خلال العقود القليلة الماضية، ارتفعت أعداد الشباب الذين يلجؤون الى استعمال الولاعات وشفرات الحلاقة لإيذاء أنفسهم حسب تصريحات المستشارين.

نيتهم ليست وضع حد لحياتهم، بل إيذاء أنفسهم، بما يعرف بأذية الذات غير الانتحارية (non-suicidal self-injury).

ووجدت دراسة حديثة حول الصحة النفسية للطلبة الجامعيين خلال لقاء للجمعية الأمريكية لعلم النفس دليلاً تخمينيا لتوثيق هذه الملاحظات.

تُظهر أن أعداد المقبلين على إيذاء أنفسهم تضاعف ما بين 1997 و 2007.

على أيةِ حال، العلماء ليسوا متأكدين إذا ما كانت الظاهرة تسيرُ فعليًا في طريق الاستفحال أم أن عدد البلاغات ارتفع بسبب حملات التوعية، ويقول بعض الباحثين أن الظاهرة قد تكون شهدت ارتفاعًا بين التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، ومن المرجح أنها وصلت أوجها حاليًا.

مع ذلك، الانتشار الواسع للظاهرة أضحى مقلقا للصحة العامة، فقد وجدت العديد من الدراسات الحديثة أن %28-%17 من المراهقين والشباب صرحوا بإقدامهم على إيذاء أنفسهم خلال فترة من حياتهم.

لذلكَ يحصل هذا السلوك على اهتمام كبير من العلماء، فهم يحاولون الإجابة عن أسئلة عدة من بينها: لماذا يؤذي بعض الناس أنفسهم؟ هل إيذاء النفس أمر حتمي على بعض الناس؟ وما هي سبل علاج وإيقاف هذا الفعل؟

في الحقيقة، تفوق نتائج هذا السلوك الضرر الجسدي وتصل إلى الاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعية وارتفاع احتمال محاولة الانتحار، كما صرحت بيجي أندوفر (Peggy Andover)، أستاذة علم النفس بجامعة فوردهام بنيويورك.

وأضافت: “كل النتائج السلبية السابقة بالإضافة إلى الانتشار الواسع لهذا السلوك بثانوياتنا و جامعاتنا و مجتمعاتنا، يجعلنا نسلط الضوء على سبل علاج هذا السلوك”.

منذ سنة 2013 أُدرج هذا السلوك ضمن الاضطرابات النفسية بشكل رسمي في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية – النسخة الخامسة.

تمهيد للانتحار؟

يعرّف العلماء هذا الفعل ب” التدمير المتعمد والمنفصل لأنسجة الجسم دون نية الانتحار”.

كما قالت كيمبرلي هاريسون (Kimberley Harrison) دكتورة ممارسة بالمركز الاستشفائي للصحة النفسية (بارك سانترPark Center-) بمدينة فورث واين بولاية إنديانا الأمريكية، ” تحاول إلحاق الضرر بجسدك دون أن تقتل نفسك”.

توجد العديد من الوسائل و الطرق للقيام بذلك، من بينها الجرح و الحرق و نقش الجلد و تكسير العظام و عرقلة التحام الجروح.

يظهر هذا السلوك عند البعض مع بداية سن المراهقة، بين سن 15-11 سنة تقريبًا.

توجد عدة تقديرات متباينة عن نسبة انتشار هذا السلوك لدى المراهقين، من %38-%4.

هذهِ التقديرات مستخلصة من دراسات أُجريت على عينات صغيرة مكونة من بضع مئات من الناس، في مجملها، يؤكد الباحثون أن النسبة الحقيقية تنقص أو تزيد قليلا عن %20.

ويأتي الضرر الأكبر في هذهِ الممارسات من الجروح نفسها، مما يرفع احتمالية الالتهاب.

