لست بحاجة إلى دكتوراة في علم النفس لترى معاناة المراهقين. في الواقع، فإن أكثر الأشخاص معرفة بواقعهم المرير هم الآباء والمعلمون. لذلك احتاجت الصورة التي وُضعت في ذهننا عن المراهقين منذ بياجيه-Piaget إلى إعادة النظر بها قليلًا، لكن قدوم جائحة كورونا سلط الضوء عليها أكثر، وعليه حان الوقت لوضع تصنيف جديد لسن المراهقة.

ساد اعتقاد لفترة زمنية بأن الأطفال ممن تزيد أعمارهم عن 15 سنة تتساوى قدراتهم المعرفية مع الكبار، لكن يقترح بحث تصوير عصبي معاصر أن دماغ الإنسان يتابع تطوره جيدًا خلال العقد الثالث من الحياة مع التطورات الأخيرة التي تحدث بقشرة الفص الجبهي والدوائر القشرية المخططة وهي المناطق الدماغية المسؤولة عن الأداء التنفيذي وتوليف الإدراك والمشاعر الداخلية لاتخاذ القرار.

أشارت عالمة الأعصاب ليا سامرفيل-Leah Sommerville في مقابلة لمجلة New York Times إلى أن «نتيجة فحوص الإدراك تتشابه بين المراهقين والكبار، لكن المراهقين لم يطوروا نظامًا دماغيًا قويًا يمكنّهم من التحكم بمشاعرهم لذلك تنخفض هذه النتائج بشدة عند شعورهم بمشاعر قوية».

سن البلوغ:

إبان قيامي بأبحاث لأجل هذه المقالة، توقعت أن أجد دليلاً يبرهن أن السن المقبول للبلوغ قد نقص تدريجيًا على مر السنين نظرًا إلى ازدياد السن المتوقع للحياة والاستبدال التدريجي للعمل الجسدي بالعمل الفكري. ففي النهاية، كان سن الزواج القانوني في أمريكا قديمًا 12 سنة للفتيات و14 سنة للشباب، بينما سن البلوغ المحدد دينيًا في اثنين من أقدم الديانات في العالم – اليهودية والكاثوليكية (السن لطقوس البار متسفا والتثبيت الكاثوليكي) – كان نحو 13 سنة لقرون عديدة.

لكن صادفت بعد ذلك مراجعة قانونية مدروسة جيدًا أجرتها فيفيان هاميلتون عام 2016 توثّق كيفية تقلب سن الرشد زيادةً ونقصانًا عبر التاريخ وفق الحاجات المحددة لكل ثقافة، فمثلًا كان سن البلوغ في أمريكا قديمًا 21 سنة لكن انخفض تدريجيًا بعدها ليصبح 18 سنة في منتصف القرن العشرين تكيفًا مع الحاجة لتجنيد كمية كبيرة من الجنود خلال الحرب العالمية الثانية.

ومن المفاجئ أكثر أنه منذ 2000 سنة نص قانون الرومان الأول بأن عمر البلوغ هو 25 سنة، محددًا بذلك أنه السن الأدنى ليعمل الشباب بصورة مستقلة في الأعمال الرسمية والعقود دون ولي أمر. إضافة إلى ذلك، وضع الرومان الشباب بين أعمار 15-25 سنة تحت وصاية البالغين الذين عُرفوا باسم «الأوصياء»، إذ إن موافقة الوصي مطلوبة للتحقق من الأعمال الرسمية والعقود الخاصة بالشباب حتى يبلغوا سن ال 25 سنة.

يظهر أن أسلافنا الرومان توصلوا لمعلومات نستطيع الاستفادة منها وإعادة تعلمها عن المراهقة، وهي: أن الأطفال يحتاجون لوقت أكثر للتطور قبل أن نلقي على عاتقهم كل التوقعات والمسؤوليات المطلوبة منهم في سن البلوغ. في روما القديمة، أدى الأوصياء دورًا مشابهًا لدور المرشدين والمعالجين ومستشاري الإرشاد لمراهقي اليوم، لكن لفترات زمنية أطول.

بصفتي عالم نفس تدرب في مركز استشاري جامعي ويتخصص في تدريب الطلاب الجامعيين والخريجين، أدرك من خبرتي مدى أهمية الدور الذي أداه الأوصياء الرومان (ونظرائهم في زمننا هذا) في حياة الشباب في منتصف العشرينات من عمرهم. ويتوافق اقتراح الباحثة ليا سومرفيل -الذي ينص على حاجة المراهقين مزيدًا من الوقت لتطوير الآليات العصبية والسلوكية لمنع عواطفهم من تثبيط قدراتهم المنطقية- مع خبرتي في التعامل مع الطلاب الجامعيين والخرجين في منتصف العشرينات.

تشكل وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة في كل مكان وحدها ضغطًا كافيًا يزيد من المخاطر العاطفية المتعلقة بكل ما يحاول المراهقين فعله اليوم، بطرق لم تختبرها الأجيال السابقة. يصعب تحمل عبء هذه الضغوط حتى على البالغين الأصحاء، فما بالك بالأطفال في سن المراهقة والأشخاص في العشرينات الذين ما زالوا ينتظرون نمو أدمغتهم والتعلم التجريبي الذي سيساعدهم على تحقيق المرونة العاطفية.

لهذه الأسباب، أومن بأننا نحتاج إلى توسيع مفهومنا الحالي لسن البلوغ على أنه فترة تمتد إلى ما بعد سنوات المراهقة وحتى منتصف العشرينات.

باختصار، فإن خبراتي -بالتعامل مع الطلاب الجامعيين والخريجين وبتربية أولادي المراهقين- تثري نظريتي بأنه يجب اعتبار سن الـ 25 هو الشكل الجديد لسن الـ 18 آخذًا بعين الاعتبار قدرة التحمل النفسية للمراهقين.

اقرأ أيضًا:

البلوغ المبكر: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

كيف يتغير الدماغ عند البلوغ وخلال فترة المراهقة؟

ترجمة: جوليا كاملة

تدقيق: طارق طويل

مراجعة: نغم رابي

المصدر