بدأت في الأسابيع الماضية كميةٌ من الأخبار المزيّفة بالظهور؛ إذ تمَّ تداولُها على الإنترنت في الشهر الأخير من السباق الرئاسيّ، وهو الوحي المزعج الذي يهدّد بتقويض العمليّة الديموقراطيّة في البلاد (أمريكا).

وها نحن نرى بعضَ العواقب لهذه الأخبار في العالم الواقعيّ. فبعد أن نُشِرَت قصصٌ إخباريّةٌ مزيّفةٌ تشير إلى تورُّط المرشّحة الديمقراطيّة السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون في نشاط عصابةٍ تستغلُّ الأطفالَ جنسيًّا (في محلٍّ للبيتزا في العاصمة واشنطن).

أقدم رجلٌ يحمل بندقيّةً هجوميّةً من طراز AR-15 على الدخول للمتجر في الرابع من كانون الأوّل «للتحقيق» في الموضوع وقام بإطلاق عياراتٍ ناريّةٍ.

وقد ركَّز جزءٌ كبيرٌ من التحليلات على الأشخاص الذين يفبركون هذه المقالاتِ الزائفةِ مثل موقع «المراهقون في مقدونيا» و «المواقع الإخباريّة الساخرة» وما يستطيع فيسبوك-Facebook وكوكل-Google فعلَه لمنع نشرها.

ولكنَّ الأخبارَ المزيّفةَ لن تكون مشكلةً ما لم يصدّقْها الناس ويشاركوها. وإذا لم نفهمِ الخلفيّةَ النفسيّةَ لاستهلاك الأخبار على الإنترنت فلن نتمكّنَ من إيجاد علاجٍ لما تسمّيه صحيفةُ نيويورك تايمز «الفيروس الرقميّ».

يقول البعض إنَّ «الانحيازَ التأكيديّ-Confirmation bias » هو أساس المشكلة، وهو فكرةُ أنّنا نسعى لانتقاء معلوماتٍ تطابق معتقداتِنا، أمّا الحقيقةُ فلتذهبْ إلى الجحيم. ولكنّ هذا لا يشرحُ لماذا نسقط فريسةً للأخبار المزيّفة التي تتناول قضايا غيرَ موضوعيّةٍ.

يُوجد تفسيرٌ أكثرُ معقوليّةً وهو عدم اهتمامنا النسبيّ بمصداقيّة مصدر الأخبار. فقد مضى أكثرُ من عقدين على بداية دراستنا للخلفيّة النفسيّة لاستهلاك الأخبار على الإنترنت، وبعد إجراء العديد من التجارب فقد توصّلنا إلى نتيجةٍ صادمةٍ ألا وهي عدمُ اهتمام قُرّاء الأخبار على الإنترنت بأهميّة المصادر الصحفيّة! وهو ما نشير إليه في الأوساط الأكاديمية بمصطلح «حراسة البوّابة الإعلاميّة باحترافيّة-professional gatekeeping ».

إنَّ نزعةَ اللامبالاة- laissez-faire attitudeهذه لدى قرّاء الأخبار على الإنترنت إلى جانب صعوبة تمييز مصادر الأخبار على الإنترنت تشكِّلان السببَ الرئيسيَّ وراءَ هذا العدد الكبير من الناس الذين يصدِّقون الأخبار المزيّفة.

هل يعتبرُ الناس أنَّ محرِّري الأخبار أهلٌ للثقة؟

تمَّ تداولُ الأخبار المزيّفة عبر الإنترنت منذُ بداياته؛ ففي الثمانينات، كانت هناك مجموعاتُ نقاشٍ على الإنترنت سُمّيت بمجموعات يوزنيت-Usenet الإخباريّة، حيث تُشاركُ الخدعُ بين مجموعات من مُنظِّري نظريّة التآمر ومروِّجي الأحاسيس-sensation-mongers.

تُنشر تلك المؤامراتُ أحيانًا في وسائل الإعلام الرئيسيّة. فقبل عشرين عامًا ظهر بيير سالينجير -وهو السكرتير الإعلاميّ السابق للرئيس جون كينيدي- في التلفاز مدّعيًا إسقاطَ الرحلة «800 «TWAبصاروخٍ أطلقته البحريّةُ الأمريكيّة بناءً على وثيقةٍ أُرسِلت إليه عن طريق البريد الإلكترونيّ.

