ظلّ القمر يدور حول كوكب الأرض نحو 4.51 مليار سنة منذ نشأته، منحنا-بفعل حركته الدائرية- منظرًا رائعًا لقرص رمادي متوهّج في ظلمة سماء الليل، ومنحنا أيضًا بعض الظواهر الرائعة على سطح الأرض. إحدى هذه الظواهر هي حركة المد والجزر.

تحدث ظاهرة المد والجزر التي نشاهدها في البحار والمحيطات بسبب الجاذبية التي يمارسها القمر على كوكبنا، تُعرف أيضًا (قوة المد والجزر). تعمل هذه القوّة على جذب مياه محيطات الأرض إلى الجانب الأقرب من القمر.

تُصوّر الأسهم الحمراء انجذاب وامتداد مياه محيطات الأرض عند حدوث المد والجزر

تُصوّر الأسهم الحمراء انجذاب وامتداد مياه محيطات الأرض عند حدوث المد والجزر

لماذا يبتعد القمر عنّا؟

يبلغ قطر مدار القمر حول الأرض نحو 768 ألف كيلومتر، لكن هذا القطر يزداد بمقدار 3.8 سنتيمترات كل عام. أي يبتعد القمر عنّا بمقدار 3.8 سنتيمترات سنويًّا.

قد تعلم مُسبّقًا أن الأرض والقمر مترابطان فيما يُعرف بظاهرة التقييد المدّي، بمعنى أن حركة كلا الجرمين السماويين قد زومنَت بطريقة تُرينا دائمًا الجانب نفسه من القمر. وبما أن الأرض تكمل دورةً واحدةً على محورها في 24 ساعةً ويكمل القمر دورةً واحدةً حول الأرض في 27.3 أيام، فإن امتداد محيطات الأرض تعمل على تسريع القمر. أي تدفع الأرض القمر إلى الأمام في مداره الأخير.

في الوقت نفسه، يتراجع القمر تدريجيًا أيضًا عن جذب مياه الأرض نحوه، ما يبطئ من سرعة دورانه قليلًا. لهذا السبب، بعد 100 عام تقريبًا من الآن، سيكون اليوم على الأرض أطول بمقدار 2 ميلي ثانية مما هو عليه حاليًا.

يؤدي امتداد محيطات الأرض إلى زيادة نصف قطر مدار القمر حول كوكبنا.

يؤدي امتداد محيطات الأرض إلى زيادة نصف قطر مدار القمر حول كوكبنا.

نظرًا لأن الأرض أكبر من القمر، فإن جاذبيتها أقوى، ولهذا السبب تزداد سرعة دوران القمر، ومع مرور الزمن، يصبح مداره أكبر وأكبر.
في حين أن الزيادة البالغة 3.8 سنتيمترات قد لا تبدو كبيرةً، فإنه على مدار سنوات عديدة (نحن نتحدث عن المليارات)، تتراكم هذه القيمة وتصبح معتبرةً للغاية.

لنفترض أن مدار القمر أصبح كبيرًا لدرجة أنه يغادر محيط الأرض تمامًا … ماذا سيحدث للمد والجزر على كوكبنا بعد ذلك؟
ماذا سيحدث للمد والجزر على الأرض إذا ابتعد القمر؟

إنه أمر واضح ومباشر في الواقع، إذا ابتعد القمر عن الأرض بما يكفي وغادر مدار كوكبنا تمامًا، فلن يكون هناك مدّ في محيطاتنا.

كما ذكرنا سابقًا، تؤدي ظاهرة التقييد المدّي بين القمر والأرض إلى إبطاء سرعة دوران كوكبنا. بالمعدل الحالي، يتوقع العلماء أنه بعد نحو 50 مليار سنة من الآن، ستتباطأ الأرض بما يكفي لمواجهة القمر دائمًا وسيتوقف القمر عن الابتعاد عن الأرض.

بعبارة أخرى، في غضون 50 مليار سنة أو نحو ذلك، قد لا يكون هناك مد وجزر في بحارنا ومحيطاتنا.

هل هناك داعِ للقلق بشأن ابتعاد القمر؟

مع أن زوال المد والجزر في محيطات الأرض سيكون بالتأكيد أمرًا فظيعًا، فإننا لا نحتاج حقًا إلى القلق بشأن ذلك، إذ يبدو أنه ستظهر أشياء أخرى وتؤدي دورًا كبيرًا أيضًا.

إذا صحّت التقديرات، فيُحتمل أن تبتلع الشمس كلًا من الأرض والقمر بنحو 5 مليارات سنة.

تستمر الشمس في الاحتراق بسبب عملية تحدث داخل نواتها تُعرف بالاندماج النووي. وتحرق الشمس 600 مليون طن من الهيدروجين كل ثانية. هذا هو مدى اتساع عملية الاندماج داخل الشمس بشكل مذهل.

مع توسّع الاندماج النووي داخل نواة الشمس، تصبح الشمس أكثر سطوعًا بنسبة 10٪ تقريبًا كل مليار سنة. هذا من شأنه، أن يعيث فسادًا على كوكبنا في الوقت المناسب، فتغلي محيطات الأرض، وتذوب القمم الجليدية المتبقية، ويزول الغلاف الجوي … سمّها ما شئت. لن ينجو القمر أيضًا.

باختصار، إذا ابتعد القمر عن الأرض ، فلن يوجد مد وجزر على هذا الكوكب. ولكن قبل حدوث ذلك بوقت طويل، يُرجّح أن تلتهم الشمس كلا الجسمين السماويين!

اقرأ أيضًا:

ما الذي يسبب المد والجزر؟

لماذا لا تسبب الشمس ظاهرة المد والجزر؟ ولماذا هي حصرية على القمر؟

ترجمة: رضوان بوجريدة

تدقيق: لبنى حمزة

مراجعة: آية فحماوي

المصدر