عنها في مقالات قادمة.

كاتب المقال هو الطبيب آندرو بودسن، أستاذ في علم الأعصاب بجامعة بوسطن، ومُحاضر في علم الأعصاب بجامعة هارفارد، ومسؤول علم الأعصاب السلوكي والمعرفي في منظمة الرعاية الصحية المعنية بشؤون المحاربين القدامى في بوسطن.


  • ترجمة: عمر اسماعيل
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: رؤى درخباني

المصدر