من بداية متواضعة تحليةً حلوة المذاق تنمو في الحدائق، أصبحت زراعة قصب السكر قوة اقتصادية، وحفز الطلب المتزايد على السكر استعمار العالم الجديد من قبل القوى الأوروبية، ودفع بالعبودية إلى الواجهة، ودعم حروبًا وثورات عنيفة.

تحول المركز الجغرافي لزراعة قصب السكر تدريجيًا حول العالم على مدار 3000 عام من الهند إلى بلاد الفرس، ثم عبر المتوسط إلى الجزر قرب ساحل إفريقيا ثم الأمريكتين. ابتُكر نوع جديد من الفلاحة لإنتاج السكر يُسمى نظام المزارع الشاسعة. زرع فيه المستعمرون مساحات كبيرة من محصول واحد يمكن نقله مسافات طويلة وبيعه مقابل ربح في أوروبا. لزيادة إنتاجية هذه المزارع وأرباحها، استُقدم العبيد والخدم المتعهدين لرعاية هذه المحاصيل الشاقة وحصادها.

كان قصب السكر أول ما يُزرع في هذا النظام، تلته محاصيل أخرى كالقهوة والقطن والكاكاو والتبغ والشاي والمطاط ونخيل الزيت.

بدايات زراعة السكر

لا يوجد سجل أثري يوضح متى وأين بدأ البشر بزراعة قصب السكر محصولًا، لكنها على الأرجح بدأت منذ نحو 10,000 سنة في ما يٌسمى الآن غينيا الجديدة.

النوع المدجن من قصب السكر (Saccharum robustum) وُجد في مجموعات أشجار كثيفة على طول الأنهار.كان البشر في غينيا الجديدة من أكثر الفلاحين الذين عرفهم العالم ابتكارًا. إذ دجنوا طيفًا واسعًا من أنواع النباتات المحلية تضمنت -إضافةً إلى قصب السكر- القلقاس والموز والبطاطا وفاكهة الخبز.

انتقلت زراعة قصب السكر عبر المحيط الهادي وانتشرت إلى جزر سليمان المجاورة وكاليدونيا الجديدة وصولًا إلى بولينيزيا. انتقلت زراعة السكر أيضًا غربًا إلى آسيا وإندونيسيا والفلبين وشمال الهند. خلال هذا التطور هُجن قصب السكر «القصب النبيل» مع نوع محلي بري لينتج هجينًا يسمى القصب الصيني أو «القصب النحيل». كانت هذه الأنواع الهجينة أقل حلاوة وصلابة من النوع الأصلي النقي، لكن أكثر قدرة على الاحتمال، وزُرعت بنجاح أكبر في الأراضي شبه الاستوائية.

كان قصب السكر حتى ذلك الوقت يُستخدم بوصفه حلوى مسكرة، لم يبدأ البشر بعصر القصب لإنتاج السكر إلا قبل 3000 سنة في الهند. لوقت طويل، أبقى الهنود عملية صناعة السكر سرًا مُصانًا بحذر، ما أثمر أرباحًا هائلة بواسطة التجارة عبر شبه القارة الهندية. تغير ذلك عندما غزا داريوس (522-486 ق.م) حاكم الإمبراطورية الفارسية الهند عام 510 ق.م. نقل المنتصرون التقنية إلى بلاد الفرس وبدؤوا بإنتاج السكر. في القرن الحادي العشر، مثّل السكر جانبًا مهمًا من التجارة بين المشرق وأوروبا. استمرت صناعة السكر لدى الفرس نحو ألف سنة في ظل عديد من الحكام، حتى دمرت غزوات المغول في القرن الثالث عشر هذه الصناعة.

الإرث الإسلامي: صناعة السكر في بلدان البحر المتوسط

صاحب التوسع الإسلامي سياسيًا -الذي بدأ عام 632 م.- ثورةً زراعية. بدأت بغزو بلاد الفرس واكتشاف قصب السكر، إضافةً إلى محاصيل لم تكن معروفة في سائر العالم، تضمنت الخرشوف والموز ونخيل جوز الهند والقطن والباذنجان والليمون والمانجو والأرز والسبانخ والبرتقال والقمح والبطاطا الحلوة. سُميت تلك الفترة الثورة الزراعية العربية، إذ غزت الجيوش الإسلامية أراضي جديدة، وقدمت هذه المجموعة من المحاصيل وغيرت بذلك الزراعة في منطقة المتوسط.

أدخل المسلمون قصب السكر أو «القصب الفارسي» إلى مصر عام 710 حيث أصبح أكثر مصدر للسكر يسعى العالم للحصول إليه، ووصل إلى أعلى معدلات إنتاجه من 1000 إلى 1350 ميلادي. نشر العرب قصب السكر من مصر إلى المغرب ثم إسبانيا في القرن السابع. بدأ إنتاج السكر في المغرب بكميات مهمة في بدايات القرن التاسع وبلغ ذروته عام 1000 – 1200 ميلادي. بدأ الإنتاج في شبه جزيرة أيبيريا نحو 900 م. وبلغ ذروته 1300 – 1500م. وكانت هذه المناطق آنذاك تحت السيطرة الإسلامية.

أدخل العرب قصب السكر أيضًا إلى قبرص وكريت وصقلية في بدايات القرن التاسع لكن الإنتاج في هذه الجزر ظل محدودًا حتى خسر العرب سيطرتهم على معظمها. بلغ الإنتاج في قبرص ذروته في الفترة 1300 – 1500 عندما سيطر التجار من جنوة على المدينة. كانت سنوات الازدهار في كريت 1400 – 1500 تحت حكم البندقية. أما في صقلية فقد كانت سنوات الإنتاج الذهبية 800 – 1050 عندما كانت الجزيرة تحت سيطرة المسلمين ثم 1380 – 1520 تحت حكم الإسبان.

توسع إنتاج السكر على يد البرتغاليين والإسبان

سيطر البرتغاليون على الإنتاج العالمي للسكر في القرن الخامس عشر، نتيجةً اقتصادية لاستعمارهم جزر المحيط الأطلسي قرب الساحل الغربي لإفريقيا.

تأسست أولى المزارع الشاسعة بعد استعمار البرتغاليين جزيرة ماديرا، إذ رأى الأمير هنري أن إنتاج السكر سيكون مفتاحًا لنجاح لغزواته الأطلسية، فأرسل إلى صقلية طلبًا لنبات القصب والتقنيين الخبراء. بفضل هذه المعرفة، تأسست أولى مزارع السكر، بقطع الأشجار وإخلاء الأرض لتأسيس ضيعات كبرى وبناء المصانع لمعالجة السكر. نُقي السكر أول مرة في ماديرا عام 1432، وبحلول عام 1460 صارت الجزيرة أكبر منتج للسكر في العالم. ظل السكر المنتج الأساسي للجزيرة حتى منتصف القرن السادس عشر عندما استُبدل به تدريجيًا النبيذ.

في القرن الخامس عشر، اكتشف البرتغاليون جزر أزور والرأس الأخضر وساوتومي، في حين احتل الإسبان جزر الكناري المأهولة. لم يصبح السكر منتجًا مهمًا في جزر أزور أو الرأس الأخضر، لكن جزر الكناري الإسبانية وساوتومي البرتغالية أصبحا منتجين رئيسيين للسكر في نهايات القرن الخامس عشر. منذ بداية إنتاج السكر في الأطلسي، كان العبيد المصدر الرئيسي للقوة العاملة. وبدأ الإسبان بإرغام السكان المحليين على العمل في حقول القصب. عندما تبقى القليل منهم أحياء نتيجة للمرض والإجهاد، بدؤوا باستقدام العبيد الأفارقة.

اقرأ أيضًا:

كيف كانت أمريكا الشمالية قبل الاستعمار؟

الزراعة في الهلال الخصيب وبلاد الرافدين

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر