حلل علماء -من معهد ماساتشوستس (MIT) ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا وجامعة كورنيل وجامعة ستوني بروك- بيانات موجات الجاذبية لاثنين من الثقوب السوداء الدوارة نحو الداخل. ليثبتوا من خلال التصادم نظرية منطقة هوكينج: «لا يمكن أن تتقلص منطقة أفق الحدث لثقب أسود» وهي نظرية عمرها 50 عامًا للعالم الراحل ستيفن هوكينج.

عند دوران اثنين من الثقوب السوداء الدوارة نحو الداخل، يتقلص مداراهما ويصدر نظامهما موجات جاذبية، ويزداد معدل الانبعاث مع تقلص المدارين أكثر ويكتسب سرعة أكبر. وعندما يحدث الاندماج أخيرًا، تبلغ انبعاث الموجة ذروتها ويكوّن الثقبان الأسودان ثقبًا أسود واحدًا جديدًا. ووفقًا لنظرية هوكينج، يجب أن تكون مساحة الثقب الأسود الجديد مساويةً لمساحة الثقبين الأسودين الأصليين.

هذا هو بالضبط ما وجده الباحثون في بيانات الموجة للنموذج المُلاحظ.

يقرّبنا هذا من فهم تعقيدات وظائف الثقب الأسود، كما يقول ريكاردو بينكو دكتور وأستاذ مساعد في نظرية فيزياء الطاقة العالية في جامعة كارنيجي ميلون: «يتيح لنا اكتشاف موجات الجاذبية اختبار الثقوب السوداء بشكل مباشر بدل مجرد استنتاج وجودها بشكلٍ غير مباشر من خلال دراسة حركة الأجسام الأخرى من حولها. ولمدة أطول، درسنا الثقوب السوداء كأجسام رياضية تتمتع بمجموعة من الخصائص، وقانون منطقة هوكينج أحدها. أمّا الآن فنحن في وضع يسمح لنا باختبار هذه الخصائص تجريبيًا».

وفقًا لحسابات هوكينج، إذا تغيرت مساحة الثقب الأسود فإن أفق الحدث سوف يتمدد أو يتقلص حسب حجمه الجديد. أفق الحدث هو منطقة تأثير مجال جاذبية الثقب الأسود، هو نقطة اللاعودة لأي شيء بما في ذلك الضوء. فيجب أن يتحرك الجسم بسرعة أكبر من سرعة الضوء من أجل النفاذ منها.

يقول بينكو إن نظرية هوكينج صحيحة بالنسبة للثقوب السوداء التي رصدها مرصد ليغو لموجات الجاذبية (LIGO)، وهو زوج من المراصد الأمريكية التي بُنيت لدراسة موجات الجاذبية، استخدمها هؤلاء الباحثون لاستنتاجاتهم. لكنّ نظرية هوكينج يمكن أن تنطبق أيضًا على الثقوب السوداء الأخرى، تلك التي تبدو في البداية أنها تخالف النظرية حتى تثبت أنها قابلة للتطبيق على مفهوم آخر افترضه الفيزيائي.

يقول بينكو: «أظهر هوكينج أنه عندما تؤخذ التأثيرات الميكانيكية الكمومية في الحسبان -مثل سلوك المادة دون الذرية والضوء- يمكن للثقب الأسود أن يقلل تلقائيًا من مساحة سطحه بمرور الوقت من طريق إصدار إشعاع». ما يعني تبخر الثقب الأسود، والذي يُطلق عليه أيضًا إشعاع هوكينج، وهو إشعاع كهرومغناطيسي افتراضي يصدر تلقائيًا من الثقوب السوداء. لذا فإن نظرية منطقة هوكينج لها استثناء وهو: إشعاع هوكينج، الذي أشار له هوكينج نفسه.

اكتشف مرصد ليغو أول إشارة لموجة الجاذبية في هذه الدراسة -التي تموّجت أساسًا في الزمكان الناتج عن التفاعلات الكونية- في عام 2015. كانت نتاج اثنين من الثقوب السوداء المدمجة (التي تسبب عادةً موجات الجاذبية الأقوى)، جنبًا إلى جنب مع كمية هائلة من الطاقة التي انتشرت عبر نسيج الزمكان.
افترض الباحثون أنه إذا صمدت نظرية منطقة هوكينج، فلن تكون منطقة أفق الحدث للثقب الأسود الجديد الناشئ من الاندماج أصغر من مساحة أفق الحدث الإجمالية للثقوب السوداء الأصلية.

ولكي يختبروا فرضيتهم، قسَّموا بيانات موجات جاذبية هذه المنظومة إلى قسمين: قبل الاندماج وبعده. ثم حللوا كلّا القسمين لمعرفة كيفية مقارنة مناطق أفق الحدث. ثم أعاد العلماء تحليل بيانات الموجة ووجدوا أن المنطقتين متماثلتان إحصائيًا؛ بمعنى أنّ إجمالي مساحة أفق الحدث لم تنقص بعد الاصطدام بنسبة 95%.

ينتج عن تحليل ذلك، أنه ما يزال من الممكن تطبيق قوانين الفيزياء العادية -مثل قانون صون الكتلة- على دراسة الثقوب السوداء، فيمكن أن تصبح الفيزياء أكثر نظرية بتطبيقها على المواقف غير المألوفة بالنسبة لقوانين الأرض. ويمكن أيضًا أن يكون العمل في الاتجاه المعاكس بمراقبة بيانات الحياة الواقعية لتجريب القوانين التي قد تحكم سلوك الثقب الأسود، طريقة عملية لتطوير مجال علم الكون بأكمله. فخلال هذا الاندماج للثقوب السوداء، أصبح لدى علماء آخرين الآن مثال ملموس للإشارة إليه خلال استمرارهم في دراسة الفضاء.

يقول بينكو: «إن هذا لا يغير بشكل أساسي فهمنا للثقوب السوداء (فقط) لأنه يؤكد توقعاتنا النظرية».

يساعدنا تأكيد النظرية على فهم آليات الظواهر الكونية الغامضة مثل الثقوب السوداء بشكل أفضل، لكنه يخلق أيضًا ارتباطًا أكثر أهمية بين التجربة العلمية الملموسة على الأرض وعلم الفضاء النظري.

يقول بينكو: «من المهم دائمًا أن تكون قادرًا على التأكيد تجريبيًا. إنها خطوة أخرى إلى الأمام نحو فهم أعمق للثقوب السوداء».

اقرأ أيضًا:

بالصدفة: اكتشاف جديد عن الثقوب السوداء

لماذا لا تبتلع الثقوب السوداء الفضاء بأكمله؟

ترجمة: عمرو أحمد حمدان

تدقيق: أحمد مهدلي

المصدر