إذا كنت تشاهد برنامج طبخٍ على شاشة التلفاز، وجرح الطاهي إصبعه عن طريق الخطأ ورأيت بعض قطرات الدم، فهل يجعلك هذا تشعر بالغثيان؟ ماذا لو حدث نفس الشيء في الحقيقة؟

يُقدّر أن حوالي 15% من الناس يُغمى عليهم عندما يرون الدماء، وقد يصل الأمر إلى (رهاب دمٍ كامل – blood injury phobia) عند حوالي 4% منهم.

يشرح (جوش كلارك – Josh Clark) أن ما يثير الاهتمام هو أن العديد من الأشخاص الذين لا يُغمى عليهم عندما يجرحون أنفسهم، يُغمى عليهم عندما يرون أنفسهم ينزفون الدماء.

جوهر هذه الإغماءات هي نوبات القلق، والتي يعتقد الباحثون أنها تسبب ارتفاعًا مفاجئًا يليه انخفاضٌ مفاجئٌ في ضغط الدم، يؤدي الانخفاض المفاجئ في ضغط الدم إلى انسحاب الدم بعيدًا عن الدماغ ما يؤدي إلى فقدان الوعي.

في حين أنه من الطبيعي تمامًا أن يرتفع ضغط الدم في أوقات الخطر الحقيقيّ أو الخطر كجزء من استجابة (القتال أو الهروب) لـ (الجهاز العصبي السمبثاوي – sympathetic nervous system)، تنشأ مشاكل فقدان الوعي عندما تنعكس استجابة ضغط الدم.

مصدر هذه الاستجابة هو (العصب الحائر – the vagus nerve) الذي يربط بين منطقةٍ في الدماغ تُسمى (نواة السبيل المفرد – the nucleus of the solitary tract (NST)) ومناطق في الجسم مرتبطة بالحركات اللاإرادية، مثل التنفس والبلع ووظائف القلب.

تعمل نواة (NST) كمفتاح تبديلٍ داخليّ بين استجابات القتال والهروب والاستجابات المهدئة المُكثّفة التي تلي ذلك.

أحد التفسيرات هو أنه عندما تحاول نواة (NST) التبديل بين استجابة الجهاز العصبي السمبثاوي (التي تهيئك للعمل والاستجابة) واستجابة الجهاز العصبي الباراسمبثاوي (parasympathetic) التي تليها (والتي تهدّئ من الاضطرابات)، يصبح الاتصال بالعصب الحائر مشوشًا إذ يحاول القيام بهما في نفس الوقت؛ ما يؤدي إلى تقليل ضغط الدم مع زيادة معدل ضربات القلب، وبالتالي، ضخ الدم بعيدًا عن الدماغ، ما يؤدي في النهاية إلى فقدان الوعي.

الاحتمال الآخر هو أنه بدلًا من محاولة القيام بالأمرين معًا في وقتٍ واحد، تقوم نواة (NST) في الدماغ بالتبديل بسرعةٍ كبيرة بين استجابات الجهاز السمبثاوي والباراسمبثاوي، وهذا يجعل الجسم يتوقف مؤقتًا عن طريق فقدان الوعي.

يعتقد الباحثون أيضًا أنه نظرًا إلى أن نواة (NST) مسؤولةٌ أيضًا عن شعور الاشمئزاز، فإن مزيج الخوف والاشمئزاز يكون معقدًا ويسبب الإغماء.

لكن لماذا كل هذا الارتباك؟ هل من الممكن أن يساعدنا الإغماء في بقائنا أحياء؟

من الصعب تخيل سيناريو يفقد فيه أسلافنا الوعي مرارًا وتكرارًا عند رؤيتهم دماءهم وتمكّنهم من تجنّب الحيوانات المفترسة.

من غير المتوقع أن شجرة عائلة (الهومو سابينس – homo sapiens) قد نمت بكثرة مع كل هذه الإغماءات، يعتقد الباحثون أن الأغماء كان أداةً للبقاء آنذاك وحتى الآن؛ فعلى سبيل المثال، لنفترض أنك تعرضت للهجوم من قبل دب، وأُغمي عليك عند رؤية دمك على أمل أن يؤدي هذا إلى أن يفقد الدب اهتمامه ويتركك وشأنك، مصابًا بكدماتٍ وتنزف، ولكنك على قيد الحياة. (كالماعز العصبي – Fainting goats).

النظرية الأكثر واقعية هي أنه عندما يرى الناس دماءهم يتعرضون لانخفاضٍ مفاجئٍ في ضغط الدم يؤدي إلى الإغماء، إذ إن هذه الاستجابة الوقائية تمنعهم من النزيف.

وبغض النظر عن سبب الإغماء، فإن التغيير إلى وضعٍ أفقيّ يساعد القلب على إعادة الدم إلى الدماغ، على أمل أن ينحسر النزيف مع مرور الوقت.


  • ترجمة: محمد الموشي
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر