في خضم تصاعد حالات كوفيد-19 في أفريقيا، لم تعد وعود الدول الغنية باللقاح كافية لوضع حد مبكر للجائحة وفقًا للخبراء. سيضطر معظم الناس في الدول الفقيرة إلى الانتظار سنتين أخريين قبل أن يتلقوا اللقاح ضد كوفيد-19 ، حسبما قاله الباحثون لدورية نيتشر Nature.

ثمة حاجة إلى قرابة 11 مليار جرعة لتلقيح 70% من الكثافة السكانية في العالم بأكمله ضد كوفيد-19، وبحلول الرابع من يوليو عام 2021، أُعطيَت 3.2 مليار جرعة.

يقدّر باحثون من صندوق النقد الدولي -المتمركز في العاصمة واشنطن- أنه بوتيرة التلقيح الحالية سيزداد عدد الجرعات المعطاة إلى نحو 6 مليار جرعة قبل نهاية عام 2021، ولكن ما تزال أكثر من 80% من جرعات اللقاح من نصيب شعوب الدول ذات الدخل المرتفع والدخل فوق المتوسط، وفي المقابل، أُعطي فقط 1% من شعوب الدول ذات الدخل المنخفض جرعة واحدة على الأقل، وفقًا لموقع Our World in Data.

تعهد قادة مجموعة الدول السبع التي تضم الدول الثرية بجرعات إضافية للدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض قبل نهاية عام 2022 في قمة انعقدت في مدينة كورنوال في المملكة المتحدة في الآونة الأخيرة؛ كان المحور الأساسي فيها وعدًا من رئيس الولايات المتحدة -جو بايدن- بالتبرع بقيمة 500 مليون جرعة من اللقاح فايزر-بايونتك بمدينة ماينز في ألمانيا، إضافةً إلى 87.5 مليون جرعة متعهد بها فيما سبق.

لن تصل لقاحات كوفيد-19 إلى الدول الفقيرة حتى سنة 2023 - ما الهدف من مبادرة كوفاكس وكيف ستتمكن من تحقيق أهدافها؟ لقاح كورونا

وفي هذا الصدد، تعهدت المملكة المتحدة بقيمة 100 مليون جرعة، وتعهدت كل من فرنسا وألمانيا واليابان بقرابة 30 مليون جرعة.

حسب بيانات نشرها باحثون من مركز دوك للابتكار في مجال الصحة العالمية الواقع في دورهام بكارولاينا الشمالية في الثاني من يوليو 2021، أرسلت الصين قرابة 30 مليون جرعة لقاح إلى ما لا يقل عن 59 دولة.

تقول أندريا تايلور، باحثة في مجال سياسات الصحة ومساعدة رئيس مركز دوك: «إن تلك التعهدات لا تضمن وصول المزيد من اللقاحات إلى أفقر شعوب العالم بسرعة أكبر». وفي شهر مارس، توقع فريقها أن العالم سيُلقَّح في عام 2023، وتؤكد تايلور أن الموعد المتوقع ما يزال ثابتًا.

ستقابل التعهدات الإضافية القيود المفروضة على التصدير، فكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يمنع تصدير بعض اللقاحات ومكوناتها. يصر الاتحاد الأوروبي على أن تلتزم الشركات بوعودها لإيصال اللقاحات إلى دول الاتحاد الأوروبي قبل إرسالها إلى أي مكان آخر.

وفي شهر فبراير، أمرت الهند -حيث يصنع نحو ست من جرعات اللقاحات العالمية العشر- الشركات المصنعة بأن تتوقف عن تصدير لقاحات كوفيد-19، متضمنة مبادرة كوفاكس التي أُسسَت من عدة هيئات، مثل منظمة الصحة العالمية، بغية توزيع اللقاحات على الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض، ما جعل الأمر عقبة عظيمة حسب رأي تايلور.

تعهدت مبادرة كوفاكس بتلقيح خُمس الكثافة السكانية لكل دولة من دول الدخل المتوسط والمنخفض، وذلك بإرسال ملياري جرعة قبل نهاية عام 2021. إضافة إلى ذلك، اشترت 2.4 مليار جرعة مقارنة بـ 1.1 مليار جرعة في شهر مارس، وفقًا لبيانات من مركز دوك للابتكار في الصحة العالمية، ولكن حتى الثاني من يوليو عام 2021، شحنت كوفاكس 95 مليون جرعة فقط مقارنة بـ 65 مليون جرعة في مايو.

تأخر وصول اللقاحات عن الموعد المقرر

تعد شركة الأدوية أسترازينيكا -الواقعة في كامبريدج بالمملكة المتحدة- واحدة من أهم مصادر جرعات اللقاح لمبادرة كوفاكس.

في شهر يونيو من عام 2020، وقعت الشركة اتفاقية مع معهد الهند للأمصال في مدينة بون -أحد أضخم مصنعي اللقاح في العالم- لتصنيع مليار جرعة من اللقاح الذي طورته الشركة سابقًا مع جامعة أوكسفورد بالمملكة المتحدة، ومن ثم إرسال هذه الجرعات إلى دول الدخل المتوسط والمنخفض؛ من ضمن هذه المليار جرعة، كان من المفترض أن تتوفر 400 مليون جرعة قبل نهاية سنة 2020.

