تخيلوا لو استطاع العلماء النظر داخل جسم الإنسان بأكمله مرّةً واحدةً، عبر كلّ الأنسجة والأعضاء، وراقبوا كيف يشقّ الدواء طريقه عبر كلّ إنش من كياننا.

فكروا في الاحتمالات: قدرة كهذه قد تمكّننا من تشخيص الأمراض وتتبّعها كما لم يكن من قبل، دون ذكر الإيجابيات من أجل تطوير الأدوية.

قد يبدو الأمر كحلم خيالي، ولكن بعد ثلاثة عشر عامًا من العمل، صمّم فريق من الباحثين بجامعة “Californai Davis”  أوّل آلة تتمكن من فعل ذلك بالضبط.

تستطيع الآلة التي تجمع بين التصوير المقطعيّ بالإصدار البوزيتروني(PET) والتصوير المقطعيّ للأشعة السينيّة (CT) التقاط صور ثلاثية الأبعاد في ثانية واحدة، وبتفاصيل دقيقة كما لم يكن من قبل.

يمكن أن يكون لهذا الاختراع تأثيرٌ عميقٌ على الطب، وبذلك يتمكّن العلماء من رؤية الخطوط العريضة للسرطانات وأمراض أخرى بشكل أسهل بكثير، إضافة إلى تتبّع حركاتها عبر الجسم.

قال أحد الباحثين، (سيمون تشيري – Simon Cherry) مهندس الطب الإحيائيّ: «بينما تخيّلت كيف ستبدو الصور لسنوات، لم أكن مستعدًا للتفصيل المذهل الذي ظهر به ذلك المسح الأوّل»، وأضاف: «بينما لا يزال هناك الكثير من التحليل الدقيق لفعله، أعتقد أنّنا نعرف أنّ (المستكشف – Explorer) يقوم بنجاعة بما وعدنا به».

إنّه تصريح مهم، لأنّ تشيري وزميله، طبيب الأشعة (رمزي بدوي – Ramsey Badawi) وعدا بالكثير. قبل ثلاث سنوات، وبعد الحصول على منحة بمبلغ 15.5 مليون دولار أمريكي من طرف المعاهد الوطنيّة للصحة (NIH)، قارن بدوي إمكانيات المستكشف بتلسكوب هابل الفضائيّ.

إلا أنّه، عوضًا عن تمكيننا من رؤية مجرات بعيدة، فقد ادعّى بأن هذا الاختراع سيمكّننا من التحديق داخل الجسم البشريّ المُعقّد بشكل متناهي.

قال بدوي في ذلك الحين: «بطرق عديدة لم يكن معروفًا ما سيراه هابل قبل أن يذهب إلى هناك، وأنا أشعر بنفس الشيء بخصوص المستكشف»، وأضاف: «إنّه شيء مشوق جدًا لأنّنا لم نستطع أبدًا النظر إلى الجسم البشريّ بهذه الطريقة، إذن لا نعرف ماذا سنرى وهذا قد يسبب ثورة».

إنّه ادعّاء جريء بالفعل، لكن تبدو النتائج المبدئية واعدةً للغاية. حتى بدوي، الذي كانت آماله كبيرة منذ البداية، قال أنّه كان مصدومًا من الصور الأولى للمستكشف.

«إن مستوى الدقة كان مذهلًا، خاصة حين حسّنّا طريقة إعادة التشكيل.» قال باداوي، وأضاف: «لقد استطعنا رؤية ملامح لم تكن رؤيتها ممكنة في مسح PET عاديّ».

إن الآلة الجديدة فعّالة جدًا، فهي تستطيع مسح جسم بأكمله في مدّة 20 إلى 30 ثانية، وهي مدّة أسرع بـ 40 مرة من مسح (PET) الحاليّ. ستمكّن اللمحة الآنية العلماء من تتبّع الأدوية ذات العلامات المميزة حينما تتنقل داخل الجسم مع الزمن، وهي نتيجة وصفها العلماء بالمذهلة.

وقال بدوي: «لا يوجد أيّ جهاز آخر يمكنه الحصول على بيانات بهذه الطريقة في البشر، فهذا إذن شيء جديد».

والأفضل من ذلك هو أن هذا الماسح الجديد أكثر أمنًا من ماسح  (PET)الحاليّ، فهو يلقي جرعةً من الإشعاعات أقلّ بـ 40 مرّة.

عند استعمال تكنولوجيا المسح الحاليّة، يجب أن يقلق العلماء بشأن التحكّم في جرعات الإشعاع المتزايدة، لأنها يمكن أن تكون مضرّة بالصحة البشريّة. إن المستكشف يسهّل على الأفراد الآن قيامهم بأكثر من مسح كما يمكن استخدامه على الأطفال، فهم حساسون للإشعاع.

قال تشيري: «في جميع الحالات، يمكن أن نمسح بشكل أفضل، وأسرع وبجرعة أقل من الإشعاع، أو بمزيج من كلّ هذا».

يمكن أن يثبت هذا النوع من الآلات نفعه في أيّ مجال من مجالات الطب. إنّ إمكانية فحص الأعضاء والأنسجة في الجسم في آن واحد ستمكننا من قياس تدفق الدم بشكل أكثر دقة من أيّ وقت مضى. يمكننا بالتحديد مشاهدة كل عضو من جسمنا يمتص الغلوكوز.

يأمل الباحثون بأن هذا الماسح سيحسّن دراسة السرطان وتشكيلة كاملة من الأمراض الأخرى والتي تسبب التهابًا، تعفنًا، اضطرابًا مناعيًا أو أيضيًا.

يُقال أنّ الآلة ستكون جاهزةً للاستعمال بحلول يونيو 2019.

«لا أعتقد أنّه سيمر وقت طويل قبل أن نشهد عددًا من نُظم المستكشف عبر العالم» قال تشيري، وأضاف: «ولكنّ ذلك يعتمد على إثبات منافع النظام سريريًا ومن أجل الأبحاث. الآن، يتجه تركيزنا نحو تخطيط الدراسات التي ستبرهن كيف أنّ المستكشف سيكون ذا نفع لمرضانا وسيساهم في معرفتنا للجسم البشريّ بكامله في الصحة والمرض».

الصور الأولى ستظهر في اجتماع المجتمع الإشعاعيّ لأمريكا الشمالية والذي سيبدأ بتاريخ 24 نوفمبر 2018.


  • ترجمة: إكرام ناجي
  • تدقيق: لبنى حمزة
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر