ما الذي أكَّدته الدراسةُ التي استمرَّت أربعة وخمسين عامًا؟


بيَّنَت دراسةٌ أجراها العلماءُ على مجموعةٍ من الرجال متوسطي العمر بهدفِ تحديدِ العواملِ المؤديَّةِ إلى الإصابةِ بالأمراضِ القلبيَّة وإلى الوفاةِ، والتي استمرَّت أربعة وخمسين عامًا، فوائدَ ممارسةِ النشاطات البدنيَّةِ طوال الحياة، إذ أكَّدت نتائجُ هذه الدراسة أنَّ قلَّةَ ممارسةِ النشاطاتِ البدنيَّةِ تُعَدّ السبب الثاني للوفاةِ بعدَ التدخين، وقد نُشِرَت هذه الدراسةُ في المجلة الأوربيَّة للوقايةِ من أمراضِ القلب، في السادسِ والعشرين من شهر تموز/يوليو 2016.

ويعلنُ الدكتور بير لايدنڤال، باحثٌ في قسمِ الطبِّ الجزيئي والسريري في كليَّة سالغرينسكا التابعة لجامعة غوتنبرغ والكاتبُ الرئيس لهذه الدراسة، قوله: «إنَّ فوائدَ ممارسةِ النشاطاتِ الجسديَّة على مدى الحياة بيِّنةٌ وواضحة»، ويضيف: «يتفوَّقُ خطرُ عدم ممارسةِ النشاطاتِ الجسديَّةِ على خطرِ ضغط الدَّمِ المرتفع، وكذلك على خطر ارتفاعِ معدَّل الكولسترول في الدم».

تضمَّنَت هذه الدراسةُ 792 رجلًا من «دراسة الرجالِ الذين وُلِدوا عام 1913» التي جَرَت عام 1963 في «غوتنبرغ» والتي دَرَست عيِّنةً نموذجيَّةً مكوَّنةً من رجالٍ يبلغون الخمسين من العمر.

ففي العام 1967، أجرى هؤلاء الرجال -الذين كانوا يبلغون أربعةً وخمسين عامًا- تمارينَ اختباريَّة، وقد أجرى 656 رجلًا من بينهم تمارينَ قصوى دفعوا فيها أنفسَهم للحدِّ الأقصى، وقد استُثنِي الباقون من هذا النوعِ من التمارين بسببِ ظروف صحيَّة كانوا يعانون منها.

وقد سُجِّل الحد الأقصى لاستهلاك الأوكسجين للرجال الـ 656 الّذين أجروا التمارين ذات المستوى الأقصى باستخدام تقنيَّة (Ergospirometry).
يوضِّحُ لايدنڤال قائلًا: «يقيسُ الحدُّ الأقصى لاستهلاك الأُكسجين القدرةَ الأكسجينيَّةَ (Aerobic capacity) وحدَّها الأقصى، وهذا ما يعطي صورةً واضحةً عن مستوى اللياقةِ البدنيَّةِ للشخص. ونظرًا لصعوبةِ استخدام تقنيَّة (Ergospirometry) لدى شريحةٍ واسعةٍ من الأفراد في العام 1967، فإنَّ العلماءَ قد استخدموا القياسات التي أجريِت لاحقًا لاستحداثِ معادلةٍ مكَّنتهم من توقِّع الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين لدى الـ 656 رجلًا الذين أجروا الاختبار ذا المستوى الأقصى».

وقد تابع العلماءُ حالةَ هؤلاء الرجال حتى عام 2012 (كانوا قد بلغوا تمام المئة عام) وأجرِيَت عليهم عدَّةُ اختباراتٍ بدنيَّةٍ بمعدَّلِ اختبارٍ واحدٍ كل عشر سنوات. وقد أُخِذَت كافَّة الأسبابِ المؤديَّةِ إلى الوفاةِ من المركز الوطني لتسجيل أسبابِ الوفاة.

قُسِّمَ الرجالُ إلى ثلاثِ مجموعاتٍ بهدفِ دراسةِ وتحليلِ العلاقةِ بين «الحد الأقصى لاستهلاك الأوكسجين» و«الوفاة» ابتداءً من المعدَّل الأدنى وحتَّى المعدَّل الأعلى: بلغ «الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين» في المجموعةِ الأولى 2 ليتر في الدقيقة، وبلغ «الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين» في المجموعةِ الثانية 2.26 ليتر في الدقيقة وبلغ «الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين» في المجموعةِ الثالثةِ 2.56 ليتر في الدقيقة.

وقد وَجَد العلماءُ بعد خمسة وأربعين عامًا من المتابعة والدراسة،ِ وكذلك بعد استبعادِ العواملِ الأخرى، كالتدخين وارتفاع ضغط الدم وارتفاعِ نسبةِ الكولسترول في الدم، أنَّ كلَّ ارتفاعٍ في «الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين»، يرتبط بانخفاضِ خطرِ الوفاةِ بمعدَّلِ 21%.

ويقولُ لايدنڤال في هذا المجال: «لقد أكَّدت هذه الدراساتُ ترابطَ القدرةِ الأكسجينيَّةِ المنخفضةِ مع ارتفاعِ معدّل الوَفَيَات، إذ كان خطرُ الموتِ مرتفعًا لدى المجموعةِ ذات القدرةِ الأكسجينيَّةِ الأدنى. وكذلك سُجِّلَت العلاقةُ بين القدرةِ البدنيَّةِ وكلِّ العواملِ الأخرى المؤديَّة إلى الموت، فوجدنا أنَّ أثرَ القدرةِ الأكسجينيَّةِ على خطر الموت يُعد الثاني بعد التدخين».

ويُكمِل لايدنڤال: «إنَّ امتدادَ فترةِ متابعتنا فريدٌ ولا مثيلَ له، وتمّت المتابعة بالاستعانة ببعضِ المعطياتِ من المستشفيات والتي كانت معطياتٍ محدودةً. وكذلك فإنَّ الخطرَ المرتبطَ بالقدرةِ الأكسجينيَّةِ المنخفضةِ كان افتراضيًّا وغيرَ مستندٍ إلى الدراساتِ طيلة أربعة عقودٍ مضت، وكان هناك مجرَّد اقتراحات أنَّ للنشاطِ البدنيِّ الفاعلِ أثرًا كبيرًا في حياةِ الفرد».

وخَتَم مستنتجًا: «لقد قطعنا شوطًا كبيرًا في الحدِّ من التدخين، والتحدي الآن هو في المحافظة على مستوى عالٍ من النشاطِ الجسدي ومن اللياقةِ البدنيَّةِ وما يترتَّب عليها من محاربة حالة الكسل التي نعاني منها».


ترجمة: هنادي نصرالله
تدقيق: عبدالسلام الطائي
المصدر