إلّا أنّ حدوثَ تلك الهفوات كان أمرًا نادرًا بسبب وجود المراقبين-Gatekeepers في التلفاز والجرائد. وفي حال حدثت، تُسحب بسرعةٍ إذا لم يتمَّ التأكّدُ من الحقائق .

واليومَ، في عصر وسائل التواصل الاجتماعيّ، تصل إلينا الأخبارُ عن طريق العديد من المنابر على الإنترنت. أمّا المراقبون التقليديّون فقد وُضعوا جانبًا؛ حيث يستطيع السياسيّون والمشاهيرُ اليومَ الوصولَ مباشرةً للملايين من متابعيهم.

عندما يصبح الأصدقاءُ والذاتُ هما مصدر الأخبار:

عند قراءة الأخبار على الإنترنت فإنَّ أقربَ مصدرٍ عادةً هو أحد الأصدقاء. ولأنّنا نميل إلى الثقة بأصدقائنا، فإنَّ تفكيرَنا الإدراكيَّ يصبح أضعفَ، ممّا يجعل وسائلَ التواصل الاجتماعيِّ أرضًا خصبةً للأخبار المزيّفة التي تتسلّلُ إلى وعينا.

يتضاعف تأثير الإغراء المُقنع للأقران-persuasive appeal of peers مع حقيقة أنَّ تفكيرَنا الإدراكيَّ يصبح أضعفَ عندما نصادف أخبارًا في مساحتنا الشخصيّة على الإنترنت.

إنَّ أغلبَ وجهاتِنا على الإنترنت توفِّر لنا بشكلٍ متزايدٍ أدواتَ تخصيصِ (انتقاء) البحث-Customize search tools كالمواقع البوابيّة مثل «أخبار ياهو-Yahoo و أخبار كوكل»، ووسائل التواصل الاجتماعيّ، ومواقع البيع بالتجزئة، ومحرّكات البحث، وتُكيُّفها لتناسبَ اهتماماتِنا الشخصيّةَ وهويّتَنا.

ويظهرُ بحثُنا أنّ مستخدمي الإنترنت يكونون أقلَّ ريبةً تجاهَ المعلومات التي تظهر في بيئات البحث المخصّص تلك.

اكتشفنا مع طالبٍ سابقٍ اسمه «هيونجين كانغHyunjin Kang  » في تجربةٍ تتعلّق بالموضوع نُشرت في صحيفة «Media psychology» أنَّ المشاركين في الدراسة والذين قاموا بانتقاء الأخبار التي تظهر لهم في صفحاتهم الرئيسيّة يكونون أكثرَ ميلًا لتقبُّل عباراتٍ مثل «أعتقد أنَّ الواجهةَ التي أراها في هذا الموقع هي تعبيرٌ حقيقيٌّ عنّي» و «أشعر بأنَّ موقعَ الويب يمثّل جوهرَ قيمي الشخصيّة».

أردنا أن نرى ما إذا غيّرت هذه الهوية الذاتيّة المحسّنة (تخصيص الأخبار التي تظهر في صفحة المستخدمين الرئيسيّة) من طريقة استقبالهم للمعلومات. لذلك قمنا بعرض أخبارٍ عن قصصٍ صحيّةٍ مزيّفةٍ (التأثيرات الجانبيّة لاستخدام واقٍ من أشعّة الشمس وشرب الحليب المُبَستر) في صفحاتهم الرئيسيّة.

وقد تبيّن أنّه من غير المُرجّح أن يقوم المشاركون الذين خصّصوا بوابة الأخبار التي تظهر في صفحاتهم الرئيسيّة بالتدقيق في الأخبار المزيفة بل تزيدُ احتماليّة تصديقهم لها. وهناك المزيد، فقد أظهروا استعدادًا للعمل بالنصيحة المقدَّمة في القصص «أنا أنوي أن أتوقّف عن استخدام الواقي الشمسيّ» بل ونصحوا أصدقاءهم أن يفعلوا الشيء نفسه.

تفسّر تلك النتائجُ سببَ ازدهار الأخبار المزيّفة على الفيسبوك وتويتر، ومواقع التواصل الاجتماعي.

لا يمكننا التمييز بين الأخبار الحقيقيّة والأخبار المزيّفة لأنّنا لا نشكِّك حتّى في مصداقيّة مصدر الأخبار عندما نقرأ من الإنترنت؛ فلماذا قد نفعل ذلك إذا كنا نرى أنفسَنا أو أصدقاءنا المصدرَ؟!


  • ترجمة: همام مهدي
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر