لماذا يتأخر شفاء الجروح مع التقدم بالسن؟


تحتاجُ الأجسامُ الأكبرُ عمراً وقتا أطولَ للتَّحَسُن، هذه الحقيقة حول الشّيخوخة مُوثّقة منذُ الحرب العالميّة الأولى؛ حين لوحظَ أن الجروح تأخذُ وقتًا أطولَ لتلتئم عندَ الجنود الكبار من حيث العُمر.

مع هذا، وحتّى الآن لم يستطع الباحثون اكتشاف التغيراتِ المتعلقة بالعُمر، والتي تكبح قُدرة الجسم على إصْلاح نَفسه.

وقد بحثت الدراسات الأخيرة في جامعة «روكيفيللر» في هذا اللّغز الفيزيولوجي وذلك بدراسة التغيرات الجزيئية في جلد الفئران الكبيرة.

وقد وصفت الدراسة المنشورة في 17 نونبر/تشرين الثاني في دورية «الخلية» بدقة جوانبَ جديدةً حول كيفيّة شفاء الجروح في الجسم.

تقول «إيلين فوش – Elaine Fuchs»، بروفسورة في مؤسسة «ريبيكا لانسفيلد – Rebecca C. Lancefield» ورئيسة مختبر «روبن شيميرس نيوستاين – Robin Chemers Neustein» لبيولوجيا خلايا الثديات: «خلال أيام من الإصابة بجُرح، تقوم خلايا الجلد بالهجرة إلى داخل الجرح وحوله، وهذه العَملية تتطلّب تنسيقاً مع الخلايا المناعية القريبَة.

وإن نتائجنا تُظهِر أنّه مع التقدم بالعمر فإن هذه الاتصالات بين الخلايا الجلدية والخلايا المناعيّة المطلوبًة تًضطربُ، وهذا يُؤدي إلى الإبطاءِ من هذه الخُطوة».

«إن هذا الاكتشاف يشير إلى طرق جديدة لتطوير علاجات من الممكن أن تسرع الشفاء بين الناس الأكبر عمراً»، تضيف فوش، وهي بالمناسبة باحثة أيضًا في مؤسسة «هاورد هيوغز – Howard Hughes» الطبية.

عودة الخلايا الجلدية:

عندما يصابُ الإنسانُ بجُرحٍ، يحتاجُ الجسمُ إلى إصلاحِه سريعًا وذلك لاستعادة وظيفته كحاجز للحِماية.

«إن شفاء الجروح واحدة من أعقد العمليات التي تحصل في جسم الإنسان»، يقول “برايس كيس”، عامل سابق في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر فوش وهو حالياً باحث في مركز علوم الحياة «كاليكو – Calico».

ويقول كل من «كيس – Keyes» و«سيكي ليو – Siqi Liu» مساعدان في تأليف مقال الخلّية، ولِيُو هو اختصاصيّ علم المناعة وهو حاليّا زميل في مرحلة ما بعد الدكتوراه لجاين كوفين شايلدز في المختبر، يقولان: «العديد من الأنماط الخلوية، المسارات الجزيئية، وأنظمة نقل الإشارة تعمل وفق جدول زمنيٍ محدّد يتراوح بين الثواني وحتّى الأشهر. وتمّت ملاحظة التغيرات المتعلقة بالعمر في كل خطوة من هذه العملية».

تساهم كل من الخلايا المناعية وخلايا الجلد في هذه العملية الدّقيقة، والتي تبدأ بتشكيل القشرة. بعد ذلك تقوم خلايا جلدية جديدة معروفة باسم الخلايا الكيراتينية بالهجرة على شكل صفيحة لملئ الجرح أسفل «القشرة – Scab» المتشكلة.

وقد قام فريق البحث بالتركيز على الخطوة الأخيرة في الشفاء في الفئران بعمر الشّهرَيْن والفئران بعمر الأربعة وعشرين شهراً، وذلك يوافق تقريباً أشخاصاً بعمر العشرين والسبعين عاماً.

وقد وجدوا في الفئران الأكبر عمراً أن الخلايا الكيراتينية كانت أبطأ بكثير في الهجرة للفجوة الجلدية تحت القشرة، ونتيجة لذلك احتاج الجرح إلى أيّامٍ أكثرَ حتى يلتئم.

إن عملية شفاء الجروح تحتاج لخلايا مناعية متخصّصة موجودة في الجِلد، وتشير التجاربُ الجديدة للباحثين إلى أنّه بعد الإصابة بجرح تقوم الخلايا الكيراتينية في حافة الجُرح بالتواصل مع الخلايا المناعية من خلال إنتاج ما يُسمّى «السكينت – Skints»، والذي يبدو أنه يقول للخلايا المناعية أن تبقى وتساعد في ملئ الفجوة.

وفي الفئران الأكبر عمراً، فشلت الخلايا الكيراتينية في إنتاج هذه الإشارات المناعية.

ولرؤية ما إذا كان بإمكانهم تعزيز إشارات السكينت في الجلد الأكبر عمراً (الفئران الأكبر عمراً)، قام العلماء بالتوجه لبروتين تطرحه الخلايا المناعية الموجودة في الجلد بشكل طبيعي عند الإصابة بجرح. وعندما تم استعمال هذا البروتين على جلد الفئران الصغيرة والكبيرة في العمر الموجود في «طبق بتري – Petri dish»، وجد الباحثون زيادة في هجرة الخلايا الكيراتينية، الذي كان واضحاً بشكل كبير في الجلد الأكبر عمراً.

وفي الحقيقة، تصرفت الخلايا الكيراتينية الشائخة بشكل أكثر شباباً.

يأملُ العلماء أن يتم تطبيقُ نفس الأسلوب من أجل تطوير علاجاتٍ للتّأخيرات المتعلقة بالعُمر فيما يتعلقُ بالشّفاء.

وتقولُ فوش في النهاية: «يشير عملُنا إلى أنه من الممكن تطوير أدوية تفعّل سُبل نقل الإشارات التي تساعد الخلايا الجلدية الشائخة في التواصل بشكل أفضل مع جيرانها من الخلايا المناعية، وبهذا تعزيز الإشارات التي عادة ما تتناقص مع الزيادة في العمر».


المترجم: عماد دهان
المدقق: إسماعيل الحسناوي
المصدر