ماذا لو تساءلنا فيما إذا لم تكن حياة في الكون؛ فالشمس في كل الأحوال نجم فماذا لو لم يكن هناك نجوم وشموس وحياة؟ حسنًا، إذا صادفت كونًا دون حياة ونجوم، فستجد نفسك تطفو في فضاءٍ متجمد من اللا شيء آملًا لو أنك أحضرت معطفًا دافئًا. لترى بين الحين والآخر جسيمات النيترينو تظهر وتختفي في نطاق الوجود.

لذا دعنا نطرح السؤال بطريقة أخرى: ماذا لو لم تكن هناك نجوم مرئية؟ سنفترض أن الشمس وكواكبها ما تزال موجودة، لكن لسبب أو لآخر لا تمكن رؤية النجوم الخارجية من الأرض. دعنا نقول إن إحاطة النظام الشمسي بسديمٍ مظلم هو السبب في ذلك. فالسدم هي سُحب ضخمة من الغبار والغاز الساخن، وتكون عادةً في طور التكتّل وتشكيل النجوم، بالإضافة إلى أنها شديدة السطوع، لكن في بعض الأحيان قد تكون سحابة من الغبار بين النجوم سميكة وباردة بما يكفي لحجب ضوئها الداخلي.

سنفترض هنا أن شمسنا تطورت تطورًا طبيعيًا لكن لسوء حظنا أن نظامنا الشمسي يقع داخل سديم مظلم. ومثلما تسير الحياة على الأرض، بدأ النظام الشمسي يدخل إلى سحابة الغبار ليبدأ انخفاض سطوع النجوم تدريجيًا. وكلما أصبح الغبار أكثر ثخانةً خلال بضعة ملايين سنة، تصبح السماء أكثر ظلمة.

لتكون السماء مظلمة تمامًا في الوقت الذي بدأت فيه أول سمكة شجاعة بالسباحة على الأرض. ليبقى أخيرًا عدد قليل من البقع الضوئية الحمراء التي تظهر في سماء الليل عبر السديم ناتجةً عن ضوء ألمع النجوم. سيتذمر البشر مع الوقت كلما نظروا إلى السماء، فكل ما سيرونه ضوء القمر وبعض الكواكب المضيئة في الظلام.

ماذا لو لم يكن هناك نجوم - جسيمات النيترينو - سحب ضخمة من الغبار والغاز الساخن - سحابة من الغبار بين النجوم سميكة وباردة بما يكفي لحجب ضوئها الداخلي

سيكون البشر في وضع غير ملائم للحياة على الأرض السديمية كما افترضنا. فقد استفدنا عبر التاريخ من النجوم في ضبط إعدادات التقويم والملاحة وتحديد مواعيد المحاصيل الزراعية بالإضافة إلى تطوير العلوم خاصة الفيزياء. فالقدرة على التنبؤ بحركة النجوم كانت سببًا قويًا لحكم الفراعنة في مصر القديمة. فدون التفويض الإلهي سيجد الفراعنة صعوبةً في إقناع أي شخص بالمشاركة في بناء الأهرامات.

سيكون من الصعب التنبؤ بالتأثير الكبير لما افتُرض سابقًا بسبب الكثير من القيود التكنولوجية، لذا سنركز على جانب واحد وهو الملاحة الجوية.

يستطيع البحارة القدماء التجول في البحر المتوسط إذا حافظوا على الساحل على مرأى من ناظرهم. فمن السهل نوعًا ما معرفة أي اتجاه تأخذ باستخدام الساعة الشمسية وبوصلة، لكن من المستحيل معرفة وجهتك في الليل دون النجوم. فالإبحار بعيدًا عن الساحل في الظلام الدامس يصبح أكثر صعوبةً؛ عاصفة واحدة قادرة على تخريب أي إدراك لموقعك. فالسفر عبر البحر المفتوح أقرب إلى المستحيل، إذ إن أي رحلة بحرية تستغرق أكثر من يوم ستواجه هامش خطأ يتزايد كل يوم ليصبح الاتجاه غير دقيق يومًا بعد يوم.

دون الهجرة البحرية، سيعدو المشهد السياسي مختلفًا اختلافًا جذريًا عن المشهد الحقيقي. فسيكون التوسع الأوروبي عاجزًا. وستكون شعوب الآزتيم والإنكا -إذا تُركوا في حال سبيلهم وهم من أكثر المجتمعات المتقدمة تكنولوجيًا في الأمريكيتين- أقوى الولايات في نصف الكرة الغربي. وعبر المحيط الأطلسي، لن تتمكن دول مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا التي عزمت على التوسع الاستعماري خلال عصر الإبحار من بناء المستعمرات بعيدًا عن الوطن. ستحافظ دول مثل الصين والهند -التي كانت مُستعمرة من قِبل الأوروبيين- على استقلالها.

