لم يستطع الممثل توم هانكس السيطرة على اشمئزازه من النكات التي ألقاها المضيف ريكي جيرفيه في أثناء حديثه الافتتاحي حول مواضيع هوليوود شديدة الحساسية في حفل غولدن غلوب لعام 2020 .كان رد فعله واضحًا على وجهه، وبدأ محترفو وسائل التواصل الاجتماعي يحولون تلك الصور إلى صور رائجة وصور متحركة من نوع GIF.

توضح ردود أفعاله المفهومة بطريقة ما احتواء بعض النكات على أمور مزعجة للجمهور، الأمر المفاجئ هو عدم قدرة ممثل محترف يعتمد على استخدام وجهه وجسده لإيصال مشاعره على السيطرة على اشمئزازه الواضح. قد تكون ردود أفعاله مقصودة ومتعمّدة لإيصال مشاعره إلى ملايين المشاهدين حول العالم.

قد يكون مثال توم هانكس مثالًا مرجعيًا، هل سبق أن أظهرت مشاعرك بطريقة ندمت عليها لاحقًا؟ هل كنت شخصًا من الجمهور الذي أبدى رد فعل سلبي على كلام المتحدث؟ هل سببت لك ردود الأفعال تلك المشاكل إذا كان ذلك المتحدث هو معلمك أو رئيسك في العمل؟

بدلأ من ذلك، هل شعرت أنك غير قادر على إخفاء مشاعرك في موقف حاسم؟ هل اشتريت هدية مفاجئة لشريكك ليكتشف أن الابتسامات التي حاولت إخفاءها كانت تعني أن شيئًا ما قد تغيّر؟ هل يصعب عليك تدبّر الأمور عندما تكون في العمل أو البيت؟

لماذا يصعب علينا إخفاء مشاعرنا الحقيقية ويسهل قراءة عواطفنا - هل أنت إخفاء مشاعرك في موقف حاسم - لغة الجسد والوجه - المشاعر الإيجابية والسلبية

يهدف بحث عن التواصل غير اللفظي بواسطة لغة الجسد والوجه إلى معرفة كيف يقرأ الناس مشاعر بعضهم، لا كيف تبوح انفعالاتهم بحالتهم الذهنية الداخلية. إحدى نظريات التعبير هي نظرية الاسترجاع الوجهي التي تقترح تأثر مشاعرك بتعابير وجهك، مثلًا: «تشعر بالسعادة عندما تضحك»، مع ذلك لا تعالج هذه النظرية تلك الحالة المعاكسة عندما تفيض عواطفك من عينيك وفمك وحاجبيك رغم بذل ما بوسعك لإخفائها.

تقدم دراسة جديدة أجرتها جامعة ولاية ميشيغان ريد بإشراف السيد رينولدز وزملائه عام 2019 بعض الأدلة لتتعلم كيفية التحكم في تعابير وجهك، لم يفحص السيد رينولدز وزملاؤه دور الوجه فحسب؛ بل فحصوا أيضًا دور الجسم في التعبير غير اللفظي عن المشاعر. في الواقع، ستلاحظ -عندما تشاهد أحد مقاطع الفيديو- أن ردود أفعال توم هانكس الجسدية تُظهر اشمئزازه الواضح؛ إذ يهتم الممثلون بتطوير هذا الجانب من مهارات التواصل.

تستند الدراسة إلى الفرضية التي تقول إن انفعالات الناس هي جزء رئيسي في التفاعل الاجتماعي؛ إذ تفسر انفعالاتهم وتصرفاتهم السابقة والحالية، وتوجه توقعاتنا للتصرفات المستقبلية، وتشكل استجاباتنا الاجتماعية. بطريقة أخرى: قد تؤثر معرفة ما يشعر به الآخرون في طريقة تفاعلك معهم، على هذا قد يؤثر ما يعتقده الآخرون عن شعورك في طريقة تفاعلهم معك.

