يمتلك الأشخاص الذين يعانون من صراعات في علاقاتهم الشخصية طريقة مختلفة كليًا في معالجة الأمور وحل النزاعات حتى في ظل وجود حقائق يفرضها موقف معين، وإن الانحياز للذات أحد الأسباب المهمة لاختلاف وجهات النظر في النزاعات، ما يفسّر ميل البشر لتحريف المعلومات بطرائق يجمّلون فيها صورة أنفسهم، ويذكر أن طبيعة الجدل تتطلّب الأخذ والرد، ما يجعل من الصعب معرفة؛ متى بدأ الخلاف، وكيف، ومن أشعل فتيله.

تنشأ مشكلات العلاقات الشخصية نتيجةً مرض نفسي، أو عادة الإدمان، أو سوء معاملة المحيط، أو فقط لمجرد التصرّف بدناءة، ولكن أغلبها ليست كذلك.

يتناول هذا المقال أغلب مشكلات العلاقات التي تنشأ بين الأشخاص السليمين والعقلاء الذين يرون الأمور على نحوٍ مختلف لدرجة أنهم يواجهون صعوبة في حل النزاعات. وتشمل هنا العلاقات التي تنشأ بين الوالدين والأطفال أو الأزواج أو الإخوة والأخوات أو الأصدقاء، إذ تندرج تحت الأسس النفسية ذاتها.

كيف يمكن أن يكون كِلا الطرفين على حق؟

عندما يعالج الطبيب النفسي العائلات التي ينشب فيها خلاف ينبغي أن يملك بعض الخبرة، فإن كل شخص يصف وجهة نظره في المشكلة، وتبدو أفعاله سهلة الفهم بوصفها رد فعل على السلوك غير العادل والمؤذي للشخص الآخر، ولكن الأمر نفسه ينطبق على وصف الشخص الآخر للمشكلة.

تُعد رواية بعض الحوادث لافتة للنظر، لأنها تبدو مثل سردٍ للوقائع أكثر منها تفسيرات، ومع ذلك نجد اختلافًا في مجموعتي الحقائق بنواحٍ مهمّة.

يميل المعالج إلى الطرف الذي يشارك أحاسيسه ويشرح شعوره، ولكن سرعان ما يتفق أيضًا مع الطرف الآخر عندما يسمع روايته عمّا حدث من وجهة نظره.

عند النظر في الموقف من عدة زوايا تتأرجح المواقف والآراء، إذ يبدو كل منظور واضح ومقنع حتى يُسمَع الرأي الآخر. بناءً على فهم الصورة الكاملة، يمكن أن نستنتج لماذا يطور الأشخاص العقلاء أصحاب النوايا الحسنة تصوّرات مختلفة كليًا للموقف نفسه.

يتحيّز البشر إلى ذواتهم في تفسير المعلومات بطريقة تخدم مواقفهم، وقد يبدو السلوك موضوعيًا وأخلاقيًا لمجرّد أنه يصبّ في مصلحتهم. إذ يعد التحيّز للذات من أكثر النتائج انتشارًا في علم النفس المعرفي الاجتماعي.

متى بدأت المشكلة؟

لدى أغلب الناس تصورات مختلفة عن النقاط الزمنية التي بدأت فيها المشكلة وانتهت.

تتضمن أنماط التفاعل تسلسلات متأرجحة يمكن رسمها على النحو التالي: حدث (ب) – حدث (أ) – حدث (ب) – حدث (أ)، وهكذا…

قد يسبب هذا النمط اختلافًا في وجهات النظر. أحد الأمثلة المهمة هنا هي سلسلة من التعليقات الانتقامية التي أدلى فيها كل شخص انتقامًا لتعليق سابق، ردًا على إهانة الشخص الأول، وهكذا دواليك. يعتقد الناس وجود نقاط فاصلة في سلسلة السببية السابقة، فينتج عن ذلك نزاعات حول متى بدأ الخلاف، ومن بدأه.