هنا تبدأ فكرة الأرض السديمية بالحصول على الاهتمام السياسي. فدون الملاحة البحرية ستتقيد التجارة الخارجية. ستُبحر السفن التجارية الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط، ما يسمح بالتجارة بين أوروبا والشرق الأوسط، لتكون طريق الحرير أكبر مصدر للتجارة الدولية، وهي شبكة طويلة من الطرق التجارية تبدأ في قسطنطينة لتمتد عبر آسيا الوسطى إلى الهند والصين.

فعلى الأرض الحقيقية، تحركت القوافل التجارية جيئةً وذهابًا على طول طريق الحرير لتجارة الحرير والأحجار الكريمة والأعشاب عبر آلاف السنين. أما على الأرض السديمية فتصبح أهم طريق تجاري رئيسي (وربما الوحيد) في العالم. وأي دولة تسيطر على جزء كبير من هذه الطريق ستغدو ثرية، إلا إنها ستكون هدفًا لقطاع الطرق وعرضةً للغزو من الدول المجاورة القوبة. إن معظم الأراضي على طول الطريق قاحلة وتصعب تسويتها، ما يجعل من الصعب التمسك بها.

ففي تاريخنا، تتغير أجزاء من طريق الحرير كثيرًا. فاللاعبون الرئيسيون على مدى آلاف السنين كانوا اليونانيين والأتراك والصينيين والمغول والفرس والسكثيين وآخرين من البدو في سهول آسيا الوسطى.

وكما في العالم الحقيقي، ستتغير الطريق بين الإمبراطوريات التاريخية إذ ستتاجر الصين والهند بطريقة غير مباشرة مع أوروبا الضعيفة، أحيانًا مرورًا بالعالم الإسلامي، وأحيانًا عبر إمبراطوريات الخيول في آسيا الوسطى. في شرق آسيا، سيغزو شعب المانشو الصيني ما تبقى من إمبراطورية سهل جونغهار، وتتوسع روسيا من خلال الاستعمار والغزو الغربي. ستحدد روسيا والصين حدودهما رسميًا مع بعضهما في معاهدات تعود إلى عامي 1689 و1727 ربما، وكل منهما ستطلب التحكم بخط التجارة العالمية ضمن حدوده.

هنا تختلف الأحداث التاريخية، فعلى الأرض الواقعية، دمرت الاتفاقيات الروسية الصينية اقتصاد آسيا الوسطى. ووجدت البلدان المحيطة التي تسعى إلى تجنب الاحتكار التجاري، طرقًا بديلة، مثل التجارة البحرية والمستعمرات البريطانية في الهند. لتتوقف التجارة على طول طريق الحرير، ما دمر اقتصاد كل من الصين وروسيا.

أما في نموذج الأرض السديمية، فالتجارة البحرية الخارجية ليست خيارًا مطروحًا. بالنسبة للأوروبيين، ليست هناك تجارة مع العالم الجديد لوقف تدمير الاقتصاد الناتج عن إغلاق طريق الحرير. وفي البحر، لا توجد منطقة ساحلية متاخمة لطريقٍ الوصول إلى الشرق. ولا توجد مؤن للسكر في منطقة البحر الكاريبي ولا مناجم للفضة خاضعة للسيطرة الأروربية في العالم الجديد ولا تجارة للرقيق عبر المحيط الأطلسي.

ربما تصبح روسيا القوة المهيمنة في أروربا الفقيرة. والصين خالية من الغارات الأوروبية، لتوسع أراضيها شرقًا إلى اليابان وجنوبًا إلى جزر جنوب المحيط الهادئ للسيطرة على تجارة التوابل، وربما استعمار أستراليا. بنفس الوقت، تنمو الهند لتصبح أكثر ثراءً وقوةً، ليحاول باقي العالم تجاوز الاحتكار التجاري الصيني الروسي. ومع دخول هذا النموذج في القرن العشرين، سيبقى غرب وشمال أوروبا مصدرًا للثقافة والاقتصاد تحت سماء الليل المظلمة.

فليس هناك من حروب عالمية أو على الأقل غير مدارة من قبل الدول الأروربية، لكن ستغدو روسيا والصين والهند قوًى مهيمنة عالمية. في أفريقيا، ستشكل الصومال وأثيوبيا مركزًا تجاريًا عبر البر واقتصاديًا هامًا بين أوروبا والهند. بعيدًا عبر المحيطات، ستنتظر أمريكا الشمالية الجنوبية المقسمة اتصال عالمها القديم بالعالم الجديد الذي لا يمكن التنبؤ به.

اقرأ أيضًا:

ما هو المؤشر الاقتصادي ؟

لماذا وحدة قياس السرعة في البحر هي العُقَدة؟

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: عون حداد

المصدر