نتعرض في بعض الأحيان للتجاوز على خصوصياتنا عن طريق النصائح التي لم نطلبها، فحتى أكثر النصائح الحميدة والمحببة تصبح غير محمولة. أنا وزوجتي نعيش حياةً زوجية هانئة، وأحد أسباب الهناء الذي نعيش فيه هو أننا تعلمنا أن نتجنب إعطاء الآخرين نصائح لا يرغبون بها.

أتذكر إحدى الخطوات المبكرة في عملية التعلم هذه، عندما كنا عائدين إلى المنزل بعد مشاهدة فيلم وكانت زوجتي تقود، لاحظت أنها كانت تُبقي السيارة في الترس الثاني بينما كان من الواضح أنه يجب عليها الانتقال إلى الترس الثالث أو حتى الرابع، بطريقةٍ غبيةٍ أخبرتها بذلك، لم تقل شيئا لكن أسلوبها الجاف في التحول والصمت الذي ملأ المكان في الدقائق التالية أخبر بالكثير. وقالت: «صديقي انظر، أنا أقود السيارة منذ سنوات، ولست بحاجة إليك لتعلمني القيادة. هل كان عليك حقا مقاطعة محادثتنا عن الفيلم الآن لتخبرني كيف أقود!»، وكان ذلك فقط بعد ما قلت بلطف: «عزيزتي، أعتقد أنه يجب عليكي أن تضعي السيارة في ترس أعلى؛ فستحصلين على أميال غازية أفضل وسيكون الأمر أسهل على المحرك». على أنني أعترف بعدما فكرت بالأمر، أنها لو أعطتني نصيحة مماثلة، لكان رد فعلي غير المعلن عنه هو نفسه تقريبًا.

أنا وزوجتي لسنا الوحيدين الذين لا نفضل النصيحة التي لم نطلبها. في أثناء تحضيري لهذه المقالة، بحثت عن “النصيحة دون طلب” ووجدت تصويتًا على الإنترنت عن السؤال التالي الواضح: هل تحب بشكل عام النصائح دون طلب؟ متبوعًا بثلاثة خيارات: نعم، لا، فقط إذا قدمها الشخص المناسب. عندما تفقدت التصويت آخر مرة، كان هنالك 847 إجابة، 6% منها أجابت بـ “نعم”، 56% أجابوا بـ “لا”، 38% أجابوا بـ “فقط إذا قدمها الشخص المناسب”.

شخصيًا، لا أعتقد أنها مسألة إن كان الشخص مناسبًا أم لا، إنها أيضًا مسألة التوقيت المناسب والطريقة المناسبة؛ فنصيحة الأصدقاء، المحبين، الأقرباء، الرؤساء، المرؤوسين، الخبراء، المبتدئين، الغرباء يُمكن لها جميعا أن تكون مكروهة بنفس الدرجة، ويعتمد ذلك على كيف قُدمت ومتى.

لماذا نكره سماع النصائح التطفلية - هل يجب علينا إعطاء الآخرين نصائح لا يرغبون بها - لماذا قد تصبح النصائح الحميدة والمحببة غير محمولة

في بعض الأحيان بالطبع، قد تكون النصيحة غير المطلوبة مُرحّبًا بها. إذا كنتُ أخطو نحو المحيط وجاء شخص ما -أي شخص- ونصحني بعدم السباحة هناك لأن أسماك القرش شوهدت هناك منذ بضع دقائق، فسأكون شاكرًا، ولن أعتبر ذلك نصيحة بقدر ما سأعتبره معلومة مفيدة ومنقذة لحياتي. سأكون شاكرًا أكثر ولن أشعر حتى بأدنى حد من الإزعاج، في حال لو تجاوز ذلك الشخص الصالح جزء النصيحة (بعدم السباحة هناك) وأعطاني فقط جزء المعلومة (وجود القروش). وسأشعر بعدها بأن قرار البقاء بعيدًا عن الماء كان قراري تمامًا، بناءً على قدرتي على التفكير بعقلانية، ولم يكن إجباريًا. لن يكن عندها لدي أدنى إغراء للاستمرار في النزول إلى الماء فقط لإثبات أنني “سأفعل أي شيء أختار القيام به، شكرا لك!