بدأت الإصابات تتصاعد في الهند في أثناء الموجة الثانية في شهر مارس، فأمرت الحكومة في فبراير معهد الهند للأمصال بتحويل كل إمدادات اللقاح لتلبية الطلب المحلي، ما ألحق ضررًا شديدًا بمبادرة كوفاكس.

بحلول نهاية شهر مارس من هذا العام، استلمت مبادرة كوفاكس فقط 28 مليون جرعة من لقاح أوكسفورد-أسترازينيكا، وكان من المفترض أن تستلم 90 مليون جرعة أخرى قبل نهاية أبريل، ولكنها ما تزال معلقة حتى الآن.

عمومًا، بين شهري فبراير ومايو، استلمت الدول الأفريقية فقط 18.2 مليون من 66 مليون جرعة متوقعة من كوفاكس، وحسب فرع منظمة الصحة العالمية الأفريقي، فإنه من بين 1.3 مليار شخص في أفريقيا، 2% منهم فقط تلقوا جرعة واحدة من لقاح كوفيد-19، وأكثر من 1% بقليل منهم تم تلقيحهم بالكامل.

أخبر المتحدث الرسمي باسم معهد الهند للأمصال دورية نيتشر أن المؤسسة تتوقع أن تستأنف تصديرها العالمي قبل نهاية عام 2021، ويقول المتحدث الرسمي باسم مبادرة كوفاكس إنه رغم التأخيرات، فإن المبادرة واثقة من قدرتها على تحقيق هدفها بتوفير 2 مليار جرعة قبل نهاية العام.

وفي هذه الأثناء، يحاول الاتحاد الأفريقي إيجاد بدائل أخرى، وبمساعدة البنك الدولي، استطاع توفير 400 مليون جرعة من لقاح الجرعة الواحدة المصنع من شركة الأدوية «جونسون آند جونسون».

قال رئيس مراكز مكافحة الأمراض في أفريقيا، جون إنكنغاسونغ، في بيان موجز: «في الحقيقة، نحن في أفريقيا طرف غير رابح في المعركة ضد الفيروس، لذا فإنه لا يهم حقًا إذا كانت اللقاحات قادمة من كوفاكس أو أي منظمة أخرى؛ فكل ما نحتاجه الآن هو الوصول السريع إلى اللقاحات».

بدأت بعض الدول الأفريقية أيضًا التفاوض في صفقات مع شركات منتجة للقاح كوفيد-19 لملء الفراغ الذي تركه معهد الهند للأمصال، إلا أن هذه الدول تعد في نهاية الطابور -حسب تعبير تايلور- بسبب افتقارها للقدرة الشرائية التي لدى الدول الغنية.

الحاجة الملحة إلى اللقاحات

تقول تايلور: «مع خروج شركات التصنيع الهندية، أصبحت الولايات المتحدة مزودًا عالميًا رئيسيًا لجرعات اللقاح للدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض، فبدأت بتوزيع بعض مخزونها الفائض».

ولكن وفقًا لسمية سواميناثان، كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية: «ربما فات الأوان على ذلك؛ فالتوزيع غير المتكافئ للقاحات كوفيد-19 سمح للفيروس بالاستمرار في الانتشار».

يواجه غير الملقحين خطر الإصابة بالفيروس بالفعل، خاصةً المتغيرات الجديدة منه مثل متغير دلتا (يُعرَف أيضًا باسم B.1.617.2). تقول سواميناثان: «نحن بحاجة إلى تبرع الدول ذات الإمداد الضخم من اللقاحات بقيمة 250 مليون جرعة لشهر سبتمبر».

تطالب منظمة الصحة العالمية الدول الأعضاء بدعم الجهود الكبيرة لتلقيح ما لا يقل عن 10% من شعب كل دولة قبل شهر سبتمبر عام 2021، إضافةً إلى دفعة أخرى قبل ديسمبر لتلقيح 30% على الأقل قبل نهاية العام. تقول سواميناثان: «لن يحدث هذا إلا إذا تشاركت الدول جرعاتها مع كوفاكس في الحال، ومنحت شركات التصنيع الأولوية لطلبيات كوفاكس».

تضيف تايلور: «إن التوقيت بالغ الأهمية؛ فالجرعات التي تُشارَك الآن سيكون مفعولها أكبر من الجرعات التي تُشارَك في غضون ستة أشهر؛ لذا نحتاج إلى أن ترسل الدول الغنية الجرعات على الفور».

اقرأ أيضًا:

الآثار الجانبية للقاح كورونا: هل هي خطيرة و شائعة كما يعتقد الناس؟

أشهر الخرافات عن لقاح كوفيد-19 التي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي

من يمكنه أخذ لقاح كوفيد-19 بأمان؟

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: تسنيم الطيبي

المصدر