عندما سقطت أليس في جحر الأرنب؛ شَهِدَت سلسة من الظواهر العجيبة، فتقلّص حجمها وتضخّم وكادت تغرق في بحر من دموعها وقابلت ثُلّة من الكائنات الغريبة! وعلى ما يبدو فإن السقوط في ثُقبٍ أسود قد يفوق غرابة التجارب التي وصفها لويس كارول في كلاسيكيته، وعلى خلاف ما حدث مع أليس التي نجت من مغامرتها دون مكروه، فمن غير المرجّح أن تنتهي رحلة شخصٍ ما إلى واحدة من أكثر المحطات الكونية غموضًا على ما يرام؛ لشرح ذلك يجب أن ننظر أولًا في ماهية الثقب الأسود، وكيفية تفاعله مع المحيط الكوني الذي يحتضنه.

تنبّأ العلماء بوجود الثقوب السوداء بطريقة غير مباشرة، ورغم اعتمادهم على أدلّة ظرفية، إلّا أنّ هناك بعض الأمور التي يظنّ العلماء أنّهم متيقنون منها فيما يتعلّق بالثقوب السوداء، مثل الجزئية التي تشير إلى كونها مناطق تنضغط فيها المادّة إلى حدّ لا نهائي من الكثافة، مناطق كهذه تمتلك جاذبية خارقة لا يستطيع أيّ شيء أن يُفلت منها، حتّى لو كان هذا الشيء هو الضوء، عندما تسقط المادة والضوء داخل الثقوب السوداء؛ ينطلق كم هائل من الأشعة السينية وأشكال الطاقة الكهرومغناطيسية الأخرى التي تندفع في الفضاء، هذه الإشعاعات هي ما ينبّه الفلكيّين إلى وجود تلك الوحوش الكونية الغامضة.

تتعدّد أحجام الثقوب السوداء، ومن أجل قياسها يستخدم العلماء ما يسمّى بنصف قطر شفارتزشيلد، الذي يصف أفق اللاعودة أو ما يسمّى بأفق الحدث، التخم الكروي المحيط بالثقب الأسود والفاصل بين ما يستطيع الإفلات منه وما لا يستطيع، وكلّما ازدادت كتلة الجسم اتّسع أفق اللاعودة الخاص به وازداد نصف قطره، وبصرف النظر عن مدى ضخامته؛ فإن النقطة المركزية التي تتكثّف داخلها المادة بشكل لانهائي داخل الثقب الأسود تسمّى التفرّد الجذبوي.

ويعتقد العلماء الآن بوجود الثقوب السوداء في مراكز المجرّات، ويصنّفون هذه الوحوش الكونية إلى ثقوب سوداء عملاقة قد تصل كتلها إلى ما يعادل كتل بلايين الشموس، وثقوب سوداء نجمية تتكون من بقايا نجوم هائلة تنهار على نفسها، وأقرب ثقب أسود نجمي إلى المجموعة الشمسية يسمى Cygnus X-1ويقع على بعد ٦٠٠٠ سنه ضوئية.

لنفترض أنّك الآن على متن رحلة متجهة نحو الثقب الأسود، يتوقف ما ستراه كلّما اقتربت من وجهتك المقصودة على ما يوجد حول الثقب الأسود، فإذا كان الثقب الأسود يقترن بنجم مرافق يسحب منه ضوءه وغازاته، فسيكون الثقب الأسود في هذه الحالة محاطًا بقرص غازي على شكل حزام من الغازات الساخنة والمضيئة، حتى لو كان هذا الثقب الأسود يقبع في ركن معتم من هذا الكون دون نجم قرين؛ سوف تستطيع أجهزة الاستشعار الخاصة بالمركبة التي تسافر بها أن تلتقط الإشعاعات القويّة التي يطلقها الثقب، وستعرف تمامًا متى بدأْتَ تقترب منه.

فإذا أوقف القائد مركبته على تخوم جاذبية الثقب الأسود وترجّلت منها متجهًا نحو مصيرك، فستبدأ جاذبية الثقب الأسود بالتحكم بك وستسحبك نحو الداخل كلما أصبحت أقرب، وسيتموضع جسدك خلال رحلته بحيث تسبقك قدماك نحو أفق اللاعودة، وفي هذه المرحلة ستتحوّل الأمور نحو الأسوأ.

ستزداد قوى المدّ والجزر كلما تقلّصت المسافة بينك وبين الثقب الأسود، وهذا يعني أن الجاذبية ستأثر على قدميك بمقدار أكبر مما ستأثر به على القسم العلوي من جسدك، مما سيؤدي إلى تسارع قدميك بنسبة أعلى، وحينها سيبدأ جسمك بالاستطالة، في البداية ستشعر بعدم ارتياح، ولكن مع مرور الوقت ستزداد شدّة التمدد، وستحوّل قوى الجذب جسدك إلى قطعة طويلة ورفيعة تشبه المعكرونة، أمّا المرحلة التي سيبدأ فيها شعورك بالألم، فتعتمد على حجم الثقب الأسود، إن كنت تسقط في ثقب أسود عملاق ستلاحظ تأثير قوى المد والجزر عن بعد ٦٠٠٠٠٠ كيلومتر من المركز، بعد أن تكون قد تجاوزت منطقة أفق اللاعودة، أما إذا كنت تسقط في ثقب أسود نجمي، فسيحدث ذلك على بعد ٦٠٠٠ كيلومتر من المركز، وذلك قبل تجاوز أفق اللاعودة.

عندما تتجاوز قوى المد والجزر الحد الذي تسمح به مرونة جسدك؛ سينقسم جسدك إلى نصفين عند النقطة الأضعف، أي أسفل الخاصرتين، وسترى نصفك السفلي يطفو على مقربة منك في الفضاء، وسيبدأ كل قسم بالاستطالة على حدة، حتى ينقسمان مرة أخرى، لتستمر العملية مرارًا وتكرارًا، حتى تصبح هباءً في غضون ثوانٍ، لتلتحم ذراتك المتناثرة مع منطقة التفرّد الجذبوي في مركز الثقب الأسود.

ربما ليست هذه هي الطريقة الأفضل للموت، إنّما من المؤكد أن صراخك لن يسمعه أحدٌ في الفضاء.


المصدر