لماذا نتفاعل بهذه الطريقة مع النصائح التي لم نطلبها؟ لماذا لا نعدها اهتمامًا حقيقيًا من الآخر ورغبة في المساعدة؟ اقترح آخرون كتبوا عن هذا السؤال عددًا من الإجابات المعقولة أن النصيحة -سواء كانت مبررة أم لا- تأتي إلينا على أنها محاولة لإظهار التفوق، أو تأكيد على الهيمنة، أو النقد، أو عدم الثقة، أو الفشل في أخذ أهدافنا وأولوياتنا بعين الاعتبار. أتفق مع كل ذلك، لكنني أود أن أضيف أن الإجابة الأساسية تتعلق برغبتنا في حماية حريتنا لأسباب تطورية جيدة.
نحن البشر نتوق بطبيعتنا إلى الحرية، ونقاوم التحكم من قبل الآخرين، ونفعل ذلك بغض النظر عن عمرنا وعمن يريد السيطرة علينا، فمثلًا: المتزوجون يقاومون سيطرة أزواجهم، وكبار السن يقاومون السيطرة من أطفالهم في منتصف العمر، والأطفال من جميع الأعمار يقاومون السيطرة من والديهم، وبالطبع يقاوم الطلاب السيطرة من قبل معلميهم؛ وهو أحد الأسباب التي تجعل المدارس كما نعرفها عمومًا تعطي نتائج سيئةً.

إن النصيحة غير المطلوبة من الأحباء خاصةً قد تشكل تهديدًا؛ وذلك بسبب رغبتنا القوية في إرضائهم. من الصعب تجاهل نصيحة من نحب؛ لأننا ضمنيًا نخشى أن عدم اتباعها سينتج عنه قلة حب أو احترام. وفي نفس الوقت، لا نريد اتباع النصائح؛ لأننا نريد الحفاظ على استقلاليتنا. في الواقع، إننا لا نريد على وجه الخصوص اتباع نصيحة أحد الأحباء؛ لأنه في كل مرة نفعل ذلك يبدو الأمر خطوةً نحو تغيير العلاقة من علاقة متكافئة إلى علاقة غير متوازنة؛ فالامتثال للنصيحة قد يشير إلى استعدادنا لاخضاع أنفسنا لإرادة الشخص الآخر في المستقبل. وكل فعل امتثال يزيد خناق الحبل حول عنق الطرف الآخر.

إن الصراع بين الامتثال (لإظهار حبنا) وعدم الامتثال (لتأكيد حريتنا) يخلق إحباطًا، والإحباط يؤدي إلى الغضب؛ ولذلك نشعر بغضب أكبر عندما يخبرنا أحد من نحبهم كيف نحسن قيادتنا، أو صحتنا، أو أيًا يكن مما قد نشعر به عندما يقدم لنا شخص غريب مثل هذه النصيحة.

يسهل على معظم الناس فهم طبيعة هذا الصراع عند التفكير في علاقة الزوج والزوجة، بدلًا من التفكير في علاقة الوالدين بالابن الشاب. إن الوالد والابن غير متساويين بشكل واضح نوعًا ما،فالوالد أكبر وأقوى وأكثر إلماما بالعديد من جوانب الحياة، ولديه سيطرة على الموارد. لكن من وجهة نظر أخرى، فالوالد والابن متساويان في القيمة كأفراد، فهما مطلعان بنفس القدر على دوافعهما واحتياجاتهما وأهدافهما. والأطفال على الرغم من أنهم ليسوا على دراية مثل البالغين في العديد من النواحي، فإنهم أكثر ذكاءًا مما يمنحه معظم البالغين الفضل فيه. يدرك الأطفال اعتمادهم على البالغين، لكن في نفس الوقت يواجهون دافعًا قويًا لتأكيد استقلاليتهم. من وجهة نظر تطورية، هذا الدافع ليس صدفة، إنها ما يحفز الأطفال دائمًا على مواجهة تلك المخاطر التي عليهم مواجهتها حتى يكبروا، للعثور على طريقهم الخاص، لتولي مسؤولية حياتهم.

وهكذا، نصيحتي غير المطلوبة لك أنه يجب عليك توخي الحذر بشأن إعطاء نصيحةٍ غير مطلوبة لأطفالك، وكذلك بشأن إعطائها لزوجك/زوجتك. كلما امتنعت عن إعطاء نصائح غير مطلوبة؛ زادت احتمالية أن يطلب منك أطفالك النصيحة عندما يحتاجون إليها، وسيتبعون هذه النصيحة إذا كانت معقولة.

كتب المقال: بيتر غراي، أستاذ في كلية بوسطن

اقرأ أيضًا:

تسع نصائح للتغلب على ضغوط العلاقات العاطفية في ظل جائحة كورونا

أهم النصائح للدراسة والاستذكار

ترجمة: وائل المشنتف

تدقيق: حنين سلَّام

المصدر