لكن توجد توابع نفسية أيضا، على سبيل المثال، الإحساس بالعار والخزي من هكذا فعل بالإضافة إلى الخوف من نظرة المجتمع في حالة الاعتراف بتعمد إلحاق الأذى بالذات.

توجد أيضًا دلائل على أن الأشخاص الذين يتجرؤون على أذية أنفسهم يُحتمل إقدامهم على الانتحار، خصوصًا المرضى النفسيين.

يرجّح بعض الباحثين أن سلوكًا مماثلًا يمثل تمهيدًا للانتحار لدى البعض لتيقنهم من قدرتهم على تجاوز الخوف والألم الناتجين عن الإضرار بذواتهم.

و لكن ” الأغلبية العظمى ممن أَبْلَغوا عن قيامهم بهذا الفعل لم تكن أفعالهم بهدف الانتحار، بل فقط محاولة للتأقلم و مسايرة حياتهم” قالت جانيس ويتلوك (Janis Whitlock) باحثة بجامعة كورنيل، إثاكا، نيويورك.

و التي نشرت سابقًا مقالًا عن الموضوع: ” الأمر فعلًا عكس الانتحار”.

كالمخدرات والجنس!

فعلًا، يقول باحثون بأن التأقلم مع المشاعر هو الدافع الرئيسي عند أغلبية من يجرؤون على إيذاء أنفسهم، ويؤكدون نجاحهم بتهدئتهم وإشعارهم بالارتياح.

وتنتج هذه الأحاسيس الهادئة عن إفراز الدماغ للأندورفين، وهرمون مسكن للألم ومسؤول عن النشوة.

كما تقول ويتلوك” :يلجأ البعض إلى ممارسات مختلفة لهذا السلوك كما يلجأ البعض الآخر للمخدرات و المشروبات الكحولية و الطعام و الجنس كوسيلة للمتعة القصيرة المدى”.

تعتبر محاولة عقاب النفس أيضًا سببا لهذا السلوك.

لخّص ماثيو نوك (Matthew Nock)، أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد، الأسباب الشخصية والاجتماعية للإقدام على إلحاق الضرر بالذات في أربعة أسباب، كما يلي :

  • التخلص من التوتر والمشاعر السلبية.
  • الإحساس بالألم أفضل من عدم الإحساس بأي شيء.
  • التواصل مع الآخرين وإظهار حزنهم لهم.
  • التخلص من المزعجين.

كما توجد أدلة على احتمال مرتفع للقيام بهذا الفعل لدى الأشخاص غير الراضين عن شكلهم الخارجي والذينَ يعانون من المشاعر السلبية وضعف مهارات التأقلم.

“من السهل بالنسبة لهم الإضرار بأجسادهم” تقول جينيفر مويلينكام Jennifer Muehlenkamp أستاذة علم النفس بجامعة ويسكونسن أو كلير Wisconsin-Eau-Claire.

أدخلت بعض الدراسات العامل البيولوجي على الخط، على سبيل المثال، نشرت مجلة الاضطرابات العاطفية بحثا يؤكد العلاقة بين إلحاق الضرر بالذات و انخفاض نسب المواد الأفيونية (مثل الأندورفين) في الجسم، بالتالي يلجأ الشخص إلى الإقدام على هذا السلوك في محاولةٍ لرفع مستويات المواد الأفيونية لديهم.

المراهقة:

يصل هذا السلوك إلى أوجه خلال فترة المراهقة.

“من منظور تنموي، كل الظروف مهيأة لظهور سلوك إيذاء الذات” تصرح ويتلوك، الباحثة بجامعة كورنيل.

بالإضافة إلى دخولهم في عدة علاقات شخصية، فإن عقول المراهقين وأجسامهم تمر عبر تغييرات أيضًا.

خلال بداية المراهقة، الجزء المسؤول عن الأحاسيس والعاطفة في الدماغ (اللوزة)، يكون غير مرتبط كليًا بالجزء المسؤول عن التفكير، وينتج عن ذلك نقص في التواصل بين اللوزة والقشرة عكس ذلك لدى الراشدين.