يتوافق سبب الخلاف عادةً مع التحيّز للذات، إذ يعتقد كلا الشخصين أن السلسلة بدأت بتصرّف مؤذٍ من الشخص الآخر، وأن سلوكه رد فعل منطقي ومبرَّر. على هذا يُعد كلا الطرفين تفسيره منطقيًا، فيجد كلٌ منهما نفسه على حق.

عندما يُفاجَأ الشخص الأول بسلوك الشخص الثاني قد يعتقد أن الفعل حدث دون سبب، ولكن في الحقيقة حدث الفعل قبل معرفة الشخص الأول بالمشكلة.

أحيانًا لا يحدث السلوك استجابةً للحافز الذي سبقه مباشرةً، فقد نجد فجوة زمنية بين الحافز والاستجابة، ما يجعل الاستجابة تبدو وكأنها حدثت فجأة. فقد ننفجر غضبًا من تعليق بريء لأننا نشعر بالحزن حيال شيء قاله الشخص الآخر في الأسبوع الماضي.

عند نشوء هذا النوع من الخلافات بين الأزواج أو العائلات، قد تكون أحد الأسئلة المهمة لفهم الآخر هو: «ماذا كان يدور في ذهنك عندما تعاملت معي بهذا الشكل؟»، إذ بالإمكان اكتشاف النقطة الزمنية التي بدأ بعدها الخلاف.

تحقيق توقّعات الذات:

يتأثر كل شخص بذاكرته ويستحضر السلوك السابق للشخص الآخر في مواقف مماثلة، مثلًا: إذا اعتقد الزوج أن زوجته انتقدت مشترياته السابقة ظلمًا فقد يبالغ في رد فعله على سؤال بريء. وفي المقابل، إذا شعرت الزوجة أن زوجها مستاء بسبب سؤال منطقي، فقد تتصرّف بغضب من طريق الاستشهاد بمشترياته السابقة والتأكيد على عدم إدارته. قد تكون ردة فعلها تأكيدًا للشعور الذي انتاب الزوج من أنها ستعارض شراءه الأخير، ما يجعله أكثر إصرارًا للدفاع عن نفسه. بناءً على هذا التسلسل، يتوقّع الزوج حصول خصام، ويستجيب للتصرّف المتوقِّع قبل حدوثه، وبالتالي يتسبب بحدوثه.

تؤدّي توقعات الفرد بشأن رد فعل الشخص الآخر إلى تصرّف الفرد بطرائق تؤكّد التوقعات، فعندما يتنبأ الناس برد فعل غاضب، قد يتعاملون على هذا الأساس ويثيرون غضب الأطراف الأخرى، وقد يؤدي في النهاية إلى تحقيق توقّعاتهم الأولية التي لم تكن لتحدث لولا تصرفهم من الأساس.

بالنسبة للأشخاص الواقعين في خضم موقف ما، قد يكون من الصعب فهم ما يجري، ولكن من طريق إبطاء وتيرة الخلاف والعودة خطوة إلى الوراء، يمكن اكتشاف الصورة كاملةً، فيصبح من السهل تفادي الأخطاء القادمة.

قد تبدو ردة الفعل غير منطقية أبدًا استجابةً للموقف الحالي، ولكن في حقيقة الأمر، يستجيب الناس لذكريات الماضي أو توقّعات المستقبل، وذلك فرضية مقترحة لتفسير سلوكهم.

في النهاية، يمتلك الناس دومًا أسبابًا مقنعة تبرّر سلوكهم حتى لو لم تكن مفهومة بالنسبة لنا، استنادًا إلى هذه النقطة، يمكننا توسيع مفهومنا لحدود المشكلة بصورةٍ تشمل توقّعات الطرف الآخر ونظرته السابقة للموقف ومناقشتها بأسلوب بنّاء ينتج عنه تصحيح سوء الفهم وطمأنة المخاوف والاعتذار عن الألم الذي سببناه، ووضع خطط للتفاعل بصورة أكثر شفافية وصدقًا في المستقبل.

اقرأ أيضًا:

أنماط الارتباطات.. وما الذي تعنيه؟

الشعور بخيبة الأمل في العلاقات الوثيقة: إليك ما يجب فعله

ترجمة: سارا رياض الخضر

تدقيق: نور عباس

مراجعة: حسين جرود

المصدر