تساهم ردود فعل الجسم أو حركات الجسد التعبيرية في هذه العملية، لكن دورها في إظهار المشاعر هو موضع نقاش -كما يوضح فريق البحث في جامعة ولاية ميشغان-، يرجع ذلك جزئيًا إلى الانسجام بين عمل جسدك ووجهك لإيصال مشاعرك في الحياة اليومية -خارج المختبر-. إضافة إلى ذلك، أشار رينولد إلى وجود اختلاف بين تقدير الشعور وقوة مشاعر الشخص؛ وبطريقة أخرى: عندما تتفاعل بعاطفية مع موقف ما تزود الآخرين ببعض الإشارات عن كونك سعيدًا أو غير سعيد، بالإضافة إلى تقدير الآخرين لدرجة تعبيرك عن حالاتك الداخلية.

عرض الفريق القائد الباحث للمشتركين رسومًا متحركة تضمّنت قوامًا بشريًا بدون وجه وتنوعت بالتكافؤ «الإيجابي والسلبي» وشدة الشعور بهدف اختبار الدور الرئيسي للغة الجسد في التواصل، قُسمت العينة المكونة من 363 طالبًا جامعيًا بعمر العشرين (57% إناث، 70% بيض) إلى مجموعات وفقًا لشدة التعابير وتكافؤها التي وُصفت في مقاطع الفيديو المختصرة.

وفقًا لدراسات أخرى أشار إليها المؤلفون، بدا المشاركون أكثر انسياقًا لاكتشاف الانفعالات السلبية بدلًا من الإيجابية؛ فُهمت إشارات الجسد عن الغضب والسعادة على أنها سلبية وغاضبة بدلًا من إيجابية وسعيدة، استنتج الباحثون من هذا الاكتشاف أن الناس أكثر حساسية للإشارات السلبية عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن المشاعر باستخدام لغة الجسد.

كان الاكتشاف المهم الآخر الذي برز في الدراسة بالتناغم مع البحث الأول هو ازدياد صعوبة التمييز بين المشاعر الإيجابية والسلبية كلما أصبح التعبير بلغة الجسد أقوى. أصبحت الانفعالات السعيدة الظاهرة في مقاطع الرسوم المتحركة أكثر غموضًا عندما زاد تفاعل الجسد. كلما بالغت في ردة فعلك أصبح من الصعب على الآخرين معرفة هل أنت سعيد أو حزين؟ وهذا ما سُمّي اعوجاج التنشيط. تنخفض قدرة الناس على معالجة الإشارات العاطفية في لغة الجسد عندما يبالغ الأشخاص في ردود أفعالهم.

بالعودة إلى السؤال: كيف يمكنك التحكم في الانطباع الذي تتركه عند الآخرين عن مشاعرك؟ تقترح النتائج أنه من الضروري الانتباه لجسدك لا وجهك فقط؛ إذ يحوي الجسم إشاراته الخاصة التي تُفصح عن حالتك الداخلية. تكون الوسائل اللفظية وغير اللفظية متاحة بسهولة للناس الذين يشاهدونك عندما تكون في موقف حقيقي لذلك تأكد من انسجامها؛ إن كنت تحاول إخفاء مشاعرك فلا تسمح ليديك وقدميك أن تشي بك، تستطيع كلماتك تجنب إظهار حالتك الداخلية، لذلك حاول البقاء في نطاق لفظي محايد.

باختصار، هناك فن لنقل المشاعر العاطفية بواسطة جسدك ووجهك؛ إذا كنت لا تريد أن تُفضَح بانفعالات وجهك فتذكّر أن عليك التأكد من تأدية جسدك لدوره بشكل جيد أيضًا، يتضمن نجاح العلاقات تبادل المشاعر والكلمات، وإذا استخدمتهما لصالحك فستتمكن من تجنب إرسال الإشارات المربكة.

اقرأ أيضًا:

الكشف عن الأحاسيس والعواطف بواسطة الإشارات اللاسلكية

قد لا يشتري الامتنان لك شيئا، لكنه قد يكسبك أكثر مما تتوقعه من الناس

لماذا نحن إلى الماضي ونحب مشاعر النوستالجيا؟

ترجمة: نغم سمعان

تدقيق: سميّة بن لكحل

المصدر