“خلال المراحل المبكرة للمراهقة، من الشائع لدى المراهقين مرورهم بموجات عاطفية قوية مع عدم قدرتهم على التعامل معها” قالت ويتلوك.

فور اكتمال نمو الدماغ، يتعلم المراهقون أساليب ومهارات جديدة للتعامل مع مشاعرهم، كالتحدث إلى صديق، ممارسة رياضة الجري، أو التأمل.

ويعتبر إيذاء النفس سلوكًا قابلا للتجاوز من طرف المراهقين، فبما نسبته %80 من الذين تجرؤوا على القيام بذلك السلوك، أبلغوا عن توقفهم بعد مرور قرابة خمس سنوات على بداية ممارسته.

حسب تقرير ويتلوك الذي نشرته الذي نشرته بالمجلة التابعة للمكتبة العامة للعلوم.

عمليًا، يعتبر هذا السلوك بديلًا سهلًا للمراهقين الذين يجدون صعوبة في الحصول على المخدرات.

الفوارق بين الجنسين:

أعطت الدراسات الأولية حول الموضوع نسبًا مرتفعةً لظهور السلوك عند الجنس اللطيف، لكن دراساتٍ حديثةً وضعت تقسيم عادل لنسب قيام الجنسين بإيذاء أنفسهم.

ووجدت الأستاذة هاريسون عن المركز الاستشفائي (بارك سانتر) في دراسة أجرتها على طلبة جامعيين أن الذكور أكثر عرضة لاقتراف هذا الفعل.

ولكن يبقى الاختلاف بين الجنسين في طرق إيذاء أنفسهم.

على سبيل المثال؛ في دراسة نشرتها أندوفر، الأستاذة بجامعة فوردهام، وجدت أن البنات يلجئن إلى جرح أنفسهن، بينما يقوم البنين عموما بإحراق أنفسهم.

لا زال الباحثون غير متيقنين من الأسباب وراء هذه الاختلافات بين الجنسين، و لكن البعض يصرح بأن الأمر يعود إلى اعتبار بعض الوسائل ذات سمة أنثوية، و أخرى ذكورية.

هذا و لا يزال الفرق بين الأسباب المؤدية إلى هذا السلوك بين الجنسين أمرًا مبهمًا، مثلًا، من الممكن أن إظهار القوة البدنية هو السبب وراء جعل الذكور يقترفون أمرًا مماثلًا، بدلًا عن محاولتهم التأقلم مع أحاسيسهم.

و لا يزال البحث في هذا الجانب قائمًا.

شح في وسائل العلاج:

لا توجد أي علاجات خاصة لسلوك إيذاء الذات دون نية الانتحار، مع ذلك، أبانت تقنية العلاج السلوكي الجدلي المعتمدة لعلاج اضطراب الشخصية الحدية عن نجاعتها في بعض الحالات.

“إنه علاج جد مكثف” تقول أندوفر، و قد لا يلائم جميع الأشخاص ذوي سلوك إيذاء الذات.

و تصرح مويلينكام بأن معظم المقدمين على هذا السلوك يتجاوزونه بدون الحاجة إلى العلاج، و لكن هذا الأخير قد يساعد في بعض الحالات.

” على كلٍّ، حتى لو قام الشخص بإيذاء نفسه بشكل متعمد لمرة واحدة في حياته، فإنَّهُ سيجد صعوبات أخرى في حياته على المستويين النفسي و الاجتماعي، لِذلكَ إن كنت تعرف شخصًا مرًّ بتجربة مماثلة، فإن حصوله على مساعدة ما قد يكون أمرًا جيدًا”.

تقولُ مويلينكام.


  • المترجم: عبد العزيز برقوش
  • تدقيق: هبة أبو ندى
  • تحرير: جورج موسى
  • المصدر